كريستيان كوتس - فير أوبزرفر-
في يوليو/تموز الماضي، طردت الكويت 15 دبلوماسيا إيرانيا وقدمت رسالة احتجاج رسمية إلى الحكومة اللبنانية، بسبب تداعيات قضية «خلية العبدلي». وكانت المحكمة العليا في الكويت قد ألغت تبرئة سابقة تخص أفراد الخلية وحكمت عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 5 أعوام و15 عاما.
ويمثل هذا الخلاف الدبلوماسي تحولا في العلاقات، بعد اتصال الأمير «صباح الأحمد الصباح» في أوائل عام 2017 بالرئيس الإيراني «حسن روحاني»، عندما كان الزعيم الكويتي يسعى إلى تحديد معالم حوار استراتيجي محتمل يمكن أن يسفر عن تهدئة التوتر في الخليج. وبالإضافة إلى التأثير على العلاقات الثنائية بين الكويت وإيران، تؤكد هذه القضية ضعف الكويت أمام الانقسامات الخارجية التي تربط السياسة الكويتية المحلية باضطرابات إقليمية أوسع.
توترات تاريخية
كانت العلاقات الثنائية بين الكويت وإيران أقل توترا في الأعوام الأخيرة بسبب زيادة اندماج المجتمعات الشيعية الكويتية في الهياكل السياسية والاقتصادية، مقارنة بتلك الموجودة في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، والبراغماتية والاعتدال والسياسة الخارجية الكويتية في عهد الشيخ «صباح»، الذي خدم 40 عاما كوزير للخارجية الكويتية قبل أن يصبح رئيسا للوزراء عام 2003 وأميرا عام 2006. ومن أبرز العائلات التجارية الشيعية في الكويت أسر «بهبهاني» و«دشتي»، وتعود جذور أسلافها إلى إيران، وتشكل مصدرا هاما للسلطة التجارية الناعمة التي تربط بين الكويت وإيران. (أصول العائلات الشيعية الكبيرة الأخرى في الكويت، مثل بوخمسين والمزيدي، تعود على التوالي إلى المنطقة الشرقية السعودية والعراق).
غير أن العلاقات بين الكويت وإيران لم تكن جيدة دائما في الأعوام التي أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979 مباشرة. وخلال تلك الفترة، كانت نقطة الاتصال الرئيسية للنشاط الشيعي العابر للحدود المدعوم من إيران في الخليج هي حركة «شيرازيون»، التي تضم أتباع رجل الدين العراقي «محمد مهدي الشيرازي». وكان أعضاء «شيرازيون» نشطين بشكل خاص في الكويت، حيث استقر «الشيرازي» مع عائلته والوفد المرافق له عام 1971 بعد نفيه من النجف. ومن الكويت، أنشأ «شيرازي» شبكة من أتباعه في البحرين والمملكة العربية السعودية وأجزاء من الإمارات العربية المتحدة، مستخدما الصلات عبر الحدود بين التجار الشيعة الذين امتدت مصالحهم التجارية في الخليج. وانتقل «الشيرازي» إلى إيران بعد الثورة، وكانت حركته من طليعة المبشرين في المحاولات الأولية لنظام الخميني لتصدير الاضطرابات الثورية إلى جميع أنحاء المنطقة.
وخلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، تم إلقاء اللوم في سلسلة من الهجمات الإرهابية الكبرى في الكويت على إيران، بما في ذلك تفجيرات السفارتين الفرنسية والأمريكية في مدينة الكويت عام 1983، ومحاولة اغتيال الأمير «جابر الأحمد» عام 1985. وقد أبرزت هذه الحوادث التهديدات العابرة للحدود الوطنية بالنسبة للأمن الداخلي الكويتي، حيث أعلنت حركة الجهاد الإسلامي الموالية لإيران مسؤوليتها عن تلك الحوادث، في حين كان أغلبية المعتقلين من الشيعة العراقيين. وفي وقت لاحق من الحرب، في القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي في أبوظبي، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1986، طلب المسؤولون الكويتيون أن يوفر المجلس الحماية البحرية لأسطول النفط والتجارة الكويتي، وأن يتم إنشاء مجموعة من قوات درع الجزيرة في جزيرة بوبيان لمواجهة الاستيلاء الإيراني على شبه جزيرة الفاو من العراق في فبراير/شباط السابق. ومع ذلك، فقد تم رفض طلبهم، بسبب عدم وجود توافق في آراء دول مجلس التعاون الخليجي حول ما إذا كانت ستواجه إيران سياسيا أم عسكريا. وقد ترك هذا الأمر للمسؤولين الكويتيين خيارا ضئيلا، ما دفعهم، على مضض، للتحول إلى القوى الخارجية لتوفير الحماية البحرية للأسطول خلال «حرب الناقلات» في الفترة بين عامي 1987 و1988.
وقد لعب الشيعة الكويتيون من أصل عربي وإيراني في وقت لاحق أدوارا بارزة خلال مقاومة الاحتلال العراقي في الفترة بين عامي 1990 و1991، عندما كانت البنية التحتية المرتبطة بهم تشكل العمود الفقري لحركة مقاومة منظمة ضد قوات الاحتلال العراقية. وقد هدأت التوترات الطائفية التي كانت ملتهبة بالحوادث الإرهابية في الثمانينات، من خلال تأكيد الولاء للدولة ولأسرة «الصباح» الحاكمة في هذه الفترة الأكثر حرجا للكويت. غير أن تشكيل كتائب حزب الله كميليشيا شيعية، وتمكن فيلق القدس من نشر أكثر رجاله من ذوي الخبرة وأكثر المعدات الحساسة في العراق مرة أخرى، عام 2004، أدى إلى ضرب أجراس الخطر في الكويت بشأن التهديد المزعزع للاستقرار من الميليشيات الإقليمية المدعومة من إيران.
وخلال ذروة الحرب الأهلية في العراق بين عامي 2006 و2008، وجه الحرس الثوري الإيراني موارد كبيرة إلى كتائب حزب الله، وبحلول عام 2010، كانت الجماعة تتلقى معدات تتناسب مع ما يملكه الحرس الثوري الإيراني في إيران وحزب الله في لبنان. ومما بعث على القلق الشديد بالنسبة للكويت، ظهور الزعيم «أبو ماضي المهندس» (اسمه الحقيقي إبراهيم الإبراهيمي) في كتائب حزب الله. وكان قد تعرض للاضطهاد من قبل نظام البعث لصدام حسين وهرب إلى إيران في أوائل الثمانينات، حيث أصبح قائدا لفيلق بدر، ثم ارتفع ليصبح أكبر عضو عراقي نشط في قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني. وكان المهندس متورطا بشكل مباشر في الهجمات الإرهابية المدعومة من إيران في الكويت في الثمانينات، وقد حكم عليه غيابيا بالإعدام في الكويت لدوره في تلك الهجمات.
وقد اقتربت التوترات الطائفية في الكويت مرة أخرى من التفاقم في فبراير/شباط عام 2008، عندما تجمع أعضاء من حزب الله في الكويت (التحالف الوطني الإسلامي) في مدينة الكويت للاحتجاج ضد اغتيال «عماد مغنية»، وهو أحد الشخصيات البارزة في حزب الله في لبنان قتل في انفجار سيارة ملغومة في دمشق. وأثار التجمع الذي هتف خلاله المشاركون «الموت لأمريكا، الموت لـ(إسرائيل)»، جدلا مباشرا وغضبا من الأغلبية السنية في الكويت، حيث يعتقد أن «مغنية» هو العقل المدبر للهجمات الإرهابية المذكورة أعلاه في الكويت في أوائل الثمانينات. وقد هددت الاتهامات الكلامية في وسائل الإعلام الكويتية، وخاصة من الإسلاميين السنة الأكثر تشددا، بتعطيل التوازن الدقيق في المجتمع الكويتي. وكان رئيس الجمعية الوطنية، «جاسم الخرافي»، فعالا في التواصل مع زعماء الطوائف الشيعية في الكويت (التي تمتد عبر الطيف السياسي والديني)، واستطاع تهدئة التوترات. وأدى الحادث إلى إعادة تنظيم النواب الكويتيين الشيعة، الذين أصبحوا مؤيدين للحكومة بقوة في مواجهة رد فعل المجتمع من الأغلبية السنية في البلاد.
تؤكد هذه الخلفية مجددا ضعف الكويت إزاء التقلبات الإقليمية التي كانت تتكشف من خلال قضية «العبدلي» منذ عام 2015. وبدأت القضية مع اكتشاف مخبأ هائل من الأسلحة مخبأة في مزرعة في منطقة «العبدلي» في أغسطس/آب عام 2015، ورد أنه كان يحتوي على ما يكفي من الذخائر لتكوين «جيش صغير». ودفع حجم الاكتشاف وتكهنات وسائل الإعلام المكثفة التي ربطته بإيران، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال حزب الله.
وتم اتهام 25 كويتيا، كلهم شيعة، وإيراني واحد بالعمل لحساب الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وتهريب المتفجرات من إيران بقصد القيام «بأعمال عدائية» ضد الكويت. وأدين 23 من أصل 26 شخصا وحكم عليهم بالسجن لمدد متفاوتة في يناير/كانون الثاني عام 2016، وحكم على العضو الإيراني بالإعدام غيابيا. ثم برأت محكمة الاستئناف خمسة عشر رجلا بعد ذلك في يوليو/تموز عام 2016، ثم قامت المحكمة العليا بإلغاء الحكم بالبراءة في يونيو/حزيران الماضي، وأكدت الأحكام الأصلية التي كانت قد دفعتهم إلى الفرار، ومن المفترض أن يكونوا الآن في إيران.
مستقبل العلاقات
وتتسبب التداعيات الناجمة عن قضية «العبدلي»، إلى حد كبير، في تعقيد التقدم المحرز في العلاقات بين الكويت وإيران على مدى الأعوام الخمسة الماضية. وفي أعقاب صلابة العلاقات الثنائية مع إيران خلال عهد «محمود أحمدي نجاد»، سارعت الكويت إلى إحياء العلاقات السياسية والتجارية على أعلى مستوى بعد انتخاب الرئيس «روحاني» في يونيو/حزيران عام 2013، والاتفاق النووي الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وفي يونيو/حزيران عام 2014، قام الشيخ «صباح» بأول زيارة رسمية له إلى إيران منذ توليه السلطة في يناير/كانون الثاني عام 2006، إلى جانب وفد كويتي يضم وزراء النفط والمالية والشؤون الخارجية والتجارة والصناعة. وكانت هذه الزيارة، وهي الأولى التي يقوم بها أي أمير كويتي منذ الثورة الإيرانية عام 1979، شديدة الأهمية، لاسيما أنها جاءت خلال دورة رئاسة الكويت لمجلس التعاون الخليجي، وقد مثلت محاولة للمساهمة في ذوبان الجليد في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي.
وقد بينت التعليقات، في فبراير/شباط عام 2014، التي نسبت إلى «خالد الجارالله»، وكيل وزارة الخارجية في الكويت، الذي وصف من خلالها العلاقة مع إيران بأنها ممتازة وتاريخية ونامية، الفرق بين نهج الكويت تجاه إيران وموقف المواجهة الذي اتخذته السعودية والبحرين والإمارات. ولم تنضم الكويت إلى السعودية والبحرين في قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد تصاعد التوتر بعد إعدام «نمر النمر»، رجل الدين السعودي الشيعي، واستهداف المواقع الدبلوماسية السعودية في إيران في يناير/كانون الثاني عام 2016. كما أن الكويت لم تنضم إلى العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وترأست في نهاية المطاف جهود غير ناجحة عام 2016 في محاولة للتوصل إلى تسوية دبلوماسية للصراع بين القوات المدعومة من الحكومة والمتمردين الحوثيين.
ولذلك لم يكن الأمر مفاجئا عندما برزت الكويت في مبادرة لمحاولة نزع فتيل التوتر في الخليج في بداية عام 2017. وفي 25 يناير/كانون الثاني، زار وزير الخارجية الكويتي الشيخ «صباح الخالد الصباح» طهران، وحمل رسالة من الأمير «صباح» إلى الرئيس «روحاني» سعت إلى إقامة «أساس للحوار» بين مجلس التعاون الخليجي وإيران. وفي وقت الزيارة، علق الأمير على أن «هناك رغبة ورغبة حقيقية في إقامة علاقات طبيعية ونزيهة مع إيران»، وأضاف أن «فتح قناة اتصال (مع طهران) سيعود بالنفع على الجانبين».
ولم يكن اختيار الكويت لإرسال الرسالة وتقديم فرع الزيتون من مجلس التعاون الخليجي إلى إيران مفاجئا. ففي عمر الـ87، لم يكن أمير الكويت فقط رجل الدولة الأكبر سنا بين حكام دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنه أيضا من قدامى رجال الشؤون الإقليمية منذ فترة ولايته البالغة 40 عاما في منصب وزير الخارجية بين عامي 1963 و2003. وخلال فترة عمله كوزير للخارجية وكأمير، سعت الكويت إلى تجنب الوقوع في معارك تقتضي من الجانبين تقويض التوازن الدقيق للعلاقات الإقليمية. وبالإضافة إلى كونه جسرا بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، استفاد الأمير «صباح» من مكانته وخبرته كوسيط إقليمي في النزاع بين قطر والسعودية والإمارات عام 2014، وقد فعل ذلك مرة أخرى في المواجهة الأخيرة بين نفس الدول وقطر، التي بدأت في 5 يونيو/حزيران عام 2017.
وفي 7 فبراير/شباط، رد وزير الخارجية الإيراني «جواد ظريف» على الاجتماع مع وزير الخارجية الكويتي ورسالة الأمير، وذكر أن إيران مستعدة للحوار. ثم زار «روحاني» الكويت (وعمان) في 15 فبراير/شباط، وسافر الأمير «صباح» إلى مسقط من 20 إلى 22 فبراير/شباط للاجتماع مع السلطان «قابوس بن سعيد» لبحث سبل الحد من التوترات في الخليج وبناء الجسور بين إيران والسعودية في جزيرة العرب. وخلال فترة وجوده في الكويت، أشاد «روحاني» كثيرا بإمكانيات العلاقات الثنائية، قائلا: «هناك إمكانات هائلة لتعميق وتدعيم العلاقات بين إيران والكويت في مختلف الجوانب التي يمكن استغلالها من أجل أن تستفيد الدولتان والمنطقة».
وعلى الرغم من أن الردود الأولية على المبادرة الكويتية كانت إيجابية في لهجة الخطاب، لم يكن هناك متابعة جوهرية تذكر في الأشهر الخمسة التالية بين فبراير/شباط وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية في يوليو/تموز. وكان أحد أسباب ذلك هو عدم وجود دعم من القادة السعوديين، نظرا إلى عمق مشاركتهم في اليمن، وعدم رغبتهم في دعم سياسة قد تنطوي على تراجع في القتال الإقليمي الصفري المتزايد مع إيران. وبعد سقوط حلب، التي مثلت رمزا لهزيمة السياسة المدعومة من مجلس التعاون الخليجي في سوريا، كان من غير المستغرب أن ترفض القيادة السعودية دعم أي جهد كان من شأنه أن يعترف أو يضفي الشرعية على الدور الإقليمي لإيران. كما اتبعت إدارة «ترامب» الجديدة نهجا صارما تجاه دور إيران في الشرق الأوسط.
ولذلك، يختبر المسؤولون الكويتيون مشهدا إقليميا مختلفا تماما عما كان عليه في يناير/كانون الثاني. وبينما كشفت الأزمة بين قطر ومجلس التعاون الخليجي عن انشقاقات وانقسامات في الكتلة العربية السنية التي سعى الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» لحشدها ضد إيران خلال قمة الرياض في مايو/أيار، فإن القضية الإيرانية لم تختف من المشهد.
ويتم النظر لتدخل إيران في الصراعات الإقليمية عبر الشرق الأوسط، من خلال دعمها السياسي والعسكري لوكلاء من قبيل حزب الله وحركة الحوثيين في اليمن، من قبل مسؤولي دول مجلس التعاون الخليجي كأكبر تهديد مباشر للأمن والاستقرار في الخليج. ولهذا السبب، ترددت أصداء رحلة الـ15 رجلا من خلية «العبدلي» بقوة في الكويت وجيرانها، حيث اتهمت البحرين، بالتزامن، أعضاء خلية شيعية محتجزين في المملكة بوجود صلات لهم مع حزب الله اللبناني والمسلحين في إيران، بما في ذلك سرايا الأشتر. وتسبب كل من قضية «العبدلي» وظهور سرايا الأشتر في البحرين (بعد عام 2011) في تغذية قلق المسؤولين في مجلس التعاون الخليجي من احتمال تسلل عناصر المعارضة السياسية والدينية إلى الأسر الحاكمة، وعسكرة الحركات ذات التطور المتزايد في البنية والقدرات التشغيلية، مع وجود مؤشرات أوضح للدعم الخارجي من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.