د. حمد العصيدان- الراي الكويتية-
شكلت زيارة سمو الأمير إلى واشنطن الناجحة بكل المقاييس يوم الخميس الماضي، منعطفا حاسما في مسار الأزمة الخليجية، ظهرت آثارها الإيجابية نحو الحل في اليوم التالي «الجمعة» من خلال الاتصالات التي جرت بين أطراف الازمة، حيث عملت حكمة صاحب السمو على ان يركب قطار الحل سكته.
ولعل أبرز ما يمكن الوقوف عنده من الزيارة، هو ما أدلى به سموه للصحافيين في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولاسيما ما يتعلق بالأزمة الخليجية والجهود الكويتية لتطويقها والخروج من نفقها، إذ كان اللافت جدا ما صرح به سموه وعكس جهوده خلال الشهور الثلاثة الماضية من الأزمة، لوقف تداعياتها. ومما ذكره صاحب السمو في المؤتمر الصحافي نقف عند ثلاث نقاط في غاية الأهمية، وتبرز إلى أين كانت المنطقة تسير في طريق الأزمة.
أول نقطة في تصريح سموه، قوله إن مساعيه في وقف تصعيد الأزمة نجحت في وقف الخيار العسكري، حيث قال «نحمد الله أننا أوقفنا أن يكون هناك شيء عسكري» ما يشير إشارة قوية إلى أن الأزمة كانت تتجه نحو خيار عسكري ستكون له تداعيات كارثية على المنطقة، في ظل وجود متربصين بالمنطقة ودولها يتحينون الفرصة للانقضاض عليها، سواء بشكل مباشر أو من خلال خلايا نائمة هنا وهناك، فكانت الجهود المباركة لسمو الأمير في نزع الفتيل العسكري من الأزمة، وهو إنجاز عظيم جنّب منطقة الخليج حريقا لن يكون أقل ضراوة من حريق أزمة الخليج الأولى عام 1990، في رهان على حكمة قادة دول المجلس ولاسيما قادة المملكة العربية السعودية، الشقيقة الكبرى التي تتميز بالحكمة وبعد نظر قادتها في تقدير المواقف والأحداث.
ولعل ما شهدته المنطقة في أعقاب نشوب الأزمة بداية شهر يونيو الماضي من تصعيد عسكري، كان يشي بنشوب مواجهة عسكرية كانت قاب قوسين من الوقوع، ومنها دخول تركيا على الخط بسرعة وإنشاء قاعدة عسكرية لها في قطر، هذا عدا التحركات الأميركية الحثيثة في الخليج، ولكن كما قلنا كانت حكمة صاحب السمو، واستجابة إخوته قادة دول المجلس، كفيلتين بوقف هذا التصعيد، وسحب البساط من تحت المتربصين.
النقطة الثانية التي أثارها سمو الأمير في مؤتمره الصحافي، ما وصل إليه الخطاب الإعلامي في منطقة الخليج العربي من تردٍّ، حيث قال سموه إن «الإعلام انحدر إلى مستويات واطية وهو يسيء إلى الشعوب وليس الحكام» ويقصد سموه ما شهدته وسائل الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي من حملات تصعيد وتشويه في الدول الخليجية بعضها ضد بعض، وسط حملات من الشتم والردح وصلت كما وصفها صاحب السمو إلى مستويات «واطية» أساءت للشعوب والحكام، وتجرأت على الأعراض في صور لا يقبلها عقل ولا دين. فكان لزاما التدخل لوقف هذا السيل الإعلامي المنحدر من الإساءات، وهنا لا بد أن يكون للجهات المختصة في جميع دول الخليج، من دون استثناء، دور في وقف هذه المهازل، من خلال توجيه إعلامها الرسمي لوقف الحملات على الطرف الآخر من جهة، ولتوجيه الرأي العام إلى أن شعب الخليج شعب واحد، يتصل بالنسب والدين والأرض، وأن الإساءة لأهل أي دولة هي إساءة لجميع شعوب الخليج، ليصار إلى عودة الخطاب الإعلامي إلى منحناه الصاعد ويخرج من الحضيض الذي وصل إليه، وأخص هنا بالذكر أشهر القنوات الفضائية من جميع الدول التي تقود حملات كبيرة ضد بعضها بأن تتوقف وتعود إلى رشدها، وتترك الأمر لذوي الأمر حتى يجدوا له حلا.
النقطة الثالثة اللافتة في ما أثاره صاحب السمو، تتعلق بالمطالب الثلاثة عشر التي طلبتها دول المقاطعة من قطر، فصاحب السمو أكد أن قطر على استعداد للجلوس على طاولة المفاوضات ومناقشة المطالب من جهة، وأشار من جهة أخرى إلى أن بعض المطالب لا يمكن أن تقبل بها الكويت نفسها لأنها تمس السيادة، وهو أمر مرفوض ولا يقبله أحد.
فمن ناحية استعداد قطر للتباحث حول المطالب، شدد صاحب السمو على أن الكويت ضامنة لها، وهو أمر مشجع للدول الأخرى كي تقبل بالأمر مع ضمان صاحب السمو للجانب القطري. ومن ناحية أخرى فإن بعض المطالب التي تتعلق بالسيادة الوطنية، ولا يمكن القبول بها، يجب أن تراعيها دول المقاطعة وتعمل على إيجاد حل لها، فسيادة الدول مكفولة في القانون الدولي وسياساتها الخاصة حق لها، وهذا ما يجب أن يراعى في مناقشة المطالب.
بقي أن نتفاءل في ضوء ما خرجت به زيارة صاحب السمو إلى أميركا مع تأكيد الرئيس ترامب دعم الوساطة الكويتية، والتحرك بسرعة لإنهاء الأزمة وهو ما اتفق عليه الطرفان، وننتظر الخطوات التالية لاتصالات أطراف الأزمة في الأيام القليلة المقبلة.