عبدالله طالب المري- الراية القطرية-
نفض أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني،الغبار من مكتبه أمس، ونطق أخيراً بعد صمت طويل وغياب يثير الكثير من علامات الاستفهام الكبيرة طوال الخمسة أشهر التي مرت على الأزمة الخليجية وتعرض دولة قطر للحصار براً وبحراً وجواً من 3 دول خليجية تنضوي تحت دول مجلس التعاون الخليجي في سابقة خطيرة ضربت وحدة شعوب دول الخليج وسكت عن جرائم دول الحصار ضد أهل قطر وشعوب الخليج بأسرها، ليزداد غرقاً في مستنقع الانبطاح والرعونة بانتقاده ما أسماه «هجمة الإعلام القطري» على مجلس التعاون، فيما يبدو ربطاً مفتعلاً بين مكانة المجلس المقدرة وأدائه الضعيف المبتذل والمنحاز على حساب أمن شعوبنا الخليجية.
وبعد أن اقتربت الأزمة الخليجية الأسوأ في تاريخ منطقتنا من اكتمال شهرها الخامس، استعاد الزياني وعيه أمس فقط، وقال إنه غير مسؤول عن حل الأزمة الخليجية وإن وسائل إعلام قطرية تقوم بما وصفها بـ»حملة ظالمة تجاوزت كل الأعراف والقيم والمهنية الإعلامية، بسبب محاولة ربط اسمه كطرف محتمل لحل الأزمة الخليجية». .. وكأن كل ما أزعجه من الأزمة الخليجية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مجرد هجوم الإعلام القطري على شخصه!.
أين الأمين العام من مسؤولياته الرسمية طوال الفترة الماضية؟ ولماذا لم يظهر فور اختراق وكالة الأنباء القطرية ونسب تصريحات على لسان صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد وبعد إصدار وزارة الخارجية القطرية بياناً رسمياً ينفي فيه التصريحات المنسوبة لصاحب السمو، أين كان من الحملة الممنهجة والمسعورة من قناتي العربية وسكاي نيوز أبوظبي طوال تلك الليلة والحملة الإعلامية من وسائل إعلام دول الحصار ووكالات الأنباء الرسمية لهذه الدول التي نقلت التصريحات المفبركة وتجاهلت البيان الرسمي لدولة قطر؟.
كان من المفترض من الأمين العام لدول مجلس التعاون أن ينفض بشته ويظهر في مؤتمر صحفي عاجل يندد بما تعرضت له وكالة أنباء رسمية لدول فاعلة بمنظومة مجلس التعاون ويشدد على تأييده للبيان القطري ويطلب من الدول الأخرى ضرورة ضبط النفس والإيعاز لوسائل إعلامها بضرورة توخي الحذر من انسياقها المبرمج للحملة الإعلامية غير النزيهة ضد قطر.
أين كان عبداللطيف الزياني من محاولة دول الحصار اجتياح قطر عسكرياً؟ هل كان بالأمانة العامة بالرياض أم كان يتمشى في شارع المعارض بالبحرين؟ كان الأجدر به وهو المكلف من قبل أصحاب الجلالة والسمو أن يركب طائرته ويتنقل بين الدول لمحاولة رأب الصدع والقيام بمسؤولياته كاملة، ولكن ذلك لم يحدث، أين كان من تعرّض القطريين للطرد من الفندق وضرورة مغادرتهم مكة المكرمة وهم يعتمرون في شهر رمضان؟ كيف يرضى على نفسه أن يكون دوره هامشياً في هذه الأزمة المفتعلة من دول الحصار؟ هل يحق للسعودية والإمارات والبحرين ما لا يحق لدولة قطر وشعبها الكريم الذي تعرض للمضايقات من قبل سلطات هذه الدول وضرورة خروجهم خلال 14 يوماً؟ هل عرف الزياني أن دول الحصار قطعت صلة الرحم ووشائج القربى بين عوائل الخليج؟ كم من أسرة تشتتت بسبب هذه القرارات الخرقاء من دول الحصار؟.
في وقت كان الخليجيون يحلمون أن يتنقلوا بين دول مجلس التعاون بدون جوازات سفر يفطر في الدوحة وينتقل بالقطار ليلتقي بعيال خواله على الغداء في حي المعذر بالرياض ويتعشى بمنطقة مشرف بالكويت عند نسابته.
ألا يعلم الأمين العام (المغيّب) أن البحرين فرضت التأشيرة على دخول القطريين للبحرين؟.
لقد تجاهل الزياني وزير الرتويت الإماراتي أنور قرقاش وهجومه المنسق مع وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد والسعودي عادل الجبير ضد قطر واتهاماتهم لنا بالإرهاب دون أن يقدموا دليلاً واحداً، لماذا لم يطالب عبداللطيف الزياني ابن البحرين (البار) بالتراجع السريع عن قرارها المتهور بفرض تأشيرة على القطريين؟ أليس هو الأمين العام لدول مجلس التعاون الذي من واجباته وأوليات عمله وحدة وتماسك دول الخليج؟.
لاشك أن تصريحات الزياني تكشف عن جهل متعمد بمسؤوليات الأمانة العامة لمجلس التعاون.. وتنص الماده 15 من النظام الأساسي لمجلس التعاون على أنه من بين مهام الأمانة العامة للمجلس، الاقتراح على رئيس المجلس الوزاري الدعوة لعقد دورة استثنائية للمجلس الوزاري إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ويؤكد أنه لا يوجد حاجة أشد من الأزمة الراهنة لعقد دورة استثنائية للمجلس الوزاري، فيما يكشف موقف الزياني عن تخليه المتعمد عن مسؤولياته وتفضيله الهرولة نحو السعودية والإمارات والبحرين على حساب القيام بمهام منصبه، بحيادية وأمانة.
فقد تعمد الزياني بتعليمات مباشرة من دول الحصار الكذب وتناسى المادة العاشرة من نظام مجلس التعاون الخاصة بتسوية المنازعات بأنه «يتولى المجلس الأعلى تشكيل الهيئة في كل حالة على حدة بحسب طبيعة الخلاف. وإذا نشأ خلاف حول تفسير أو تطبيق النظام الأساسي ولم تتم تسويته في إطار المجلس الوزاري أو المجلس الأعلى. فللمجلس الأعلى إحالته إلى هيئة تسوية المنازعات. وترفع الهيئة تقريرها متضمناً توصياتها أو فتواها بحسب الحال إلى المجلس الأعلى لاتخاذ ما يراه مناسباً».
لقد كشفت تصريحات الزياني عن عدم تأثره بتشتيت آلاف الأسر الخليجية فيما آلمه نقد الإعلام القطري الذي يبقى في إطار النقد الموضوعي لمهام واختصاصات منصبه. ولم يخرج ولو بتصريح واحد يعلن فيه مواساته للمتضررين وما أصابهم من مآس باعتباره أميناً عاماً لمجلس يضم بلادهم المتنازعة في مسألة خلافية. وتجاهل الزياني حجم الأضرار والتداعيات الإنسانية التي شتتت الأسر والعائلات وقطعت صلة الأرحام وحرمت الآلاف من حقوقهم المشروعة.
لقد كشفت التقارير التي أعلنتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر بارتكاب دول الحصار 3890 انتهاكاً لحقوق الإنسان في التعليم والعبادة وممارسة الشعائر الدينية، وحق التنقل وغيرها وأنها تهدد كيان الأسرة الخليجية الواحدة، وتسببت في خسائر فادحة في الأموال والأملاك لآلاف الأشخاص جراء الحصار. ولكن للأسف يبدو أن الزياني مشغول بأمور أخرى بعيدة عن هذه الأزمة.
تصريحات الزياني، تحمل الكثير من التدليس والمغالطات بادعاء أن وسائل الإعلام القطرية حملته مسؤولية حل الأزمة الخليجية. ولا تخرج هذه التصريحات عن كونها محاولة عبثية من الأمين الغائب لحفظ ماء وجهه.
لقد طالب الإعلام القطري الزياني بإظهار موقف محدد وواضح كأمين عام لمجلس التعاون من أزمة شرسة تلتهم الأخضر واليابس في علاقات الشعوب الخليجية.
وإنه لم يكن مطلوباً من الزياني كما يروج أن يكون طرفاً في الحل ولكن بصمته أصبح جزءاً من المشكلة الأبدية التي تعاني منها منظومة المجلس برمتها بارتهانها إلى قرارات منحازة وعنصرية ترتكز على حجم المساحة الجغرافية أو عدد السكان.
لقد استغربنا من توقيت تصريحات الزياني التي تتزامن مع تصعيد بحريني يطالب بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون فيما تقترب القمة الخليجية ولم يقم الزياني بجولاته المعتادة بين العواصم الخليجية لوضع اللمسات الأخيرة لعقدها، مما يؤشر على نوايا مبيتة تتسق مع مخططات دول الحصار الفاشلة في عزل قطر عن محيطها الخليجي والإقليمي والدولي.
مع اشتداد الأزمة وطولها قطر تكسب نقاطاً جديدة أمام حلف الحصار وأمينه العام الزياني الذي فقد احترام شعوب الخليج، وسوف يسجل له التاريخ موقفه المخزي من أكثر الأزمات قسوة في حياة شعوبنا الخليجية التي لن تغفر له هذه السقطات في حق أبنائها وشبابها.
دمية في أصابع الحصار
لقد ثبت للجميع غياب الزياني لإدراكه التام لحدود دوره كلعبة في أصابع دول الحصار وإن أي محاولة منه لاتخاذ موقف نبيل من أخطر أزمة تواجه شعوب الخليج، لم تكن لتخرج عن حدود الرؤية القطرية بالدعوة إلى حل الخلاف عبر الحوار والتفاوض وكافة الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها في الأمم المتحضرة وهو ما يتعارض مع تعنت دول الحصار ويهدد كرسي الأمين العام الذي ظهر كخاتم في أصابع الرياض وأبو ظبي.
ويبرز في موقف الزياني انحيازه المشين لدول الحصار متناسياً أن دول التعاون ليست فقط السعودية والإمارات والبحرين وإنما هناك قطر والكويت وسلطنة عمان وكلها ترتبط بمصير واحد، ومن المفروض أن يتعامل مع الجميع بمعيار واحد إلا أن الأزمة كشفت كيف أن الزياني لم يكن على مسافة واحدة من الدول الأطراف في الأزمة وانحاز بصمته الرهيب إلى مخططات دول الحصار ضد شعوب الخليج التي ما زالت تعاني تداعيات هذا الخلاف.
واللافت للجميع خروج الزياني عن صمته الآن، فيما صمت دهراً على مدار شهور الأزمة ورفعه شعار لا أرى لا أسمع لا أتكلم متخلياً عن دوره في لم الشمل بحكم منصبه الذي يفترض أنه اكتسب خلاله خبرات واسعة بعد التجديد له لدورتين.
الزياني خسر احترام شعوب المنطقة
لقد اختفى الزياني في ظروف غامضة على مدار شهور الأزمة، وعاد ليتحدث بلسان دول الحصار ليثبت أنه موظف يتلقى الأوامر والتعليمات «إن المسؤولين في الحكومة القطرية والإعلام القطري يدركون تماماً أن حل الأزمة وإنهاء تداعياتها بيد قادة دول المجلس وليس بيد أحد آخر وهو ليس من مسؤوليات وواجبات الأمين العام الذي يتلقى وينفذ قرارات وتوجيهات وأوامر المجلس الأعلى والمجلس الوزاري فقط ملتزماً بما ينص عليه النظام الأساسي لمجلس التعاون».
ولعل تبرير الزياني عدم مسؤوليته عن حل الأزمة لا يخرج عن كونه حقاً يراد به باطل. وإن الأمين العام خسر فرصة كبيرة لكسب احترام شعوب المنطقة والعالم في حالة وقوفه إلى صف الحق والعقل والمنطق ولكنه فضّل الحفاظ على منصبه والصمت على مخططات دول الحصار ضد قطر.