مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
حين أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مواقفه النارية ضد إيران وطال فيها المعتقدات الشيعية مطلع شهر أيار الماضي في المقابلة الشهيرة مع قناة العربية، ظن الجميع أن السعودية تمهّد لهجمة لا تقف عند حدود السياسة، بل تشمل كل "الأسلحة" التي تكفل "ضرب النفوذ الإيراني" ولو اضطر الأمر إلى نقل المعركة "خلف خطوط العدو"، وامتاز خطاب الأمير الطامح لتولي سدة المُلك بالشمولية في مقاربة السعودية لكل الملفات والقضايا في المنطقة، ولكن الذي حصل أنه في 24 من الشهر نفسه أطلقت السعودية شرارة الأزمة الخليجية - الخليجية ضد قطر، بعد أن شعرت الرياض بفائض كبير من القوة بعد عقد مؤتمر الرياض برعاية الحاكم الأمريكي دونالد ترامب.
مقاربة سعودية جديدة في منطقة تهدأ
في المقابل، وفي ظل الحديث عن اقتراب إعلان محمد بن سلمان ملكاً، بدأ الخطاب السياسي للرياض يأخذ منحى براغماتياً في التعاطي مع البؤر المشتعلة والمحيطة بالسعودية، على الرغم من استمرار المسؤولين السعوديين في تمييع صورة ما يجري عبر اعتماد سياسة النفي فوق الطاولة وتأكيد المواقف من تحتها، ولعل أبرز نموذج على ذلك إعلان وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي من طهران، أن السعودية طلبت من رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي التدخل لتخفيف التوتر بين الرياض وطهران ومعالجة الملفات العالقة وحلحلة عقد الوضع المتأزم، واقترنت هذه الوساطة بخطوات إجرائية تمثلت بزيارات متبادلة لوفود من كلا البلدين تحت عنوان "موسم الحج" الذي كان هذا العام استثنائياً على الرغم من زيادة عدد الحجاج بنسبة 20%، وكان لافتاً مواقف الشكر والتقدير والمعاملة الجيدة غير المسبوقة للحجاج الإيرانيين.
وفي السياق ذاته، بدأت الرياض بإجراء مقاربة جديدة للعلاقات مع دول الجوار، ولا سيما تلك التي كانت مصنّفة سعودياً ضمن محور الشر، فعادت العلاقات السعودية - العراقية لتسلك مسارها الطبيعي، بعد قطيعة دامت 25 عاما، وستفتح الحدود أمام الأفراد والبضائع للمرة الأولى منذ عام 1990، ولا بد في هذا الإطار من التوقف ملياَ عند ما أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حين قال: "إن المنطقة تهدأ .. وعلى الطائفية أن تتراجع".
أسئلة لا بد منها
وعليه ماذا ينتظر الأيام المقبلة من تطوّرات؟
• هل سيكون ترميم السفارة السعودية في "طهران" وقنصليتها في "مشهد"، وزيارة نظرائهم الإيرانيين السفارة في الرياض كما أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، مؤشراً على عودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتجارية وغيرها بين البلدين؟
• هل ستعمد السعودية إلى إطفاء نارها في اليمن، وتتجه تدريجياً إلى تشكيل ترويكا رئاسية تجمع بين الحوثيين وحزب المؤتمر برئاسة علي عبد الله صالح والمعارضة؟
• هل ستعمد الرياض إلى فرط التحالف العسكري "العربي - الإسلامي" الذي تم تشكيله أساساً لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة من دول وجهات وحركات ومنظمات، ومنعها من التدخل في الشؤون العربية؟
• هل ستعمد الرياض إلى إعادة النظر في سياستها في البحرين باتجاه بدء حوار مع المعارضة وصولاً إلى إرساء شراكة سياسية بين الشيعة والنظام في البحرين؟
• هل ستتوقف عمليات استهداف الشيعة في منطقة القطيف والاتجاه إلى تسوية الأوضاع فيها وإعادة إعمار ما هدّمته الصواريخ السعودية والتعويض عن الخسائر البشرية والمادية للمتضرّرين؟
• هل سنرى وفود السعودية الرسمية تزور دمشق بشكل معلن لتعلن الاعتراف بالدولة السورية وعودتها إلى الجامعة العربية، بعد أن أبلغت المعارضة بأن أوانها قد انتهى ولا بديل عن بشار الأسد رئيساً لسوريا؟
ماذا عن لبنان؟
في موازاة المدّ التسووي السعودي في المنطقة برزت تغريدة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان أن "الارهاب والتطرف في العالم منبعهما إيران وابنهما البكر حزب الشيطان"، في إشارة إلى حزب الله، وبدا هذا الموقف كأنه خارج السرب أو في الاتجاه المعاكس للسياسة السعودية المستجدة، وأن لبنان سيبقى ساحة التصادم القاسي بين السعودية وإيران، إلا أن مصادر متابعة وضعت هذا التصريح في خانة تطمين معنوي لحلفاء السعودية في لبنان، وأن أي تقارب مع إيران لن ينعكس على دعم الرياض لهم في لبنان، ولن يكونوا "فرق عملة" على طاولة الاتفاقات، وقد رشح عن لقاءات السبهان مع المسؤولين الذين التقاهم في بيروت في زيارته الأخيرة أن لبنان لا يزال يدخل ضمن الأولويات السعودية"، ولكنه أكّد في المقابل أن ليس هناك اتجاهاً للتصعيد ضد حزب الله، بل العمل على خلق توازن في الأدوار والنفوذ بين إيران والسعودية في لبنان.
ماذا تريد السعودية؟
يسأل مراقبون: أين أمريكا مما يجري؟ وهل الهندسة الجديدة لمحمد بن سلمان لخارطة المعالجات بعيدة عن التنقيحات أو التوجيهات الأمريكية؟ والجواب بديهي، حيث إن كل ما يجري لا يبتعد قيد أنملة عما تخططه واشنطن وإدارة ترامب، فقد كان الرجل واضحاً في أولوياته، منذ أن ألقى كلمته الشهيرة في مؤتمر الرياض، وهي العمل على حل المشكلات الداخلية في الولايات المتحدة، ودعم القطاع المالي وتجاوز كل الملفات التي قد تؤدي إلى تداعيات غير متوقعة تدخل واشنطن في خيارات مكلفة، ولعلّ الملف الأبرز راهناً التخلص من داعش والاتجاه إلى إرساء حالة من الاستقرار في المنطقة، وهذا ما تحاول السعودية انتهاجه حالياً في سياستها، ولكنها إلى حد الآن لم تنجح في تثبيت بوصلتها ورسم اتجاهاتها بشكل واضح، ففي كل ملف تدخل فيه الرياض تترك فيه ألغاماً قد تنفجر في أي لحظة وعند أي هفوة، والمشهد الجديد الذي قد يفكر محمد بن سلمان صياغته للسياسة السعودية قد ينهار سريعاً نتيجة خطأ في الحسابات، وهو ما يجعل الاطمئنان إلى هذه السياسة والرهان عليها في غير محلّه.