ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

مطامع الإمارات تهدد وحدة اليمن

في 2017/09/21

عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي-

مضى ما يقرب من العامين ونصف العام على قيادة السعودية للتدخل العسكري في اليمن، لإعادة حكومتها الشرعية إلى السلطة تحت قيادة الرئيس «عبدربه منصور هادي»، ظاهريا. ولم يعد الرئيس «هادي» وحكومته إلى العاصمة صنعاء، كما لم يهزم التحالف بين المتمردين الحوثيين والرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، على الرغم من تسجيل انتصارات كبيرة ضده. ومنذ أغسطس/آب عام 2014، عندما أخذ تحالف «الحوثي-صالح» السلطة من الحكومة ووصل إلى جنوب مدينة عدن، ثم التدخل العسكري السعودي الإماراتي، عانى اليمنيون من الموت والدمار وندرة المواد الغذائية والمائية، وأخيرا الكوليرا، وكل ذلك يضيف مأساة إنسانية لعقود من الفقر والفوضى السياسية.

وكانت الإمارات العربية المتحدة من بين الحلفاء السعوديين في اليمن منذ بداية عملية عاصفة الحزم في مارس/آذار عام 2015. وقد تكلفت تلك الحرب تكاليف باهظة من الجهد والوقت ورأس المال البشري والنقدي من أجل التأثير على الأحداث في البلاد. ولكن في جميع نواحي الحملة، اتبعت الإمارات استراتيجية سياسية وعسكرية موازية دعمت خلالها قيادة بديلة لحكومة هادي في جنوب اليمن. وقد أصبحت هذه الاستراتيجية واضحة بالفعل بعد ظهور الاحتكاكات بين الرئيس «هادي»ومساعديه المدعومين من دولة الإمارات، وبينه وبين القادة السياسيين الإماراتيين. ويعرض هذا الأمر استعادة الشرعية اليمنية على كامل اليمن إلى الشكوك، ويضع السعودية والإمارات في طريقين متقاطعين بالنسبة لمسألة ذات أهمية هائلة للأمن الوطني للمملكة، ويضيف إلى مخاوف الانقسام بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

مشاركة الإمارات

سيكون من القصور النظر في مشاركة دولة الإمارات في حرب اليمن الجارية، منذ عام 2015، بهدف استعادة السلطة الشرعية في أفقر جيران شبه الجزيرة العربية، أو التضامن مع الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي، أو الدفاع عن الأمن الجماعي، على الرغم من أنها اعتبارات استراتيجية للإمارات. لكن بإجراء تحليل أكثر منطقية نجد أن مشاركتها تأتي في البيئة السياسية والاستراتيجية في ما بعد الربيع العربي، والتي تضمنت تطورات مثيرة للقلق بالنسبة لقيادات الإمارات تحديا للوضع الراهن في العالم العربي الذي تقوده الأنظمة الملكية الخليجية.

وقبل هذا التدخل في مارس/آذار عام 2015، تعاونت الإمارات في عمليات مكافحة القرصنة من خليج عمان إلى شرق أفريقيا، وشاركت عسكريا ضد «معمر القذافي» في ليبيا عام 2011، ودعمت الانقلاب ضد «محمد مرسي» في مصر عام 2013، وشاركت في قصف ما يسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا بعد عام 2014.

أما بالنسبة لليمن، فقد مثل، ولا يزال يمثل للإمارات المزيج بين التحديات الصعبة والفرص الممكنة. أولا، يعد اليمن موطن أكبر عدد من سكان الجزيرة العربية، ويبلغ عددهم حاليا 28 مليون نسمة، وكان يعيش 54% من سكانها عام 2014 تحت خط الفقر. وثانيا، قام تحالف بين المتمردين الحوثيين المؤيدين لإيران والقوات الموالية للرئيس السابق «علي عبد الله صالح» باغتصاب السلطة الشرعية في صنعاء، وأنشأوا هيكلا سياسيا بديلا، في ما سمي بحكومة الإنقاذ الوطني، على الرغم من أنه يشهد حاليا بعض الفتنة. ويسيطر هذا التحالف على مساحات كبيرة من البلاد، بما في ذلك المناطق الاستراتيجية وميناء الحديدة على البحر الأحمر. وثالثا، فإن تخرج رقعة واسعة من اليمن عن سيطرة أي سلطة باستثناء القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي يشكل تهديدا أمنيا خطيرا لدول مجلس التعاون الخليجي بأسرها. وأخيرا، يقع جنوب اليمن على مضيق حرج للتجارة البحرية الدولية في مجرى باب المندب الذي يسيطر على النقل البحري بين البحر الأبيض المتوسط ​​والمحيط الهندي مرورا بقناة السويس.

وكدولة طموحة، لقب وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» الإمارات بـ«إسبرطة الصغيرة»، حيث تجد دولة الإمارات نفسها مضطرة للمشاركة في حرب اليمن على الرغم من حالة عدم اليقين. وفي الوقت نفسه، تسعى إلى توجيه رياح اليمن في اتجاه مواتي لخدمة مصالحها الاستراتيجية على المدى الطويل. ومن الناحية التشغيلية، شاركت الإمارات باعتبارها واحدة من تحالف من 10 بلدان في العملية العسكرية الأولى، عملية عاصفة الحزم (التي تسمى الآن عملية إعادة الأمل)، ونشرت فيها 30 طائرة مقاتلة. ولا تزال قواتها الجوية نشطة جدا فوق اليمن، وهي مسؤولة مع أعضاء التحالف الآخرين عن غالبية القتلى بين المدنيين في البلاد، وفقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر في 5 سبتمبر/أيلول.

كما لعبت الإمارات دورا رئيسيا في العمليات البرية، بما في ذلك المساعدة على السيطرة على مدينة عدن الجنوبية من يد تحالف «الحوثي-صالح» في يوليو/تموز عام 2015، والاستيلاء على ميناء المخا الاستراتيجي على البحر الأحمر هذا العام.

واليوم، تقدم الإمارات دعما حاسما للقوات اليمنية التي تقاتل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في شرق اليمن وعلى شاطئ بحر العرب. وقد أحرزت تقدما ناجحا على مدى العامين الماضيين ضد ما تعتبره الولايات المتحدة تهديدا أمنيا خطيرا في شبه الجزيرة العربية. ومع ذلك، فإن ما يثير الشك حول هذه العمليات هو حقيقة أن العمليات التي تقوم بها تتماشى صراحة مع مصالح القوات الجنوبية التي تطالب بالانفصال، الأمر الذي قد يثير الشكوك حول التزام الإمارات بتوحيد اليمن. كما قدمت الإمارات المساعدة لفريق القوات البحرية الأمريكية «سيل» الذي قام بمهمة ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية في يناير/كانون الثاني الماضي. وعلاوة على ذلك، ومنذ بداية عملية عاصفة الحزم، شاركت البحرية الإماراتية في حصار قبالة الشاطئ اليمني الغربي.

ومن الجدير بالذكر أن هذه العمليات لم تخل من التكلفة البشرية الباهظة، حيث فقدت الإمارات نحو 94 جنديا على الأقل في اليمن بحلول منتصف أغسطس/آب، وآخرهم 4 قتلوا في حادث تحطم مروحية في محافظة شبوة. (يعادل هذا مقتل ما يقرب من 25 ألف جندي أمريكي في حرب أجنبية). وفي الواقع، لم يكن إعلان الإمارات في يونيو/حزيران عام 2016 أن الحرب اليمنية قد انتهت بالنسبة إليها دقيقا تماما، لأنها لا تزال تشارك بفاعلية في العمليات العسكرية في البلاد.

خطايا الإمارات في اليمن

تسلط المشاركة في الحروب الخارجية دائما الضوء على الأمور السلبية وتفتح الباب أمام أخطاء لا مبرر لها، ولا تستثنى مشاركة الإمارات في اليمن من هذه القاعدة. وما يضيف إلى الطبيعة الدقيقة للمشاركة الإماراتية إلى جانب السعودية، الزعيم المفترض للتحالف العربي، هي الطموحات التي ترغب الإمارات في تحقيقها في جنوب اليمن. وقد تكون هذه الطموحات على حساب وحدة اليمن والعلاقات السعودية التقليدية.

ومن منظور حقوق الإنسان، فإن سجل الإمارات في اليمن يترك سمعة سيئة. فهناك اتهامات سبق ذكرها بمسؤولية التحالف، بما في ذلك الإمارات، عن مقتل المدنيين اليمنيين وإطالة أمد الصراع. ثم هناك تحقيق واسع النطاق قامت به وكالة أسوشيتد برس، نشر في يونيو/حزيران، حملت فيه الإمارات وجود 18 مركزا سريا في جنوب اليمن حيث اختفى مئات المشتبه بهم وتعرضوا للتعذيب على يد القوات الإماراتية. وورد في تقرير آخر نشر في يوليو/تموز تفصيلا عن عمليات قتل احتجازات وأنشطة غير مشروعة قامت بها قوات الحزام الأمني ​​بتمويل من دولة الإمارات في مدينة عدن.

ومن الناحية السياسية، كانت علاقة الإمارات مع الرئيس اليمني «هادي» ضعيفة وضارة بقضية استعادة السلطة الشرعية للبلاد. وأفادت تقارير كثيرة عن الخلافات السياسية بينه وبين المسؤولين الإماراتيين. وتحدث أحدها عن اجتماع في فبراير/شباط بينه وبين ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، انتهى بغضب «بن زايد» بعد أن اتهمه «هادي» بالتصرف مثل المحتل في جنوب اليمن. وأفاد آخر بإقالة الرئيس حاكم عدن اللواء «عيدروس الزبيدي» ووزير الدولة «هاني بن بريك»، القريبين من دولة الإمارات. وشكل الاثنان فيما بعد هيئة انفصالية، سمي بالمجلس الانتقالي الجنوبي، يدعمها العديد من حكام المحافظات الجنوبية الأخرى والرئيس السابق لليمن الجنوبي «علي سالم البيض». ونقلت تقارير أخرى أخبارا خطيرة عن منع الرئيس «هادي» من الهبوط في عدن.

وقد ينظر لهذه الأخطاء والتطورات في مشاركة الإمارات المباشرة في الشؤون اليمنية المحلية في ضوء أن حكومة «هادي» لا تزال تعيش تحت رحمة التحالف السعودي الإماراتي، ويقيم في الواقع في الرياض أكثر من عدن. والخوف الآن أن يخلق هذا الدور العلني صدعا مع السعودية، الأكثر قلقا بشأن وحدة اليمن وأمنه. وفي شهر مايو/أيار الماضي، اشتبكت القوات المدعومة من الإمارات مع القوات المدعومة من السعودية الموالية لـ«هادي» للسيطرة على مطار عدن. وقد يؤدي دور الإمارات أيضا إلى الانهيار التام لحكومة «هادي»، وهي السلطة الشرعية المعترف بها دوليا في البلاد. وبينما تحرص الإمارات على إظهار تأييدها الكامل للمهمة السعودية في اليمن، فإن أفعالها تجاه «هادي» ودعمها القوى الانفصالية في البلاد ستؤدي إلى إضعافه وهدم شرعيته.

إعادة النظر

وقد اندلعت الحروب في اليمن منذ عام 2004 على الأقل، عندما تحدى التمرد الحوثي سلطة الرئيس السابق «صالح»، مما عجل بسلسلة من المواجهات بين أجزاء من الشمال وبقية البلاد. وقد شهدت النسخة الأخيرة من هذه الحروب تحديا مسلحا من قبل تحالف «الحوثي-صالح» عام 2014 لرئاسة «هادي»، وفي عام 2015 جاء الرد من قبل التحالف الذي تقوده السعودية. ولم يستطع الشعب اليمني ولا دول التحالف تحقيق السلام المأمول أو تحقيق هدف وجود يمن سلمي ومستقر. ومع أن السعودية تتوق إلى إنهاء مشاركتها التي استمرت لعامين ونصف العام في ما أصبح بوضوح مستنقعا خطرا، فقد آن الأوان لأن تؤيد جميع الأطراف المعنية حقا الحل السياسي الذي اقترحه مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، «إسماعيل ولد الشيخ أحمد»، المبني على الحل التوفيقي.

وباعتبارها ثاني أهم جهة فاعلة في الائتلاف، وكونها الدولة ذات المصالح الاستراتيجية المتنوعة، ستعمل الإمارات جيدا على تحقيق الأهداف التالية.

أولا وقبل كل شيء، يتوجب على قادة الإمارات السماح للرئيس اليمني الشرعي «عبد ربه منصور» هادي بممارسة السلطة الكاملة في عاصمته المؤقتة عدن، ودعم جهوده لإعادة بناء المؤسسات اللازمة لحكمه ولإحياء الدولة اليمنية.

وبالتزامن مع ذلك، من شأن الإمارات أن تدرك جيدا أن دعم القوى الانفصالية في الجنوب لن يؤدي إلا إلى مواصلة القتال، ليس فقط مع قوات «الحوثي-صالح»، ولكن أيضا بين الخصوم داخل التحالف. وكانت الوحدة اليمنية قد تحققت عام 1990 حين رأى كلا من الشماليين والجنوبيين فائدة في ذلك. لكن تشجيع الإمارات لإعادة تقسيم اليمن إلى نصفين يبدو وضعا غير مقبول. كما يجب على الإمارات أن تدرك أنه سيتوجب عليها دعم الدولة المنفصلة ماليا وعسكريا إلى أجل غير مسمى، وقد لا تتمكن من الحفاظ على ذلك بغض النظر عن موقفها الاستراتيجي ومصالحها. وعلى أي حال، فإن المصالح الاستراتيجية لدولة الإمارات في موانئ اليمن، على سبيل المثال، ستستفيد، بشكل متساوي، من اليمن الموحد والدولة الجنوبية التي قد يعاد تأسيسها حديثا.

ثانيا، يجب على الإمارات والسعودية وأعضاء التحالف الآخرين دعم جهود مبعوث الأمم المتحدة «إسماعيل ولد الشيخ أحمد» من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية. وهناك تطوران هامان يجعلان هذا الحل أكثر سهولة. الأول هو حقيقة أن تحالف «الحوثي-صالح» قد أصبح متضررا للغاية على الرغم من الجهود المبذولة لإصلاح الخلافات الداخلية. والثاني هو الانفتاح الواضح بين السعودية وإيران، والذي أصبح أكثر احتمالا على الرغم من استمرار الخلافات بين الرياض وطهران. وإذا انفصل تحالف «الحوثي-صالح»، ووجد منافساه الخليجيان أرضا وسطا للتوافق، فقد تؤدي الحلول الوسطية إلى حل طويل ومقبول.

ثالثا، يجب على دولة الإمارات، في علاقتها الثنائية مع اليمن، أن تخفف من عدائها تجاه القوى السياسية الأساسية في ذلك البلد، مثل حزب الإصلاح الذي يعتبر تابعا لجماعة الإخوان المسلمين. ولا يمكن أن تأمل الإمارات في التخلص من الحزب بالوكالة، كما حدث عندما قام الجنرال «عبد الفتاح السيسي» بانقلاب في مصر ضد وجماعة الإخوان المسلمين، إذا قرر الرئيس «هادي» التعاون مع الإصلاح. وفي الواقع، كان نائب هادي، الجنرال السابق «علي محسن الأحمر»، على علاقة جيدة جدا مع الحزب، وقد حل محل رئيس الوزراء السابق ونائبه «خالد بحاح» الذي كان يعتبر رجل الإمارات في عدن.

رابعا، ربما كان الجيش الإماراتي، على الأرجح، أفضل القوات المسلحة المجهزة والمدربة في هذه الحملة، على ما يرام لمواصلة عمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية. غير أن هناك تحذيرا كبيرا يتمثل في أن هذه العمليات ستجري بالتعاون مع الجيش الوطني اليمني تحت قيادة موحدة يمثلها الرئيس «هادي» وليس مع القوات الانفصالية. ولتحقيق هذا الهدف، تحتاج الإمارات إلى إصلاح علاقاتها مع الرئيس الشرعي بسرعة وتقديم الدعم لاستراتيجية ناجحة لاستعادة سيطرة الحكومة على جميع المناطق التي يسيطر عليها المتشددون حاليا.