سيغورد نيوباور- معهد واشنطن-
قطعت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر في 5 حزيران/يونيو العلاقات الدبلوماسية مع قطر بناءً على مزاعم بأنّ الدوحة تدعم الإرهاب وتحتضن إيران وجدول أعمالها الإقليمي. وفرضت الدول الأربع بقيادة السعودية حظراً اقتصادياً على قطر تضمن قطع جميع الإمدادات الغذائية وإمكانيات الحصول على الأدوية، وتم ذلك عن طريق إغلاق الحدود البرية والبحرية. وتحقيقاً لهذه الغاية، أغلقت الدول الأربع أيضاً كل المسارات الجوية من الدوحة وإليها من هذه البلدان، مما أثر بشكل كبير على قدرة الخطوط الجوية القطرية على منافسة الشركات الإقليمية النظيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تم طرد جميع المواطنين القطريين من السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، كما منحت الدول الأربع رعاياها المقيمين في قطر مهلة أربعة عشر يوماً لمغادرة البلد المحاصر. ولكنّ مصر لم تفرض أي قيود سفر على رعاياها المقيمين في قطر ولم تطرد القطريين المقيمين في مصر، كما أنها لم تفرض حظراً اقتصادياً على الدوحة.
لم تقم قطر من جانبها بطرد أي رعايا من الدول الأربع واتخذت الحكومة خطوات ملموسة لضمان ألا تضطرب الإمدادات الغذائية والدوائية إلا بالحد الأدنى، وذلك من خلال توسيع التجارة مع تركيا وإيران وسلطنة عمان.
اتخذت الدول الأربع مختلف التدابير التصعيدية المتوفرة لها ضد قطر، باستثناء التدابير العسكرية. ومن الجدير بالذكر انه لا يمكن طرد قطر من مجلس التعاون الخليجي لأنّ ذلك يتطلب موافقة بالإجماع، بما في ذلك موافقة الدوحة نفسها. وفي ما يتعلق بالجامعة العربية، كان يمكن تعليق عضوية قطر، ولكن يبدو أنّ واشنطن تدخلت في المسألة عندما اتصل الرئيس دونالد ترامب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في 5 تموز/يوليو لمنع الدول الأربع من القيام بذلك، كما لم تتم مناقشة احتمال طرد قطري من جامعة الدول العربية منذ ذلك الحين.
التأثير الاقتصادي للحصار
كان أثر الحصار حتى الآن بسيطاً ولا يُذكر على الحياة والأعمال على أرض الواقع، فقد سعت الحكومة إلى نشر شعور بأنّ الحياة طبيعية على الرغم من العزلة الإقليمية التي تعاني منها الدوحة، وذلك باستخدام احتياطياتها الكبيرة لمواجهة تأثير الحصار، حيث يبلغ احتياطي البنك المركزي القطري 340 مليار دولار.
ما زالت أسس الاقتصاد القطري قوية ويتمتع النظام المصرفي بقدر جيد من الرساميل وسيولة كافية. ومن المفيد أيضاً أنّ نظامها المصرفي لا يعتمد على أي من جيرانها.
وعلاوة على ذلك، استثمرت هيئة قطر للاستثمار، وهي صندوق الثروة السيادية في قطر، مليارات الدولارات في السوق الدولية على مدى العقود الماضية.
ولكن مع ذلك، كان الحصار تجربة مكلفة للحكومة، إذ قطعت السعودية كل الإمدادات الغذائية عنها من خلال الحصار البري والبحري، بما في ذلك منتجات الألبان والدجاج واللحوم، مما أجبر الحكومة القطرية على تأمين إمداداتها الغذائية من أماكن أخرى.
ومن أجل تأمين الإمدادات الغذائية الفورية، أرسلت الحكومة القطرية في اليوم الأول من الحصار، أي يوم 5 حزيران/يونيو، طائرتيْ نقل عسكري من طراز سي-17 غل وبماستر إلى تركيا لنقل سلع استهلاكية أساسية. ويسهم أسطول قطر من طائرات النقل من طراز سي-17 أيضاً في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" بقيادة الولايات المتحدة، وذلك من خلال نقل الجنود والإمدادات من قاعدة العديد الجوية إلى العراق.
أعلنت قطر في 4 حزيران/يونيو عن أنها ستزيد إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 30٪ في خلال السنوات الخمس إلى السبع المقبلة. ويؤكد هذا الإعلان على أنّ قطر - التي هي أصلاً أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم - لا تتجه إلى التحول نحو مرحلة التوسع السريع في الإنتاج بعد سنوات من النمو الضئيل فحسب، بل تستعد أيضاً لإمكانية فرض حصار شامل ومكلف عليها. وقد رحبت الصين وروسيا بالزيادة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، مما قد يعزز علاقات الدوحة بكل من بكين وموسكو، إذ تشير الدلائل إلى أنّه لن يتم حل أزمة دول مجلس التعاون الخليجي عما قريب.
اختارت الحكومة القطرية عمداً عدم فرض أي قيود أو حصص إعاشة، وذلك كجزء من هدفها الواضح في الحفاظ على معنويات شعبها، في الوقت الذي واجهت فيه حالة من عدم اليقين الشديد في خلال المرحلة الأولى من الحصار، والتي تزامنت مع شهر رمضان المبارك.
وتحقيقاً لهذه الغاية، حددت الحكومة لنفسها هدف تزويد محلات السوبر ماركت كلها بالكامل صباح 6 حزيران/يونيو، واشتمل ذلك على تزويدها بمنتجات الألبان والدجاج والبيض والخضروات، وذلك حتى لا يتأثر المستهلكون. وقد تمكنت قطر من تحقيق هذا الهدف بفضل مصارفها الغذائية التي وفرت المجال اللازم للانتقال إلى سلاسل توريد بديلة.
وفيما تواصل الحكومة القطرية مراقبة أسعار المواد الغذائية عن كثب واستيعاب ما يعتقد أنها تكاليف تتعلق بتوفير الإمدادات الأساسية من أطراف ثالثة، لم يتم الإفراج بعد عن أي بيانات رسمية تتعلق بالتكلفة على الخزينة القطرية.
أمرت تركيا المتشوقة إلى دخول السوق القطرية الموردين الأتراك بالاستفادة من أزمة دول مجلس التعاون الخليجي من خلال زيادة الأسعار. وتمارس الحكومة التركية أيضاً ضغوطاً دبلوماسية على الدوحة لاختيار بائعين أتراك محددين والتوقيع على اتفاقيات طويلة الأجل. وأظهرت تركيا بسرعة من خلال قطاعها الزراعي الهائل قدرتها على تلبية طلبات السوق القطرية، ألا وهي 200 ألف طن من الخضروات يومياً وكمية غير محددة من منتجات الألبان يومياً. تبقى التكاليف اللوجستية المتعلقة بنقل الأغذية تحدياً طويل الأجل، ولكنّ الحكومة القطرية لم تصدر أي بيانات رسمية ذات صلة بهذا الموضوع.
أنشأت الحكومة القطرية المسارات التجارية التالية لتأمين الإمدادات الغذائية:
المسار الأول: طريق بحري من تركيا إلى الدوحة
المسار الثاني: طريق بري عبر تركيا ثم بحراً إلى الدوحة
المسار الثالث: من العقبة في الأردن ثم بحراً إلى الدوحة
وعلى الرغم من الأزمة، تتوقع الحكومة القطرية أن يصبح أي من مسارات النقل الثلاث أكثر فعالية مع مرور الوقت.
وكجزء من قرار الدوحة الاستراتيجي التخلي عن اعتمادها على الإمدادات الغذائية من السعودية، تسعى الحكومة إلى تنويع سلسلة التوريد. ولكن يتمثل أحد الدروس الرئيسية المستفادة من الحصار بضرورة أن تصبح قطر مكتفية ذاتياً في نهاية المطاف عندما يتعلق الأمر باللحوم ومنتجات الألبان والفواكه والخضراوات. وقد وسّعت قطر احتياطياتها في بنوك الأغذية وأنشأت تخزيناً للحبوب كجزء من هذا الجهد.
وفي الوقت عينه، تواصل الواردات عبر ميناء حمد ومطار حمد الدولي بشكل طبيعي.
نقلت قطر أيضاً سلسلة توريدها من ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة إلى مينائيْ صلالة وصحار العمانيتين، مما له انعكاسات استراتيجية على العلاقات بين قطر وعمان. لطالما اعتبرت سلطنة عمان دخيلاً على مجلس التعاون الخليجي، وقد سعت إلى حماية سياستها المتمثلة في الحياد وعدم التدخل من خلال الدعوة إلى حل سلمي للأزمة. وعلى مدى عقود، سعت الرياض مراراً وتكراراً إلى استخدام نفوذها الدبلوماسي لإقناع مسقط أن تأخذ زمام المبادرة في المسائل الإقليمية، وقد قاومت عمان ذلك. لذلك أدت الأزمة مع قطر إلى توتر عمان التي تخشى أن تواجه ضغوطاً من السعودية بسبب علاقتها التاريخية مع إيران.
الصادرات
تمثل تجارة قطر مع السعودية والإمارات والبحرين وفقاً لبيانات الحكومة القطرية أقل من 8% من إجمالي الصادرات. ويشمل ذلك صادرات الغاز إلى دولة الإمارات والتي لا تزال قطر تفي بها فيما تعد الإجراءات القانونية لتشتكي على الدول الأربع في منظمة التجارة العالمية بسبب الحظر الاقتصادي الذي تفرضه عليها.
توفر قطر لدبي بموجب الاتفاقيات التجارية المختلفة مع دولة الإمارات 80% من إمدادات الطاقة، كما توفر 40% من إمدادات الطاقة إلى دولة الإمارات. ومن غير المحتمل أن تقطع الدوحة إمدادات الطاقة إلى الإمارات العربية المتحدة، نظراً للشكوى التي تخطط لها في منظمة التجارة العالمية ضد دولة الإمارات بشأن قرارها - من بين أمور أخرى - بوقف الشحنات المتوجهة إلى قطر من ميناء جبل علي.
وعلى الرغم من الحصار، تبقى قطر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم ولم تفوّت أو تؤخر أي شحنة واحدة وفقاً للحكومة القطرية.
وتمثّل الصادرات إلى آسيا، بما في ذلك اليابان والهند وكوريا الجنوبية والصين، نحو ثلاثة أرباع صادرات قطر – 150.1 مليار من 208,4 مليار ريال قطري. وظلت التجارة مع هذه الدول على حالها وفقاً لبيانات الحكومة القطرية، وهي تشمل تصدير الغاز الطبيعي المسال والنفط والبتروكيماويات.
الطيران
قد يكون القرار الأولي الذي اتخذته الدول الأربع بإغلاق جميع الطرق الجوية من الدوحة وإليها من بلدانها عاملاً استراتيجياً على حساب الخطوط الجوية القطرية. فمن خلال إجبار هذه الخطوط على تغيير مسارها للمرور فوق تركيا وإيران، لا تزداد التكاليف على المدى القصير فحسب، بل قد تفقد مكانتها في السوق في دول مجلس التعاون الخليجي ككل، وبخاصة في حال استمرار الأزمة.
واستشهاداً بما كتبه كل من إيمالاين أيفي جونسون وغرانت ت. هوكسهام في مقال مؤخراً لـ “‘انترناشونال بوليسي ديجيست' " International Policy Digest:
تعمل الخطوط الجوية ضمن هوامش ربح محدود، وثمة حقيقة في هذه الصناعة مفادها أنّ مقاعد درجة الأعمال والدرجة الأولى تولّد الأرباح، فيما تساهم مقاعد الدرجة الاقتصادية في تغطية تكاليف التشغيل. وقد أشارت الشراكة من أجل سماوات مفتوحة وعادلة أنّ شركة الخطوط الجوية القطرية قد أعلنت عن خسائر تشغيلية قدرها 703 ملايين دولار للسنة المالية 2017 المنتهية، وقد كان ذلك بعد تلقي ما يقرب من 500 مليون دولار في شكل إعانات. وبالإضافة إلى ذلك، أشارت "آرلاين ويكلي في 19 حزيران/يونيو 2017 ... إلى أنّ أداء شركة الخطوط الجوية القطرية كان الرابع الأسوأ في صناعة الطيران العالمية بأكملها" [التركيز من الشراكة من أجل سماوات مفتوحة وعادلة]. والقضية الرئيسية هنا هي أنّ هذا الأداء المالي الباهت قد وقع قبل تقييد حقوق التحليق. ويجعل هذا التقييد السفر الجوي أكثر تكلفة لشركة الخطوط الجوية القطرية اليوم.
فيما سعت حكومة قطر إلى التقليل من مخاطر الأزمة على اقتصادها وعلى الخطوط الجوية الوطنية على وجه التحديد من خلال التأكيد على أنّ أعمالها الخليجية وحدها هي التي تأثرت وأنّ مختلف الرحلات العابرة للقارات - التي تصل الدوحة بالأمريكيتين وأوروبا وأفريقيا وآسيا - لم تتأثر، قد تقع الخطوط الجوية القطرية ضحية للأزمة، سواء كان ذلك بإجبارها على تقليص أعمالها على خطوطها العالمية أو بمواجهة احتمال الإفلاس. ومن المرجح أن ينظر المراقبون إلى الخطوط الجوية القطرية للحصول على أدلة حول كيفية إدارة الدوحة للتحديات الاقتصادية التي فرضتها المقاطعة وكمقياس للصحة الاقتصادية الشاملة للبلاد.
تنويه:
يعتمد هذا التحليل بشكل كبير على مقابلات مع القيادة القطرية أثناء رحلة إلى البلاد مولتها الحكومة القطرية. ونظراً لحساسية الموضوع، طلب هؤلاء المسؤولون ذكر تعليقاتهم وآرائهم بدون إسنادها إليهم، وبالتالي حُذفت أسماء المسؤولين والمنظمات التي ينتمون إليها. ومع ذلك، أي أخطاء ارتكبت هي أخطاء ارتكبتها أنا لأنّ هذا تحليل برمته.