DW- بالعربية-
تسلسل التصريحات الصادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من أبرز مسؤوليه تعكس موقفاً متضارباً من الأزمة بين دول خليجية وعربية وبين قطر. هذا التخبط في التصريحات والمواقف يزيد من عمق الأزمة. تخبط مقصود أم فوضى؟.
تارة مع وتارة ضد، والعالم في حيرة. هذا ما قد يلخص موقف الولايات المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين، هما عمر ما بات يُعرف باسم "الأزمة القطرية"، إذ ما تزال دول خليجية وعربية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، تفرض حصاراً على قطر، متهمة إياها بدعم حركات الإرهاب وبمحاولة "شق الصف" الخليجي، إلى جانب التحريض على جيرانها الخليجيين وإقامة علاقات مع إيران، التي تعتبرها السعودية عدواً لها.
...extremism, and all reference was pointing to Qatar. Perhaps this will be the beginning of the end to the horror of terrorism!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 6, 2017
الولايات المتحدة الأمريكية، وفي سياق الأزمة، صرحت بادئ ذي بدء على لسان رئيسها دونالد ترامب بأن مقاطعة قطر مؤشر جيد، ذلك أن "التلميحات تشير إلى قطر" في موضوع دعم الإرهاب. لكنه عاد وأعلن بعد ذلك بخمسة أيام عن صفقة لتوريد طائرات مقاتلة من طراز "إف 15" لقطر بقيمة 12 مليار دولار.
وبالانتقال إلى الوقت الراهن، نجد هذا التضارب في التصريحات مستمراً، ولكنه امتد إلى أروقة المؤسسات الأمريكية، فحتى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في التاسع من الشهر الحالي، والتي دعا فيها قطر إلى بذل مزيد من الجهود لوقف دعم الإرهاب، عاد تيلرسون وشدد بعدها على ضرورة عمل جميع الأطراف من أجل الوصول إلى حل سلمي ودبلوماسي لهذه الأزمة، تبعه تصريح لناطقة في وزارة الخارجية تعجبت فيه من أن المقاطعة القطرية ما تزال مستمرة منذ أسبوعين دون تقديم أي لائحة مطالب لقطر.
.@statedeptspox Nauert provides a readout of Secretary Tillerson's engagement on #Qatar, regional situation pic.twitter.com/vo2FJ86BZg
— Department of State (@StateDept) June 20, 2017
مشاكل في التقييم أم تعمد في التخبط؟
سباستيان زونس، الخبير الألماني في الشؤون السعودية، يعتبر في حوار مع DW عربية بأن هناك "مشاكل في تقييم الأزمة القطرية" داخل الإدارة الأمريكية، انعكست في هذه الرسائل المتضاربة، ما "أنتج تناقضات ومشاكل في التنسيق بخصوصها".
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي سعيد عريقات من واشنطن، في مقابلة مع DW عربية، بأن كون أن ترامب لم يغرد عبر حسابه في "تويتر" حول الأزمة الخليجية منذ تغريدته التي اتهمت قطر بدعم الإرهاب يعني أن وزارة الخارجية بدأت تتولى إدارة هذا الملف فعلياً. وأضاف عريقات: "ما نراه هو أن السياسة الفعلية (في هذا الملف) هي سياسة وزارة الخارجية (الأمريكية)".
توقيت الصفقة القطرية مع الولايات المتحدة، والاتفاقيات بمبالغها الهائلة التي وقعها ترامب أثناء زيارته للرياض، تدفع البعض للقول بأن التخبط الأمريكي في الحقيقة ليس تخبطاً، بل نهجاً "ذكياً" لانتزاع أكبر قدر من المكاسب قبل الضغط لحل الأزمة، وهو ما قد يفسر صفقة طائرات الإف 15 الأمريكية مع قطر بالرغم من اتهامها صراحة بدعم الإرهاب من قبل ترامب.
لكن زونس يقول إن ذلك ما هو إلا عارض من عوارض الأزمة بدل أن يكون جزءاً منها أو من مخطط لإحداثها، مشيراً إلى أن "من مصلحة الولايات المتحدة إيجاد حل دبلوماسي للأزمة. لذا يعتمد الأمر على أن تنتهج الولايات المتحدة خطاً سياسياً موحداً وبنّاءاً للتأثير على السعودية وباقي الأطراف من أجل الوصول إلى حل دبلوماسي".
هذا النهج يتفق معه سعيد عريقات، الذي يعتبر أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية في المنطقة سياسة عريقة وذات جذور تمتد لعقود، وأن ترامب ليس قادراً، في ظل انعدام خبرته السياسية، على تغيير تلك السياسة خلال فترة رئاسته، ما يرجّح فرضية التخبط المبني على غياب التنسيق وتضارب التصريحات الناشئة عنها.
ويوضح عريقات ذلك بالقول: "لحسن حظ الولايات المتحدة، هناك على الأقل شخص وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية، الذي أيضاً لم يأت من خلفية سياسية ولكنه استطاع على الأقل أن يكوّن حالة اتزان في الإدارة الأمريكية. هناك مجموعة من الوزراء الذي يستطيعون أن يسيروا السفينة في الاتجاه الصحيح في هذه اللحظة الحرجة للولايات المتحدة".
أهمية قطر ودور محمد بن سلمان
قد يبدو للوهلة الأولى أن قطر تحظى بأهمية كبيرة لدى الولايات المتحدة، فهي تعتبر من كبرى الدول المصدرة للغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه الكثير من الصناعات في العالم الغربي. كما أن قطر تضم قاعدة العديد الجوية، والتي تعتبر أحد أهم وأكبر القواعد الأمريكية في المنطقة وتضم مقر ما يسمى بالقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية. كما أن قطر تربطها بالإدارات الأمريكية المتعاقبة علاقات ودية.
لكن مع ذلك، يرى الخبير الألماني سباستيان زونس أن بالرغم من هذه الأهمية، تبقى السعودية "الحليف الأكثر أهمية لأمريكا تاريخياً وعسكرياً واقتصادياً، وقد عبّر ترامب عن ذلك جلياً خلال زيارته للرياض".
علاوة على ذلك، فإن قرار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، منتزعاً اللقب من الأمير محمد بن نايف، وتزامنه في وسط المواجهة مع قطر، يعني بالنسبة للكاتب والصحفي سعيد عريقات بأن الرئيس الأمريكي جزء فاعل في هذه الأزمة.
ويقول عريقات إن "الأمير محمد بن سلمان شخصية غير معروفة في الولايات المتحدة، فهو شاب صغير في السن تلقى تعليمه في السعودية وليس في الغرب مثل الكثير من الأمراء الآخرين. لكن الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر استطاعوا أن يبنوا علاقة شخصية معه ومع محمد بن زايد"، ما يعني ضمان هذا الارتباط بينه وبين الأمير بن سلمان بعيداً عن الوجوه المتعارف عليه في بقية مراكز القوى بالولايات المتحدة.
على الصعيد الداخلي، يعتبر الخبير الألماني في الشؤون السعودية سباستيان زونس أن الأزمة مع قطر مع هي إلا محاولة من الأمير محمد بن سلمان لإظهار نفسه بصورة القائد القوي الذي يتعامل مع خصومه بحزم، وهو ما أظهره في الحرب على اليمن والمواجهة مع إيران والآن في التعامل مع قطر.
سبل إنهاء الأزمة
يرى زونس أن الولايات المتحدة جزء من الأزمة مع قطر وجزء من حلها أيضاً، إذ يقول: "من ناحية يمكن للولايات المتحدة أن تمارس نفوذاً بنّاءاً على أطراف النزاع في الشرقيين الأوسط والأدنى، وخاصة على السعودية. لكن من ناحية أخرى، ساهمت السياسات الأمريكية الهدامة في العراق وسوريا خلال السنوات الماضية في تصعيد الوضع بشكل دراماتيكي في المنطقة".
لكن يبدو أنه ولكي تمارس الولايات المتحدة هذا النفوذ بشكل بنّاء، يجب أن تكون هناك طريقة لتجنب هذا التضارب في التصريحات بين البيت الأبيض وبقية مؤسسات السلطة في واشنطن، مثل وزارة الخارجية على سبيل المثال.
إلا أن الرئيس الأمريكي ترامب ما يزال شخصاً لا يمكن توقع خطوته المقبلة، وحتى يتم الإعلان عن حل رسمي للأزمة في الخليج، يبقى العالم حابساً لأنفاسه بانتظار التغريدة المقبلة للرئيس الأمريكي حول الموضوع.