ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

أزمة قطر بين الوساطات العربية والأجنبية

في 2017/09/07

خالد بن حمد المالك- الخليج السعودية-

شكلت أزمة قطر مع أشقائها حالة من مظاهر الاسترضاء لهذا الطرف أو ذاك، والتقرب لأي من الجانبين أو لكليهما في إظهار حسن النية والانزعاج من هذا الخلاف، وإبداء الاستعداد للدخول وسيطاً لحل المشكلة، فكانت روسيا وتركيا وبريطانيا وأمريكا، ولكن بنسب متفاوتة من حيث الحماس، ومن دور لا يرتقي إلى مستوى الجدية، إذ إن الحلول المطروحة منهم لا تتجاوز النصح، والتذكير بأن المصلحة تقتضي تجاهل أسباب الخلاف والعودة بالعلاقات إلى ما كانت عليه من قبل، أي أن مثل هذه الآلية في التوسط بين الجانبين لا تخدم إلا قطر، بل إن الدول الأربع لو وافقت على ذلك، فكأنها توافق على استمرار نظام قطر في ممارسة التطرف والتحريض ودعم الإرهاب والتدخل في شؤون الدول الشقيقة، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به المملكة والإمارات والبحرين ومصر.

هناك دول لمحت عن استعدادها للدخول طرفاً في حل هذا النزاع، ولكن كان هذا التلميح على ما يبدو من أجل الاحتفاظ بعلاقاتها مع الدول الخمس، وإن كانت ترى لأسبابها الخاصة بها غير مؤهلة بما يكفي لأن تقوم بهذا الدور، وأنه أفضل لها لكيلا تخسر أي طرف أن تقف على الحياد، بصرف النظر عن أن الدول الأربع هي المتضررة من سلوكيات وسياسات الدولة الخامسة وهي قطر، وثم فإن أي معالجة لهذه الأزمة يجب أن تبدأ بإقناع نظام تميم بالتخلي عن السياسة العدوانية ضد الدول الأربع، وأن يكون ضمن أولويات السياسة القطرية الجديدة التي تطالب بها الدول الشقيقة أن تتخلى الدوحة عن دعم الإرهاب، وإيواء الإرهابيين في البلاد، ومنع قناة الجزيرة من ممارسة أسلوب التحريض والكراهية وتشجيع الفوضى في الدول المتضررة من السياسة القطرية.

لكن لماذا كل هذا الاهتمام والتطوع بإيجاد معالجة لهذه الأزمة من الدول الأجنبية وليس العربية، بصرف النظر عن مصداقية هذه الوساطات الأجنبية من عدمها، السبب أن قطر لها في كل دولة عربية مشكلة، فهي تتوقف أحياناً عن دعم الإرهاب فيها، وتحريض المواطنين على العصيان والفوضى، ثم ما تلبث أن تعود ثانية إلى إثارة المشاكل فيها، بحسب الظروف والأجواء، التي عادة ما تستثمرها لتحقيق مآربها في مدى مناسبتها لتحريك الشارع في هذه الدولة أو تلك، وثم فالدول العربية ليست في وضع من يملك القدرة للعمل وسيطاً وهناك طرف وهو قطر في هذه الأزمة يمارس مع جميع الدول العربية ما يمارسه مع المملكة وشركائها في هذا الخلاف مع قطر، أي أن الجميع على خلاف صامت مع نظام تميم، ويفضلون أن يلتزموا الصمت على أمل أن تسفر هذه الأزمة عن تخلي النظام القطري عن سياساته المدمرة.

حتى دولة الكويت -وهي الوسيط في الأزمة القطرية، كما كانت الوسيط في أزمة عام 2013م، وهي الأفضل في لعب هذا الدور- لم تسلم من مؤامرات قطر، ومع هذا غضت النظر، وتسامحت، رغم حجم الضرر الذي مسّها، وتبنت دور الوسيط في إنقاذ قطر، ومع هذا فقد خذلها نظام تميم، ورفض أن يقبل بما هو مطروح ومعروض عليه من شروط لإنقاذ رقبة النظام من حبل مشنقة قطع العلاقات وقفل الحدود، الأمر الذي يجعلنا نرى في الموقف القطري وكأنه يزيد المسافة دون الوصول إلى حل، لأسباب جوهرية، أبرزها أنه نظام استسلم تماماً لإملاءات إيران وتركيا والإخوان المسلمين، وفضلها على أي تنازل يضع حداً ونهاية للتنسيق والتعاون مع هذه الجهات، وأسباب أخرى ترجع إلى طبيعة النظام القطري في وجود شكوك ومزاعم لديه بأن هناك مؤامرة للتغيير في قطر تتبناها وتدعمها دول شقيقة أعضاء في مجلس التعاون، وربما المعني بهذه الأوهام المملكة والإمارات تحديداً.

على أن أي وساطة -سواء كانت خليجية أو عربية أو أجنبية- سوف لن تكون لها قيمة في تغيير السياسات القطرية، وتفريغها من الإرهاب والتطرف والتحريض، لأن نظام تميم وقبله نظام حمد اعتمدا هذه السياسة في مواجهة ما يقول القطريون بأن أميرهم لا يتصرف من عندياته، فالإخوان المسلمون وحزب الله والحوثيون والقاعدة والنصرة وخليط من المنظمات والكيانات الإرهابية لهم تأثيرهم على السياسة القطرية المعلن منها وغير المعلن، يعززها موقف إيراني داعم بقوة لهذا التوجه القطري الذي أصاب بعض الدول الخليجية والعربية بمقتل، بما لا يمكن أن تتم مواجهته بأقل مما أعلنت عنه الدول الأربع.

وساطات الخير لحل النزاعات بين الدول مرحب فيها من الدول الأربع، لكنها قوبلت بخلاف ذلك من نظام تميم، ويبدو أن أمير دولة الكويت صدم من الموقف القطري، فنأى بنفسه أخيراً عن الاستمرار في وساطته، لأنه رأى بأنها لا تفضي إلى شيء، وأن جهده بلا قيمة، وأن عمله لم يقدر، وأن من رفض القبول بأساسيات الحل سوف يندم، وها نحن أمام ندم قطري متأخر، وإن حاول الإعلام القطري والمحسوب عليه أن يظهرها بغير ذلك، غير أن النتائج والآثار التي ترتبت على قطر -في ضوء قطع العلاقات وقفل الحدود- لم تقتصر على تحجيم دور قطر الإرهابي، ومنعها من ممارسة التحريض، وتشجيع التطرف، وإنما تجاوز ذلك إلى وجود فجوة كبيرة في علاقة النظام بالمواطنين، بعد أن تكشفت الأمور، وأصبح المواطن على علم بما كان مغيباً عنه من ممارسات لا تخدم قطر، وإنما هي لإرضاء إيران في تنفيذ مخططاتها وتوجهاتها، مغطاة باسم الدولة القطرية؛ لضمان تمريرها دون أي معوقات.

من السابق لأوانه القول بأن نتائج المقاطعة سوف تنحصر بما هو واضح ومعلن حتى الآن، أو التكهن إن كانت هناك وساطات مستقبلية جديدة سوف تدخل على الخط، ومثل ذلك إن كان نظام تميم أصبح جاهزاً وعلى استعداد لتفهم المطالب المشروعة التي قدمتها له الدول الأربع لإعادة المياه إلى مجاريها مع الدوحة، لكن ما هو واضح لي أن استخدام كسر العظم وبالعصا الغليظة من قبل الدول التي قطعت علاقاتها وأقفلت حدودها مع قطر، ربما كان هذا وقته المؤثر الذي أجبر قطر إلى تهدئة ممارساتها العدوانية، حتى مع استمرار هذه الإجراءات، بسبب الخوف من رصد أي عمل جديد يُشم منه بأنه عمل إرهابي أو عدواني، فيكون سبباً لتصعيد آخر في الموقف ضد قطر.

نظام قطر بدا عليه الارتباك منذ أول يوم قطعت فيه العلاقات، ومن ثم أقفلت الحدود، لكنه مع كل يوم يمضي يزداد أكثر ارتباكه وقلقه وخوفه من تبعات ممارساته الإرهابية التي تم رصدها وتوثيقها، وهو يعرف ولكنه يكابر، أن فرص حل أزمته مع أشقائه تتضاءل وتضيق، وسيضطر في المستقبل للقبول بالشروط المعروضة عليه حالياً، والا سيكون مرغماً للقبول بما هو أصعب إذا ما ظل يناور ويعاند، ويظهر في صورة البطل الذي لا يعبأ بالإجراءات التي اتخذت ضد قطر، لأن عليه عندئذٍ أن يتوقع الكثير، مما لم يخطر على باله، أو كان ضمن حساباته، لأن الدول الأربع -كما أتوقع- لن تكتفي بالإجراءات التي اتخذتها، دون ملاحقة النظام القطري في المحاكم الجنائية والعدلية على مستوى العالم، للاقتصاص من المجرمين والقتلة الذين كان لقطر دورها في دعمهم وتشجيعهم وإيوائهم.

وفي هذا الشأن نتمنى ألا تتوقف الوساطات، ولا تكون المواقف السلبية لنظام قطر سبباً في الإحجام عن دور يمكن أن يكون سبباً في إنقاذ رقبة النظام من المحاسبة، إذا ما أصرت الدول الأربع على رفع ملفاتها إلى المحاكم المعنية، للتحقيق مع المتهمين في إثارة الفتن وزعزعة الاستقرار، وتطبيق العقوبات التي تنص عليها القوانين ذات الصلة بالإرهاب والتطرف في المنطقة على كل من تثبت إدانته، لضمان عدم تكراره، والتأكيد لقطر على أن السلم العالمي لا يمكن العبث فيه بالمال والإعلام والسلاح، وإلا كان المتسبب تحت المساءلة والتحقيق والعقوبة، وهذا ما نتوقع أن تواجهه الدولة القطرية الآن أو في المستقبل القريب.