ستراتفور- ترجمة شادي خليفة -
من المقرر أن تنعقد القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي في ديسمبر/كانون الأول المقبل. لكن بعد ما يقرب من 5 أشهر من الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، من غير الواضح ما إذا كان المؤتمر سيجري كما هو مقرر. وإذا رفض مجلس التعاون الخليجي عقد قمة هذا العام، أو إذا تم استبعاد قطر منها، فإن هذه ستكون المرة الأولى في تاريخ الكتلة، التي يمنع فيها الخلاف الاجتماع السنوي. ومن ناحية أخرى، إذا اجتمعت الدول الست الأعضاء معا لعقد المؤتمر كما هو مقرر، سيوفر الاجتماع بصيصا من الأمل في أن تتمكن الكتلة من مواجهة الأزمة الحالية ككيان متماسك.
وقد كشفت هذه الخلافات عن شقوق كبيرة في هيكل المجلس ووحدة العلاقات، ليس فقط في الكتلة، بل في المنطقة ككل أيضا. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يأملان أن تنهار قطر تحت ضغوطهما، إلا أن اقتصاد البلاد قد صمد أمام الحصار الذي لم يكن له مثيل. ويعد المصدر الأكبر للإجهاد المالي في دول المجلس هو ركود أسعار النفط، والذي سيواصل الضغط على الدول المكونة للمجموعة حتى بعد حل النزاع الحالي.
هدف لم يتم تحقيقه
ومنذ بدايته، عمل مجلس التعاون الخليجي من أجل المزيد من التكامل الاقتصادي، على الرغم من أنه كانت يكافح من أجل إحراز تقدم في هذا المسعى. وقد تم التغلب على الخلافات بين اقتصادات دول الخليج، وأولوياتها، باستمرار على طريق التقارب. وقد دعت السعودية منذ فترة طويلة إلى جعل أعضاء الكتلة، الذين قد يشكلون معا الاقتصاد رقم 12 في العالم وفقا لمجموع الناتج المحلي الإجمالي، إلى تعاون اقتصادي أوثق.
وعلى النقيض من ذلك، قاومت الكويت تدابير من شأنها أن تجعلها أكثر اعتمادا على بقية دول المجلس. وكانت الدولة الصغيرة هي الدولة الوحيدة في الكتلة التي تربط عملتها بسلة من عملات عملائها التجاريين الرئيسيين بدلا من الدولار، ورفعت مقترحات لعملة مشتركة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبصرف النظر عن مصالحهم المتباينة، فإن علاقات التجارة والاستثمار الراسخة لدول الخليج خارج الكتلة قد أعاقت أيضا المزيد من الاندماج. ولكن ربط العبور وسلاسل التوريد كفل ترابط دول الخليج في التجارة. فعلى سبيل المثال، تعتمد قطر تقليديا على الموانئ المتقدمة في دولة الإمارات في معظم احتياجاتها من الاستيراد والتصدير، وعلى الطرق البرية عبر السعودية، فيما يصل إلى 90% من وارداتها الغذائية.
واعتبرت أبوظبي والرياض أن هذه الروابط ستكون كافية لإجبار الدوحة على الامتثال لمطالبها في أقرب وقت. وبالإضافة إلى الضغط الواقع على البنوك القطرية والإماراتية، توقفت البنوك بشكل غير رسمي عن التعامل مع الشركات والكيانات المرتبطة بكلا البلدين، كما انخفضت الودائع في البنوك القطرية أيضا. وقد كان للحصار انعكاساته على المشاكل المالية في قطر، التي اضطرت إلى إنفاق أكبر بكثير على الغذاء والإمدادات مما كانت عليه قبل الحصار، واعتمدت على بلدان مثل إيران وتركيا. ولكن نظرا لأن الدولة لديها مراكزها الخاصة لنقل الشحنات من الغاز الطبيعي، الذي يعد الدعامة الاقتصادية الأهم، إلى الأسواق في الخارج، تمكنت قطر من البقاء واقفة على قدميها
التعاون الانتقائي
وفي الواقع، تتضاءل العواقب الاقتصادية المترتبة على صراع الدول الأربعة ضد قطر أمام عواقب جهود الإصلاح الأخيرة في المجلس. وقد اضطرت كل من السعودية والإمارات وقطر إلى فرض ضرائب جديدة وتخفيض الدعم، لمواجهة انخفاض إيرادات النفط والغاز. وقد شعرت كل البلدان بأن الآثار وراء هذه التدابير كانت أعمق مما شعرت به جراء تداعيات الحصار. وقد شجعهم الشعور المشترك بالخطر الاقتصادي، في الواقع، على اعتماد ضريبة القيمة المضافة المشتركة، التي ستدخل حيز التنفيذ عام 2018. ومع وضع خلافاتهم جانبا، يمكن لدول المجلس الاتفاق على الأقل على شيء واحد، وهو احتياجهم إلى أموال من مجموعة أكثر تنوعا من مصادر الأرباح. ومع ذلك، تنفذ البلدان هذا التدبير ليس من أجل الكتلة، بل من أجل بقائها على قيد الحياة. وستمكن الضريبة الحكومات في دول الخليج من زيادة دخلها دون تحويل جمهورها ضدها.
وفي الوقت نفسه، ستعطي الشواغل الأمنية الدائمة، التي جمعت الكتلة معا عام 1981، أعضاءها مجالا للتعاون. ووقعت الدول الأعضاء الست على العقوبات المفروضة على قائمة ممولي الإرهاب المزعومين الذين لهم صلات باليمن، في أكتوبر/تشرين الأول، على الرغم من الخلاف الدبلوماسي بينهم. وبغض النظر عن خلافاتها، ستواصل دول الخليج العمل معا على اتباع سياسات مشتركة لمنع إيران من توسيع نطاق انتشارها عبر الشرق الأوسط من خلال جماعات بالوكالة مثل حزب الله أو الحوثيين. ويخشى أعضاء الكتلة من التأثير الدبلوماسي والاقتصادي الذي تمارسه طهران، على الرغم من أن الدول ذات الأقليات الشيعة الأكبر، مثل السعودية والبحرين والكويت، تعتبر إيران تهديدا أكثر إلحاحا.
وقد دفعت الظروف المشتركة والتشابهات الجيوسياسية دول الخليج إلى تشكيل مجلس التعاون الخليجي. لكن الكتلة لم تكن أبدا ولن تكون تلك الشراكة الاقتصادية التي كان أعضاؤها يتصورونها. وبعد أكثر من 30 عاما على تأسيسه، لا يزال المجلس يعاني من الشعور الفردي بين أعضاء الكتلة، وسيؤدي اندفاعها المشترك لتنويع اقتصاداتها إلى جعلها في منافسة أشد مع بعضها البعض في المستقبل. ومع إعطاء الدول الأعضاء في المجلس الأولوية لاحتياجاتها الخاصة، فوق الاحتياجات الجماعية للكتلة، فعليها أن تترك أحلامها للتكامل الاقتصادي خلف ظهورها.