الخليج اونلاين-
لا يلوح في الأفق القريب ما يشير إلى انتهاء أزمة الخليج، ولا ما يشير إلى أنها في طريقها إلى الحلحلة؛ فما زالت تداعياتها الجيوسياسية تتسع ككرة الثلج على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، الذي كان يُنظر إليه على أنه آخر أمل للحالمين بالوحدة العربية منذ قرن من الزمان؛ نظراً إلى ما قطعته هذه الدول من أشواط وخطوات هامة في طريق الوحدة والتكامل.
- تداعيات اقتصادية
ولا تقف تداعيات حصار دولة قطر من قِبل أشقائها على البُعد السياسي؛ بل تتعدى ذلك لتصيب العجلة الاقتصادية بالعطب، وهي الورقة التي راهن عليها صنّاع النهضة الجديدة في دول الخليج العربي، من خلال وضع خطط بعيدة الأمد، وصلت إلى 2030، مع ترويج إعلامي واسع ووعود بنهضة اقتصادية ورفاه غير مسبوق لشعوب المنطقة، حيث شكَّل مجلس التعاون الخليجي فرصةً تاريخيةً لتشكيل تكتل اقتصادي عالمي؛ نظراً إلى ما يمثله هذا الكيان الإقليمي من ثقل اقتصادي بسبب موارده المالية الكبيرة، ودوره المحوري في أسواق الطاقة العالمية.
الأزمة الحالية التي طال أمدها، تؤكد التقارير الدولية، ومنها تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر تحت عنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطي"، أن أثرها سيصيب دول الخليج بالكساد، وأنها ستؤدي إلى إبطاء التقدم نحو زيادة التكامل بين دول المنطقة، والتسبب في إضعاف الثقة؛ ما يخفض الاستثمارات والنمو.
- قطار الأمل
سعت دول مجلس التعاون الخليجي لتذليل العقبات الحدودية، والانتصار على الجغرافيا، في سبيل تحقيق التواصل الأمثل الذي يحقق التكامل المفضي إلى التوحد، قطار الخليج من أهم المشاريع في هذا المجال، حيث حمل معه أملاً كبيراً بربط الدول الست وتعميق صلات التعاون الاقتصادي، وتسهيل تنقُّل الأفراد بين مواطنيها.
المشروع عبارة عن قطار، تصل امتدادات خطوطه إلى 2177 كم، وتصل سرعته إلى 200 كم/ساعة، في حين لا تتجاوز سرعة قطار البضائع 100 كم/ساعة، بتكلفة إجمالية لإنشاء بنيته التحتية تقدر بـ15.4 مليار دولار، وقُدرت قيمة الاستثمارات في السكك الحديدية بأكثر من 240 مليار دولار.
وفي ظل الأزمة، يتساءل الكثيرون عن مصير المشروع، الذي كان من المقرر أن يبدأ العمل به خلال عام 2018. وسائل الإعلام الإماراتية نقلت عن وزير تطوير البنية التحتية في دولة الإمارات، عبد الله بلحيف النعيمي، أن المشروع "سيبصر النور عام 2021".
وأوضح النعيمي أن "دول الخليج قررت تأجيل العمل بمشروع السكك الحديدية (القطار الخليجي) إلى عام 2021 بدلاً من العام المقبل، على الرغم من الأزمة السياسية في المنطقة".
وأضاف خلال انطلاق مؤتمر ومعرض السكك الحديدية في الشرق الأوسط 2017 بإمارة دبي، أن "عدم وجود تنسيق بين بعض المؤسسات والهيئات داخل بعض بلدان المنطقة تسبب في تعطيل المشروع ثلاث سنوات أخرى"، نافياً أن "يكون التمويل عائقاً أمام تنفيذ المشروع".
مراقبون اعتبروا تصريحات النعيمي مجرد كلام للاستهلاك المحلي، والتغطية على توقُّف مشاريع دول مجلس التعاون التي علَّق عليها المواطنون آمالاً كبيرة بسبب الأزمة، ويستدلون على ذلك بمواصلة حصار دولة قطر، واستمرار إجراءات المقاطعة، فمسار القطار كان يُفترض أن يربط السعودية بقطر بمروره بمدينة الدمام عن طريق منفذ سلوى، وكذلك قطر بمملكة البحرين من خلال جسر قطر-البحرين المخطط إنشاؤه بينهما.
ويتساءل المراقبون للمشهد الخليجي، عن إمكانية تسيير القطار الذي ينقل الأشخاص دون تأشيرات، والبضائع بتعريفات جمركية موحدة، في ظل تصعيد دول الحصار إجراءاتها؛ فالبحرين مثلاً صعّدت إجراءاتها الحصارية ضد جارتها بفرض تأشيرات على المواطنين القطريين، بحسب وكالة أنباء البحرين الرسمية، التي أشارت إلى أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة فرض تأشيرة دخول على مواطني دولة قطر والمقيمين بها، ليلغي بذلك جزءاً من اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي، التي تنص على أنه يحق لمواطني الدول الست الأعضاء فيه زيارة البلدان الأخرى في المجلس دون الحصول على تأشيرة دخول مسبقة.
القرار جاء في إطار سلسلة إجراءات تصعيدية بحرينية اتُّخذت بشكل مفاجئ وسريع، خلال فترة قصيرة، حيث دعا وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، قبل ذلك، إلى تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي؛ حتى تستجيب لمطالب دول الحصار، التي تمس سيادتها، بحسب ما تؤكده دولة قطر.
فضلاً عن ذلك ومن خلال المتابعة، يتبين أن بعض دول الخليج لم تتخذ إجراءات عملية على الأرض لتنفيذ المشروع، وفي مقدمتها البحرين؛ إذ نقلت صحيفة "الاقتصادية" السعودية، في 16 مارس الماضي، عن مصدر لم تسمه، أنه "لم يحصل أي إجراء بعدُ في البحرين، على الرغم من أنها قدمت عروضاً كثيرة"، مشيرةً إلى أنه "لم يحصل أي شيء على الأرض".
وأضافت أنه "في عُمان أيضاً، لم يجرِ أي عمل، في حين بالإمارات نُفِّذ كمرحلة أولى بمنطقة معينة داخل إمارة أبوظبي، وما زالت تحتاج إلى ربط بقية الإمارات، ومن ثم إلى الحدود".
يشار إلى أن أزمة الخليج أصابت المناخ الاستثماري في دول مجلس التعاون بمقتل؛ وتسببت في توقف المشاريع الاستراتيجية الكبرى، فبعد أن عانت جميع دول المجلس اقتصادياً بسبب انخفاض أسعار النفط؛ ما دفع لتراجع الإيرادات المالية بشكل حاد، ومراجعة العديد من السياسات الاقتصادية للتأقلم مع الأوضاع الجديدة، جاءت هذه الأزمة لتُلحق الضرر بالثقة بالأعمال التجارية وضرب الفرص الاستثمارية، وإذا ما رغبت دول المنطقة في اجتذاب استثمارات جديدة، فإنها ستحتاج إلى زمن طويل لإعادة بناء هذه الثقة.