عبدالله حاتم - الخليج أونلاين-
لا يختلف اثنان في أن النظرة الدولية تجاه دول الخليج العربي قبل الأزمة ليست كما بعدها، لا سيما الأمريكية منها، والتي كانت تتعامل معها كمظلّة جامعة واحدة.
فقد كان واضحاً التباين في المواقف الأمريكية المتعلقة بأزمة حصار قطر، ففي وقت عبر مسؤولون أمريكيون عن صدمتهم بقرار قطع دول خليجية العلاقات مع الدوحة، غرّد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في يونيو الماضي، قائلاً: "إن دولاً خليجية قالت إنها ستعتمد نهجاً حازماً ضد تمويل التطرّف، وكل الدلائل تشير إلى قطر!!".
وكان من المثير للانتباه كلام رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، الذي صرح، في مقابلة صحفية مع "تلفزيون قطر"، الأربعاء 26 أكتوبر 2017، بأن الأزمة جعلت من دول الخليج "مادة للتندّر"، وتعرّضت للابتزاز من قبل الولايات المتحدة، خاصة في ظل تسابق أطراف الأزمة إلى واشنطن لإثبات تهم الإرهاب على بعضهم البعض.
لكن بن جاسم لفت إلى أن "الآخرين (في إشارة إلى الأمريكان) يقومون باستغلالنا والاستخفاف بنا ويجمعون كل المعلومات التي نرسلها، ويوماً من الأيام ستكون هذه المعلومات ضدّنا كلنا كدول، لذلك نحن نلعب لعبة غير محسوبة على أساس من هو الآن متقدّم في واشنطن على الطرف الثاني"، موضحاً أن "قطر ستكون في ذيل القائمة في حال جرى ذلك".
وشدد على أن دول الحصار أدخلت الخليج "في مرحلة متدنّية جداً من التفكير في هذا الموضوع، وكلمتي الأخيرة أن هذا الموضوع لا يحل هكذا".
- الأخ الأكبر
الأزمة الخليجية سبقتها بأيام زيارة تاريخية لترامب إلى السعودية، أسفرت عن توقيع اتفاقيات مختلفة بقيمة 400 مليار دولار، وقمة إسلامية - أمريكية، حيث أجلست السعودية قادة الدول الإسلامية أمام ترامب، الذي حاضر فيهم لنحو 30 دقيقة عن محاربة الإرهاب وكيف يكون الإسلام المعتدل.
وكتب ترامب بعد بدء الأزمة مباشرة على حسابه في تويتر: "من الجيّد رؤية أن زيارتي للسعودية مع الملك، العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، و50 دولة، تؤتي ثمارها، قالوا إنهم سيتخذون نهجاً صارماً ضد تمويل الإرهاب، وكل المؤشرات كانت تشير إلى قطر، ربما سيكون هذا بداية النهاية لرعب الإرهاب".
غير أن موقف ترامب خلق خلطاً في مواقف السياسة الخارجية الأمريكية، إذ صرّح وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، في ذلك الوقت، أن "الحصار يعيق العمليات العسكرية في المنطقة، ومنها الحملة ضد تنظيم داعش"، داعياً جميع أطراف الأزمة إلى الحل الدبلوماسي، كما أبدى استغرابه من الطريقة التي انتهجتها دول الحصار في اختلاق الأزمة مع قطر.
ويتساءل المتابعون للأزمة الخليجية عن حقيقة الموقف الأمريكي منها؛ فهل هناك فعلاً تباين طبيعي غير مقصود في المواقف بين أقطاب الإدارة الأمريكية؟ أم أن المصالح الاقتصادية لواشنطن في المنطقة تملي عليهم تبادل أدوار معيّنة بين من يدعم هذا الطرف ومن يؤيد الطرف الآخر؟
يقول محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن في واشنطن، إنه "مع تصدّع الوفاق الخليجي مباشرة بعد القمة الإسلامية - الأمريكية في الرياض مع الرئيس ترامب، سارعت بعض الدول في المنطقة إلى تبنّيها الولايات المتحدة بمثابة الأخ الأكبر ذي العضلات القوية والنفوذ اللامتناهي، وأنه الحليف المناصر والقاضي العادل في آنٍ معاً".
وأضاف الشرقاوي وهو عضو لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة سابقاً، في حديث لـ "الخليج أونلاين"، أن "ما جرى يعد حمائية نفسية وسياسية أوحت للعواصم الخليجية وللقاهرة أيضاً بأنّها توصّلت إلى أفضل استثمار استراتيجي في علاقاتها الخارجية مع واشنطن".
كما أوضح قائلاً: "أضحت جغرافية الخليج مجدّداً رقعة تمحيص وتحريك المؤشرات بين خبراء الاستراتيجية الأمريكية لتقديرات الربح والخسارة، بعد أن وضع ترامب أصبعه على الميزان، في يونيو، لصالح الموقف السعودي - الإماراتي، في حين ظل وزير الخارجية تليرسون متمسكاً بالحياد، وشجع عواصم المنطقة على الحوار وتجاوز الخلاف".
ويبدو -بحسب الشرقاوي- أن أزمة الخليج ومؤتمر الرياض جسّدا أول تطبيق عملي لفلسفة تطويع السياسة الخارجية لتعزيز القومية الاقتصادية الأمريكية، في ثلاثة اتجاهات رئيسية؛ هي أولاً وضع العلاقات الخليجية الأمريكية على مسارات أحادية مع كل عاصمة على حدة، وتجاوز دبلوماسية التعامل الجماعي مع مجلس التعاون الخليجي كتكتل إقليمي متكامل بعضوية الدول الست.
وثانياً، تعهّدت أغلب دول الخليج باستثمار 460 مليار دولار في الولايات المتحدة، وهذا أهمّ ما يفاخر به ترامب في مجال العلاقات الخارجية، وثالثاً تصاعد وتيرة صفقات الأسلحة مع الدول الخليجية في الأشهر الخمسة الماضية.
ولفت الشرقاوي إلى أن "أهمية الخليج في الاستراتيجية الأمريكية تقوم على مستوى استقطاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات والصفقات الخليجية، لشراء الطائرات والأسلحة وقطع الغيار من الولايات المتحدة، ومشاركة دول المنطقة في حملة القضاء على داعش، ومكافحة ما يسميه ترامب الإرهاب الإسلامي الراديكالي".
- انتعاش
وبالتوازي مع ذلك، نشطت دول الحصار في تنظيم المؤتمرات والندوات واللقاءات الرسمية مع الجانب الأمريكي، لـ "شيطنة قطر وإثبات أنها تدعم الإرهاب".
وفي هذا الصدد يكشف الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، أن "واشنطن تشهد الآن تأسيس مكاتب جديدة لجماعات الضغط لصالح دول مجلس التعاون، وأصبح هناك نهضة اقتصادية من وراء الأزمة، وهناك قاعات يتم تأجيرها للقاءات أو لندوات".
محمد الشرقاوي، المقيم في واشنطن، اتفق مع كلام وزير الخارجية القطري السابق، حيث أوضح أن أزمة الخليج أنعشت سوق العلاقات العامة والضغط السياسي؛ بفضل تحويل مبالغ مالية خليجية إلى العشرات من مكاتب استشارات العلاقات العامة في واشنطن، على أمل المناورة السياسية لصالحها لدى وزارة الخارجية والكونغرس، وتحسين صورتها لدى الرأي العام الأمريكي.
وأوضح قائلاً: "حصل معهد الشرق الأوسط على مبلغ 20 مليون دولار خلال عامي 2016 و2017 من الإمارات، وخصصت السعودية 5.4 ملايين دولار لثلاث شركات علاقات عامة أمريكية لتحسين صورتها، في حين أبرمت قطر اتفاقاً بـ 2.5 مليون دولار مع شركة علاقات عامة يديرها وزير العدل الأمريكي الأسبق، جون أشكروفت".
ويبدو أن حملات التصعيد والتشهير بين طرفي النزاع -بحسب الشرقاوي- استنفدت مدى تأثيرها لدى المؤسسة السياسية في واشنطن، وهي لم تجارِ منطق التصعيد الخليجي، وإن كان بعض أعضاء الكونغرس قد أيّدوا موقف طرف ضد الآخر.
لكن معركة الخطاب العام، يضيف الشرقاوي، لا تزال مفتوحة بين شركات الضغط السياسي أو صناعة اللوبيات، وبعض مراكز الأبحاث؛ في محاولة لربط سمعة إحدى الدول بتهمة دعم الإرهاب وإيواء المنظمات المتشددة.
- مصير مجهول
ويبدو أن بن جاسم صدق بأن قطر ستكون في ذيل القائمة في حال بدأ الابتزاز والمحاسبة الأمريكية؛ لأن سجل السعودية لدى دوائر واشنطن في هذا المجال ينبض "بتهم الإرهاب".
فقانون "جاستا"، الذي أُعد خصيصاً لمحاسبة السعودية على "دعمها" هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وحظي بإجماع الكونغرس الأمريكي، لم يمضِ عليه سوى نحو عام، لذا قد يكون سلاحاً يوماً ما لابتزاز السعودية مالياً بحجة التعوضيات المالية لمتضرري الهجمات الإرهابية، خاصة أن أصول المملكة في الولايات المتحدة تزيد عن 800 مليار دولار، وهذا مبلغ يثير شهية الخزينة الأمريكية التي لا تشبع.
كما أن الصحافة الأمريكية تركّز على أن "سجلّ السعودية في الإرهاب" لا يمكن التغاضي عنه، فصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قالت، في سبتمبر الماضي، إن السعودية وبعض الدول قررت معاقبة دولة قطر وحصارها ومعاقبة بعض مواطنيها بذريعة دعم الإرهاب، لكن السعودية نفسها تدعم الإرهاب وتنشر المزيد من التطرّف في ظل "حربها الوحشية" على اليمن.
وبالتوازي مع كلام الصحافة، كان صوت السيناتور الديموقراطي البارز، بيرني ساندرز، عالياً، وهو يطالب بضرورة مراجعة علاقة بلاده مع السعودية، التي قال إنها "غير ديمقراطية وتدعم الإرهاب وتموّله"، مشدداً على أن "الرياض ليست حليفاً لواشنطن".
وقال ساندرز، في كلمة له في يوليو الماضي، أمام الكونغرس: "أعتبر السعودية دولة غير ديمقراطية، دعمت الإرهاب الدولي وموّلته، إنهم ليسوا حلفاء للولايات المتحدة"، مضيفاً أنهم "يواصلون نشر ثقافة التطرّف والعقائد الراديكالية في عدد من بلدان العالم".
لكن الحسابات السياسية والاقتصادية لترامب قد تتناسى الدور السعودي في دعم "الإرهاب"، وهنا يقول الشرقاوي: إن "جاستا يواجه مصيراً مجهولاً في حقبة ترامب أكثر من الاعتداد بالمصداقية التشريعية أو الأخلاقية لمن نادوا طويلاً بضروة معاقبة الدول التي دعمت الإرهاب باسم 9000 من أقارب ضحايا هجمات سبتمبر عام 2001".
وأوضح أنه: "حتى الآن لم تعقد جلسات في المحاكم للنظر في إدانة أو تأكيد براءة أي دولة، وحتى الخطاب الإعلامي لم يعد يتناوله لا من قريب ولا من بعيد".
وأشار الشرقاوي إلى أنه "من حسنات أزمة الخليجية أن نتساءل هل تفهم الحكومات الخليجية حقيقة آليات صنع القرار والسبل الكفيلة بالتأثير في السياسة الأمريكية؟".
ولفت إلى أنه "لا يوجد في المنطقة العربية مركز عربي واحد متخصص في الدراسات الأمريكية، في المقابل، تنكبّ عدة مراكز أبحاث أمريكية على تشريح وتفكيك واستشراف التحوّلات العربية ضمن قائمة تشمل 1800 من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة"، مؤكداً أنه "لا يمكن الفصل بين المعرفة والدبلوماسية والسياسة".