كريستيان أولريخسن - المركز العربي واشنطن دي سي-
بعد أربعة أشهر من المواجهة التي بدأت في 5 يونيو/حزيران من قبل ما يسمى بـ«اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب»، ممثلة في البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مهدت الجزاءات الدبلوماسية والاقتصادية المفروضة على قطر سلسلة من الإجراءات غير الرسمية التحريضية للغاية. وعلى الأرجح، يعد التحول من الشكل الرسمي إلى غير الرسمي انعكاسا لفشل دول الحصار في تأمين دعم الولايات المتحدة أو أقسام واسعة من العالمين العربي والإسلامي لعزل قطر.
وفي حين أنه من السابق لأوانه الحكم بفشل أساليب القيادة الديناميكية من قبل ولي عهد السعودية «محمد بن سلمان» وولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، إلا أن هيمنة الطبيعة الشخصية للغاية على النزاع يهدد بإلحاق الضرر بالنسيج الاجتماعي للمجتمعات الخليجية. ويواجه مجلس التعاون الخليجي، الذي استمر لأكثر من 36 عاما من التعاون التكنوقراطي، أكبر أزمة منذ أن توحدت الكتلة بسرعة كبيرة لمواجهة التهديدات الخارجية للأمن الإقليمي في مايو/أيار عام 1981.
النجاح التكنوقراطي
ومنذ تأسيسه عام 1981، بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وبداية الحرب الإيرانية العراقية في سبتمبر/أيلول عام 1980، عمل مجلس التعاون الخليجي كمجموعة فضفاضة من 6 دول (البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات) من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الأساسية إذا بدا أنها تهدد السيادة الوطنية.
وعلى النقيض من ذلك، أحرز المجلس تقدما أكبر عادة في التعاون التكنوقراطي بشأن القضايا غير السياسية، التي سهلت مع مرور الوقت نمو هوية خليجية متميزة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. ومن الجدير بالذكر أن مجلس التعاون الخليجي ليست تحالفا سياسيا أو عسكريا، وبالتالي، فإنه ليس هيئة صنع قرار فوق وطنية مثل المفوضية الأوروبية. وهو لا يمارس أي سلطة في السياسة الخارجية ولا في وضع المعاهدات أو إنفاذها، بل إن حكوماته الأعضاء تحتفظ بالسيادة في معظم جوانب السياسة. وبينما اجتمع مجلس التعاون الخليجي على عجل في 3 أشهر بين فبراير/شباط ومايو/أيار عام 1981، لم يتم التعامل مع القضايا الرئيسية المتعلقة بالتصميم المؤسسي، ولم يتم التصدي لها منذ ذلك الحين.
وبعد فترة وجيزة من إنشاء المجلس، وقعت الدول الست اتفاقا اقتصاديا موحدا تعهدت فيه بمواءمة وتنسيق السياسات النفطية والصناعية، وتصميم نظام موحد للتعريفة الجمركية، والعمل على التدفق الحر للعمالة ورأس المال عبر حدودهم المشتركة. وكان التقدم نحو تحقيق هذه الأهداف بطيئا حتى انقضى عقدين من الزمان، قبل بدء الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة (في عامي 2003 و2008 على التوالي)، ثم استمر التباطؤ عقدا آخر قبل التوصل إلى اتفاق عام 2014 بشأن فرض تعريفة خارجية مشتركة بقسمة 5%. وتم اعتبار اتفاقية عام 2014 نقطة انطلاق للتكامل الاقتصادي الإقليمي الأعمق مع تشكيل لجنة الشؤون الاقتصادية والتنموية في أمانة المجلس في الرياض.
تحديات هيكلية لم يتم حلها
وعلى الرغم من أن هذه الإنجازات قد وفرت أساسا تكنوقراطيا قويا للتعاون الإقليمي، إلا أنها تركت مجموعة من التحديات الهيكلية الأعمق التي قوضت باستمرار مواءمة صنع السياسات في المجلس. وساهمت هيمنة القطاع العام في أسواق العمل في دول المجلس في انخفاض التنقل عبر الحدود، وكذلك انخفاض مستويات التجارة الداخلية داخل دول المجلس، واستمرار الأطر القانونية والتنظيمية المختلفة بين دول الخليج الست. كما أحبط التنافس الداخلي في الصفقات التجارية ومبيعات الأسلحة محاولات إنشاء منصة جامعة لدول المجلس، حيث تم توقيع الاتفاقات مع الدول بشكل فردي وليس مع الكتلة. وعلى سبيل المثال، أعلن المسؤولون السعوديون غضبهم تجاه مفاوضات البحرين مع إدارة «جورج دبليو بوش» لإبرام اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة عام 2004، على لسان وزير الخارجية الأمير «سعود الفيصل»، مشيرا إلى أن مثل هذه الاتفاقات «لا تضعف فقط وحدة مجلس التعاون الخليجي ككل، ولكن أيضا كل عضو من أعضائه».
وبعيدا عن النجاح التكنوقراطي، بالنسبة للتعاون الإقليمي، فشل المجلس في إحراز تقدم في القضايا الرئيسية التي تطرقت إلى مجالات حساسة مثل الهيمنة السياسية أو الأمنية أو السياسة الخارجية. وكان هناك مثال بارز لذلك في عام 2009، عندما انهار ما يقرب من عقدين من العمل نحو عملة واحدة واتحاد نقدي بعد أن انسحبت الإمارات فجأة من المشروع قبل أقل من عام من موعد إطلاقه عام 2010. وكانت الإمارات قد بذلت جهودا حثيثة لاستضافة المصرف المركزي للمجلس في أبوظبي، وقد عبرت عن غضبها على قرار في مايو/أيار عام 2009 بجعل مقر البنك في الرياض بدلا من الإمارات. وصرح وزير الاقتصاد الإماراتي «سلطان بن سعيد المنصوري» بصراحة بأن «عدم اختيار دولة الإمارات لاستضافة المصرف المركزي لمجلس التعاون الخليجي لم يأخذ في الاعتبار أهمية الدولة وتنميتها الاقتصادية».
ويوضح الانسحاب الإماراتي من المبادرة الخليجية الرئيسية اختلال التوازن في محيط دول المجلس، بين السعودية من ناحية ودول الخليج الخمس الأصغر من ناحية أخرى. وقد شهدت معظم دول الخليج الأخرى نزاعات إقليمية مع المملكة في نقاط متفاوتة خلال القرن الماضي، مثل الكويت في العشرينات وأبوظبي وعمان في الخمسينات، والمناوشات على الحدود السعودية القطرية عامي 1992 و1993، واشتباك قصير بين السفن السعودية والإماراتية عام 2010. وكل من هذه الحوادث كان بمثابة تذكير باختلال توازن القوى بين المملكة وجيرانها، وساهم في الإحجام عن رؤية مجلس التعاون الخليجي خوفا من السعودية كتهديد في نظر الأعضاء الأصغر حجما. وقد قاومت الكويت المحاولات في كل من عامي 1982 و1994 لإنشاء آلية أمنية داخلية موحدة، في حين رفضت عمان عام 2013 بشكل صارخ أن تكون جزءا من التكامل السياسي الذي دافع عنه القادة السعوديون في تلك المرحلة.
اتساع خطوط الصدع
ومن المرجح أن تؤدي الأزمة الحالية مع قطر إلى زيادة الشعور بالقلق لدى الدوائر الحاكمة في عواصم الخليج حول تعرضها للضغط من تدخلات السعودية. ويشير صعود «محمد بن سلمان» إلى منصب ولي العهد السعودي، بعد عدة أسابيع من المواجهة، والصلات الوثيقة التي شكلها مع ولي عهد عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، إلى أن توجهات العلاقة الإماراتية السعودية تتجه إلى تحديد «جوهر» السياسة داخل الخليج لأعوام، إن لم يكن لعقود، قادمة. وقد سعى المسؤولون في الكويت وعمان منذ فترة طويلة إلى تحقيق توازن دقيق في الشؤون الإقليمية والدولية، وقادوا محاولات في فبراير/شباط هذا العام للتواصل مع الرئيس الإيراني «حسن روحاني لتحديد التدابير الرامية إلى تخفيف حدة التوتر بين إيران ومجلس التعاون الخليجي. وقد يتساءل كلاهما عما إذا كانا قد يتعرضان لضغوط أكبر لاعتماد مواقف أكثر تشددا حاول كلاهما تجنبها».
ومن التحديات ذات الصلة بقدرة المجلس على البقاء في المستقبل تجاوز كل أعراف المجلس منذ إنشائه عام 1981 مع اختراق وكالة الأنباء القطرية في مايو/أيار الماضي. وبدءا من قائمة الاتهامات الأولية ضد قطر، وصياغة الشروط الـ 13 لفك الحصار، والمحاولات الكويتية والأمريكية للتوسط، غاب مجلس التعاون الخليجي وأمينه العام بشكل واضح عن المشهد. ولم يتم استخدام الآليات الداخلية للمجلس، التي كان من المفترض أن تكون بمثابة قنوات لوضع النزاع على طاولة المفاوضات وحله، حيث تم مناقشة الأمر في العواصم الوطنية وتجاوز المجلس تماما. وفي المستقبل، لن يغفل المسؤولون القطريون عن إعادة التفكير في فائدة الانتماء إلى منظمة كانت غير قادرة أو غير راغبة في منع ثلاثة من أعضائها من عزل عضو رابع.
ويعني عدم وجود تدابير رسمية جديدة ضد قطر مع اندلاع الأزمة أن اللجنة الرباعية اعتمدت بدلا من ذلك على مزيج من التكتيكات غير الرسمية التي قد تضر بروابط التماسك الاجتماعي وروابط الثقة بين القطريين وجيرانهم الثلاثة. وتشير الهجمات العنيفة على قطر في قطاعات كبيرة من وسائل الإعلام التابعة للدول الأربعة، بشكل روتيني، إلى «النظام القطري» بلغة لم يسبق لها مثيل ضد إحدى أسر الحكم في الخليج. وتمثل المحاولات الأخيرة لتقديم الشيخ «عبد الله بن علي آل ثاني»، رجل الأعمال القطري الذي يتردد على السعودية، والشقيق الأصغر للأمير السابق الذي أطاح به جد أمير البلاد الحالي عام 1972، باعتباره الحاكم «الشرعي» لقطر، يمثل محاولة تحريضية للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى في المجلس. ومن المفارقات أن إحدى التهم الرئيسية في قائمة المظالم التي رفعتها اللجنة الرباعية إلى قطر هي التدخل في شؤون الدول الداخلية.
ويبدو أن جميع الأطراف في المواجهة غير راغبين في التراجع، ويشعر كل منهم بالحرج تجاه القيام بذلك. ومن المعقول الافتراض بأن الجمود سيستمر لعدة أشهر قادمة. حيث استغرق الأمر 8 أشهر لحل السحب المنسق السابق للسفراء من الدوحة عام 2014. وفي عام 2000، سحبت السعودية سفيرها من قطر لمدة 5 أعوام بسبب الغضب من استضافة قناة الجزيرة لمعارضين سياسيين سعوديين. وكلما طال أمد الأزمة، ازداد خطر وقوع أضرار طويلة الأمد لا رجعة فيها إذا اندفع مسؤولو اللجنة الرباعية نحو المزيد من التدخل العلني لتغيير النظام، أو إذا سعى نظراؤهم القطريون إلى الرد بنفس الأساليب. وقد أصبحت المعادلة صفرية، بين عزم اللجنة الرباعية على عدم السماح لقطر مرة أخرى بانتقاد الوضع القائم في الخليج والعالم العربي، واستنتاج قطر بأن الدرس الأهم من الأزمة هو الحاجة إلى مزيد من التنويع الاقتصادي والأمني مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
إضعاف المجلس
ويؤدي احتمال حدوث أزمة داخلية طويلة الأمد إلى إضعاف مجلس التعاون الخليجي إلى حد كبير. ومن المرجح أن تبقى المنظمة على قيد الحياة، على الأقل على الورق، ولكن ستصبح أقل أهمية بكثير، حيث تقود العواصم منفردة وضع السياسات، من قبل مجموعة من صانعي القرار الأصغر سنا، الذين يبدو أنهم، على عكس الشيوخ الأكبر سنا، لديهم وفاء أقل بكثير تجاه المجلس من الجيل الذي أنشأه عام 1981. وأصدر الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، مذكرة تفسيرية أعرب عن أسفه من خلالها للأضرار التي لحقت بالمجلس جراء الأزمة، حيث يمثل، جنبا إلى جنب مع السلطان قابوس في عمان، آخر من سعى من كبار الحكام الخليجيين إلى التوصل إلى توافق في الآراء حول الأزمة.
وعلى المدى القريب، من المرجح أن ينقسم المجلس بشكل غير رسمي إلى جيب داخلي يتكون من السعودية والبحرين والإمارات، يقابله مجموعة خارجية تتكون من الكويت وعمان وقطر. ويبدو الآن أن مركزية «محمد بن سلمان» في الرياض و«محمد بن زايد» في أبوظبي هي التي تحدد أولويات أسلوب بلادهما الشخصي في صنع السياسات، في تجاوز للاعتبارات المؤسسية التي وفرت الأساس التكنوقراطي لمجلس التعاون الخليجي. وتتزايد سرعة التنبؤ بطبيعة التغيير في هذه العواصم الخليجية الرئيسية، مع الإجراءات الواضحة في حرب اليمن، والتدابير الاقتصادية المتخذة لمواجهة انخفاض أسعار النفط والإيرادات الحكومية. ومع ذلك، فإن القرارات التي تتخذ على الصعيد الوطني تشكك في جدوى المشاريع الجارية التي كانت، على الأقل حتى مايو/أيار هذا العام، في طليعة محاولات التقارب بين أعضاء المجلس، في وقت من عدم اليقين الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة.
ومن الواضح أن قرار 3 دول أعضاء بإغلاق حدودها أمام حركة المواطنين والبضائع القطرية هو خنجر في قلب السوق المشتركة التي دخلت حيز التنفيذ عام 2008. أما التجارة بين دول المجلس، في حين لا تزال تمثل نسبة منخفضة من الأرقام الإجمالية، فقد شهدت زيادة كبيرة على مدى السنوات التسعة الماضية، على الرغم من أن المحاولات الرامية إلى إنشاء سوق مشتركة للطاقة وشبكة الكهرباء وشبكة البنية التحتية كانت ناجحة بشكل جزئي فقط. وإذا لم تتأثر شبكة الكهرباء بالنزاع السياسي، يمكن لها أن تصبح وسيلة لإعادة بناء الثقة المتبادلة من خلال إظهار الفوائد العملية لتوثيق الترابط بين دول المجلس. وينطبق نفس الشيء على خط «دولفين» الذي يتم بموجبه نقل الغاز الطبيعي القطري إلى أبوظبي لاستخدامه في جميع أنحاء دولة الإمارات ومن ثم نقله إلى سلطنة عمان. كما أن عدم قيام المسؤولين القطريين بالانتقام من خلال إغلاق خط الأنابيب يوفر عنصرا آخر من الأمل في أن توفر مصالح الطاقة الثنائية حافزا ضئيلا على الأقل لتحسين العلاقات في مرحلة ما في المستقبل.
وهناك مبادرات أخرى، مثل مشروع السكك الحديدية المخطط له على مستوى دول المجلس، لن تتأثر بالضرورة بالنزاع الحالي، في حين كانت في وضع شبه متجمد لأسباب اقتصادية قبل اندلاع أزمة قطر. وقد سلط مشروع السكة الحديد الضوء على صعوبة المواءمة، حيث تمنح كل دولة بشكل فردي عقود وقرارات تستند إلى المصالح الوطنية وليس على مستوى المجلس. ومن المرجح أن يعيق التأثير السلبي لأزمة قطر المزيد من التكامل الاقتصادي في حين كان يستعد المجلس لتنفيذ ضريبة القيمة المضافة المشتركة عام 2018. وفي 1 فبراير/شباط، أصبحت البحرين الدولة السادسة والأخيرة في دول المجلس للتوقيع على اتفاق موحد لإدخال ضريبة القيمة المضافة، ولكن لا يزال يتعين وضع قوانين التنفيذ المحلية. ولن يسهل تجميد العلاقات الدبلوماسية مع قطر وضع اللمسات الأخيرة على الآليات التكاملية لتبادل المعلومات وجمع البيانات بسبب الانقسام السياسي.
وقد اختلفت قطر بالفعل مع توافق آراء المجلس عندما أعلنت الحكومة في أوائل أغسطس/آب عن خطط لمراجعة قانون الإقامة لمنح الإقامة الدائمة وتمديد بعض المزايا الاقتصادية التي كانت مقصورة حتى الآن على مواطني دول المجلس لفئات معينة من غير المواطنين. وفي هذا السياق، كما هو الحال مع التحركات الأخرى التي قامت بها قطر بعد 5 يونيو/حزيران لتنويع العلاقات التجارية وطرق الشحن واستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران، أصبح من الواضح أن المواجهة تدفع قطر بعيدا عن المجلس.
الآثار السياسية والتوصيات
ويخشى المراقبون الخارجيون من انهيار مجلس التعاون الخليجي. وكما أن التأثير غير الملموس للخطاب المناهض لقطر سيتردد عبر المشهد الاجتماعي والسياسي لأعوام قادمة، فإن الآثار الملموسة للأزمة سيتم الشعور بها في تهميش مجلس التعاون الخليجي ككيان يعمل بكامل طاقته. ومع وجود سلطة صنع القرار في أيدي جيل جديد من الحكام الشباب أكثر استعدادا لتحمل المخاطر بدلا من النهج التوافقي من سابقاته، فإنه من الصعب أن نرى رأبا لتصدعات المجلس التعاون الخليجي في أي وقت قريب. وبالنسبة لأصحاب المصلحة الدوليين ذوي المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية على جانبي الانقسام، يوجد قلق متزايد من أن تستمر المواجهة لفترة طويلة جدا، حيث يشكل ذلك إلهاء، لا لزوم له، عن الاعتبارات الأكثر إلحاحا. وتشمل هزيمة أي تهديد دائم في العراق وسوريا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، والوصول إلى حل دبلوماسي للحرب في سوريا، وتجنب الانهيار التام لليبيا واليمن. ويعد قرار البحرين بطرد العسكريين القطريين الذين يعملون على أراضيها مع التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية مثالا على تأثير أزمة الخليج على الصراعات الدولية والإقليمية.
ويتسبب احتمال وجود خلافات كبيرة بين الأجيال في شبكة صلبة حتى الآن من الشراكات السياسية والأمنية في الخليج في إثارة القلق البالغ لدى صناع السياسة الأمريكيين والأوروبيين. وعلاوة على ذلك، يعني عدم قدرة أي من الأطراف على التراجع العلني أنها قد تستمر في دعم السياسات غير الرسمية التي تقترب بشكل خطير من التدخل في الشؤون السياسية المحلية وخصوصيات أسر الحكم. وبصرف النظر عن خلق حساسيات ستستغرق أعواما للتغلب عليها، فإن مثل هذه التحركات من شأنها أن توفر منفذا للجهات الفاعلة الجديدة للمشاركة في النقاشات حول الأمن الإقليمي بطرق من شأنها أن تزيد من حدة التوترات.
ويجب على المسؤولين الأميركيين النظر بعناية بحثا عن أفضل السبل التي قد تساعد في استخدام نفوذهم في عواصم الخليج للاتصال ومنع التصعيد غير الرسمي، والمساهمة بشكل مفيد في جهود الوساطة. ومع تركيز الحكومة الأمريكية على القضايا الداخلية ومكافحتها من أجل تنسيق السياسات بين البيت الأبيض والإدارات الحكومية، فإن الرسائل المتناقضة من قبل واشنطن جعلت القيادة الأمريكية مشكوك فيها وغير واضحة في الخليج. كما زادت من أهمية قيام إدارة ترامب بتوحيد نهج سياستها حتى تتمكن الولايات المتحدة من استخدام نفوذها في المنطقة بشكل استراتيجي أكبر، ولتجنب الارتباك غير الضروري في عواصم الخليج.
وتتيح زيارة أمير الكويت لواشنطن واجتماعه مع الرئيس ترامب، في 7 سبتمبر/أيلول، فرصة مناسبة لدمج جهود الوساطة الإقليمية والدولية وتحديد معايير الحل الوسط المطلوب والاستفادة من رعاية الزعيم الكويتي لحث الأطراف المتنازعة على كبح جماح الأعمال المزعزعة للاستقرار، التي تقوم بها الجهات الفاعلة التابعة للدولة.
وأخيرا، ينبغي أن ينصب الاهتمام على طرق إعادة بناء الثقة والثقة المتبادلة بين الحكومات وبين مواطني دول المجلس. ويتعين على جميع الجهات الفاعلة أن تدرس كيفية معالجة ظهور المشاعر القومية في دول الخليج في مقابل مفهوم الهوية الخليجية. حيث تعد هذه الهوية الضمانة اللازمة للنظر إلى الانتماء إلى كيان جماعي على أنه يستحق البقاء، حتى مع تصدر القومية الخليجية للصورة كما لم يحدث من قبل.