أحمد علي حسن - الخليج أونلاين-
على مدار خمسة أشهر، وإثر خلاف بدأ بادعاءات مفبركة وتصاعد بمقاطعة وحصار قطر، لم تكُفَّ الكويت عن أداء دور الوساطة بين الدوحة التي أبدت مراراً استعداها للحوار، ودول الحصار التي امتنعت عن إظهار حسن نية تمنح أملاً لمنطقة فقدت استقراراً استمر قرابة عقدين.
الأزمة شهدت منذ بدايتها جهوداً كويتية لرأب الصدع على مدار أشهر الخلاف، إلى أن سجّلت الأسابيع القليلة الماضية غياباً للمحاولات الخليجية والدولية، لكن مواقف الدوحة واستعدادها للحوار "دون شروط" لم يتوقف بالمطلق طوال فترة الخلاف المستمر.
- الوساطة تتجدد
وعقب هذا التوقف، استأنفت الكويت جهود المصالحة بين الأشقاء الخليجيين، بزيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، إلى الرياض في 16 أكتوبر الحالي، وإجرائه مباحثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، تناولت "العلاقات الأخوية الوثيقة، ومجمل الأحداث في المنطقة".
وبعدها بثلاثة أيام زار وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، الدوحة، والتقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبحثا خلال الزيارة التي تأتي بعد نحو شهرين من آخر تحرك كويتي "معلن"، تطورات الأزمة الخليجية والجهود الكويتية الساعية لحلها عبر الحوار.
ومنذ بدء حصار قطر، اتجهت الأنظار إلى الكويت، التي بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة، ورغم تصاعدها والتباعد الملحوظ في وجهات النظر بين أطراف الأزمة، فإن القيادة الكويتية تحديداً بدت مهتمة بالتوصل إلى طرف خيط يمكنها من خلاله الحوار بدلاً من الانخراط في القطيعة.
- الأزمة مستمرة.. انفتاح من طرف واحد
مراقبون لتصريحات الدول المتنازعة وجدوا أن السعودية والإمارات بدأت هجومها بالتراشق الإعلامي، واستمرت بإدلاء التصريحات التي عكست ترددها وجديّتها في تحقيق المصالحة مع قطر التي أبدت مرونةً واستعداداً في الحوار مع الدول المحاصِرة "لكن دون شروط".
هذا القول عززه وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، حين ألقى اللوم على "السعودية وحلفائها" في استمرار الأزمة مع قطر، قائلاً: "لا يبدو أن لدى تلك الدول إرادة الخوض في الحوار".
وقال تيلرسون، في تصريحات من واشنطن نقلتها صحيفة "بلومبيرغ" الأمريكية، الخميس (20 أكتوبر): إن "موقف قطر باستعدادها للحوار (مع أطراف الأزمة الخليجية) واضح جداً". نافياً وجود توقّعات لديه بشأن حل الأزمة قريباً.
أمير قطر واصل تمسّكه بالحوار كوسيلة لحل الأزمة مع الدول المقاطعة، وأظهر ذلك في تصريحاته وخطاباته على مدار أشهر الأزمة، وكان آخر ذلك خلال زيارته لإندونيسيا حين جدد تأكيده أن بلاده مستعدة دائماً لحوار يحترم السيادة، في سبيل حل القضايا المتعلقة بالأزمة الخليجية، التي شدد على أنه "لا يوجد رابح منها".
وقال، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا): "كلنا إخوان، وكلنا خاسرون من هذه الأزمة (الخليجية)، ولذلك قطر منفتحة للحوار وفق اتفاقيات تكون ملزمة على كل الأطراف (دول الحصار) بمبدأ احترام سيادة الدول".
وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، دعم موقف أمير بلاده بشأن الخلاف الخليجي، وقال، في تصريحات له، إن الدوحة تسعى لحل الأزمة من خلال الحوار، موضحاً أن السعودية ترغب في "زعزعة استقرار قطر وتفكر في تغيير النظام، وأشياء أخرى لم يذكرها.
وعلى الرغم من الشروط الـ13 التي وضعتها دول الحصار للمصالحة مع قطر، فإن الشيخ محمد أكد أن "الدوحة ما زالت مستعدة للجلوس وبحث القضايا"، لكنه قال أيضاً فيما يتعلق بالمطالب: "إننا واضحون من البداية بشأن ذلك، ولن نقبل أي شيء ينتهك سيادتنا أو يُفرض علينا".
- الحوار.. موقف قطري ثابت
موقف الأمير ووزير خارجيته لم يتغير منذ بدء الأزمة، بل إنه كان يداوم على موقف ثابت بضرورة التوصل إلى حل يحفظ منطقة الخليج من التقسيم، وذلك خلال زيارات كان يجريها مسؤولون قطريون للدول التي أرادت أن تؤدي دور الوساطة، كما أثبت القطريون ذلك خلال استقبالهم وسطاء الحل.
وبشهادة أهل الوساطة، فقد أكّد أمير الكويت في تصريحات سابقة أعقب لقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استعداد الدوحة للجلوس على طاولة الحوار، وقال: "تلقينا رداً من قطر وهي مستعدة للجلوس على طاولة الحوار (مع الدول المقاطِعة)"، وهو ما دفعه للتعبير عن تفاؤله بـ"حل للأزمة في الخليج قريبا جدا".
وأضاف الصباح: "المهم أننا نجحنا في وقف أي عمل عسكري خلال الأزمة الخليجية"، مقراً أن الأزمة في الخليج "معقدة لكن لا توجد عقدة ليس لها حل".
جدّية الموقف القطري أشار إليها الأكاديمي والباحث العماني في الشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، لـ"الخليج أونلاين"، حين قال إن "الشرخ (الأزمة) أعمق مما يظن البعض"، واصفاً قرار المقاطعة بـ "الانقضاض الجماعي على قطر".
وأكد الغيلاني أن "الرأي العام الخليجي؛ بشقّيه الشعبي والنخبوي، يبدو في مجمله مسانداً للسياسات القطرية"، مطالباً الدوحة بضرورة "استثمار هذا المعطى (التأييد الخليجي لموقف قطر)، خاصة في الساحة السعودية".
وأضاف: "إنها (المقاطعة) تمثل اللحظة الأكثر توتراً في تاريخ العلاقات الخليجية - الخليجية"، موضحاً في الوقت ذاته أنه "لم يسبق أن أقدمت ثلاث دول (السعودية، والإمارات، والبحرين) على مثل هذه المقاطعة الشاملة لدولة عضوة في منظومة التعاون".
-تردد سعودي إماراتي
ولعل أهم ما يترجم موقف السعودية والإمارات من الأزمة والمصالحة مع قطر، جملة الشروط التي وضعها الرباعي العربي، وتضمنت قطع العلاقات مع "الجماعات الإرهابية" وإغلاق قناة الجزيرة وخفض مستوى العلاقات مع إيران، وإغلاق قاعدة جوية تركية في قطر.
قائمة المطالب هذه رأى فيها مراقبون للأزمة الخليجية أنها "متشددة جدا وتعكس عدم وجود نية جادة وصادقة لدى الدول الأربع للتفاوض عليها"، معتبرين أنها "تسعى إلى تقويض سيادة قطر".
وضع الدول (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) قائمة الشروط عكس –وفق المراقبين- عزوفها عن الحوار مع قطر، لاسيما بعد انتهاء المدة التي وضعتها لتنفيذ المطالب الثلاثة عشر، إذ أنها لم تعدّل شروطها وأبقت الوضع في حالة مقاطعة متواصلة عززت الأزمة.
ولعل الموقف الوحيد الذي صدر عن الدول المقاطعة، كان في 30 يوليو حين أعلن وزراء خارجية دول حصار قطر، استعدادهم للحوار معها، وذلك في مؤتمر صحفي عقد في العاصمة البحرينية المنامة، لكنه لم يترجم لخطوات عملية تخفف حدة موقفها.
وآنذاك، قال وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إن الدول الأربع "حريصة على إنهاء الأزمة الخليجية في أسرع وقت ممكن"، كما أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، استعداد دول الحصار للتفاوض مع قطر.
لكن هذه التصريحات لم تُبتع بخطوات عملية على الأرض، وإجراءات واقعية تعكس صدق النوايا لدى المقاطعين، على الرغم من المحاولات المختلفة التي سعت إليها أطراف عدّة لحل الخلاف الخليجي.
يذكر أن السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، والبحرين، قطعت علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع قطر، في يونيو الماضي، وعلقوا مسارات النقل الجوي والشحن مع أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال، والتي توجد بها أيضاً أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة.
وتتهم الدول الأربع قطر بدعم "الإرهاب"، وهو ما تنفيه الدوحة، وتعتبر أنها تواجه حملة افتراءات للسيطرة على قرارها الوطني، في حين تحاول الكويت حل النزاع، وتقوم بجهود وساطة حثيثة في سبيل ذلك، كما أبدت جهات دولية استعدادها أيضاً للوساطة.