مركز الدراسات الاستراتيجية-
قال الدكتور «كريستيان كوتس أولريخسن»، الزميل في الشرق الأوسط في معهد «جيمس بيكر» للسياسات العامة في جامعة رايس، إنه كلما طال أمد الصراع الحالي في مجلس التعاون الخليجي، ازداد خطر انهيار صورة المجلس، التي تم بناؤها بعناية كموقع مشرق للاستقرار في منطقة متقلبة.
وفي حين أن هناك دلائل على أن حكام الخليج المسؤولين عن النزاع يدركون الحاجة إلى إيجاد طريقة ما في نهاية المطاف لتسوية مؤقتة، فإن الشقوق الناتجة عن الأزمة تجعل العودة إلى الوضع السابق غير محتملة.
وفي الوقت الذي تقف فيه الإجراءات الرسمية من جانب الأطراف المختلفة في الأزمة في طريق مسدود، حذر «أولريخسن» من أن الإجراءات غير الرسمية التي تتخذها الأطراف لتقويض وتشويه سمعة بعضها البعض قد تسبب ضررا مستمرا.
ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي قبل 36 عاما، سعت الدول الأعضاء إلى إنشاء مواقع آمنة ومستقرة للقيام بأعمال تجارية، وكانت الخلافات موجودة دائما بين دول مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن الاختلافات حول السياسات، ولکنھا توقعت توحيد الجبهة حول القضایا الرئیسیة، بما في ذلك التوجه السياسي والأمني الموالي للغرب.
وقد حولت هذه السمة دول الخليج إلى شركاء إقليميين ذوي قيمة عالية للولايات المتحدة، ولكن عندما بدأت الأزمة في يونيو/حزيران، تم الكشف عن الشقوق والانقسامات في هذه الجبهة، التي كانت تتعمق على مدى العقدين الماضيين، وقد تفاقمت الانقسامات بسبب الاضطرابات الإقليمية بعد عام 2011، ولم يتم تلافيها بشكل كامل بعد نزاع عام 2014 بين دول المجلس حول سياسة قطر الإقليمية.
التوازن داخل المجلس
وتتمحور الأزمة الحالية حول عدد من نقاط الاختلاف الهامة داخل الكتلة، أحدها هو التوازن بين المملكة العربية السعودية ودول المجلس الأصغر.
وقد ساعد حجم المملكة ومواردها بالنسبة لباقي أعضاء المجلس في تشكيل مجلس يعكس في الغالب توجهات السياسة السعودية، وقد أدى ذلك في بعض الأحيان إلى تقييد توجهات السياسة المستقلة لدى بعض أعضاء الكتلة الأصغر حجما، وأهمها قطر، وإلى حد ما عمان والكويت.
وبالنظر إلى أن الحافز الرئيسي للأزمة الحالية هو انحراف قطر عن الإجماع السعودي الإماراتي، رأى «أولريخسن» أن النتيجة المحتملة للأزمة قد تكون الضغط بشكل أكبر على الكويت وسلطنة عمان، من خلال إجبارهما على أن تكونا أكثر اتساقا مع الموقف الذي تقوده السعودية بشأن القضايا الإقليمية، بما في ذلك العلاقات مع إيران.
كما كشفت الأزمة عن اختلافات ناشئة بين الأجيال الأكبر سنا والأجيال الشابة من قادة دول المجلس، وفي القلب من ذلك، كان الشيخ «تميم»، الذي كان عمره أقل من عام عندما تم تشكيل المجلس، وولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، الذي ولد بعد حوالي 5 أعوام من تشكيله.
وتجري حاليا قيادة جهود الوساطة محليا من قبل جيل من كبار السن، بما في ذلك بعض الآباء المؤسسين في المجلس، ومن بين هؤلاء الشيخ «صباح» أمير الكويت، والسلطان «قابوس» سلطان عمان، وسنهما 88 و76 عاما على التوالي.
ورأى «أولريخسن» أن أزمة الخليج تكشف اتجاه الجيل الصاعد من قادة الخليج إلى المخاطرة بشكل أكبر، حيث «تخلوا عن الكثير من الحذر والتوافق»، الذي اتسمت به عملية صنع السياسات الإقليمية لدى أسلافهم. وقد تحمل الرغبة في تحمل المخاطر فوائد معها في مجالات حاسمة، كما أقر «أولريخسن»، على سبيل المثال في تحقيق نوع الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتنويع اقتصادات الخليج.
ومع ذلك، قال «أولريخسن»، إن المخاطر تزداد باتباع سياسة خارجية أكثر حزما، مثل الحرب في اليمن، وكذلك في النزاع داخل المجلس، لأنه يبدو أن هناك القليل من التخطيط للطوارئ والمضاعفات التي نشأت.
وقال «أولريخسن» إن الاحتمالات غير المؤكدة للوساطة الخارجية تعقد القرار، فعلى سبيل المثال، أثارت تصريحات متناقضة من أجزاء مختلفة من الحكومة الأمريكية شكوكا حول موثوقية الولايات المتحدة كوسيط، والمملكة المتحدة، القوة الخارجية الوحيدة التي لها تاريخ من المشاركة في المنطقة، مشغولة بعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي.
واقترح «أولريخسن» أنه في حال فشل جهود الولايات المتحدة في الوساطة، فإن المسار الأكثر فعالية قد يكون مدعوما بجهود الوساطة التي تبذلها الكويت، وهي أكثر الجهات الفاعلة الإقليمية مصداقية.
أضرار دائمة
وهناك حوافز لقادة الخليج لإصلاح العلاقات، وقد ساهم المجلس على مدى الأعوام الـ36 الماضية في التكامل التجاري والترابط العام في المنطقة، ولا تزال المصالح المشتركة الشاملة، مثل الحفاظ على تقاليد الملوك الخليجية المحافظة، توحد الأسر الحاكمة في المجلس.
ويرى «أولريخسن» أن القادة يدركون الحاجة إلى إيجاد وسيلة للعمل معا مرة أخرى بعد الأزمة، ويشير إلى ذلك امتناع الأسر الحاكمة إلى حد كبير عن المشاركة الشخصية في تبادل الاتهامات، والاعتماد بدلا من ذلك على التكنوقراط والأشخاص غير الملكيين.
واقترح «أولريخسن» أن تقدم قطر تدبيرا ملطفا للأجواء من خلال إظهار رغبتها في الاعتراف ببعض مظالم اللجنة الرباعية، كأداة لتسريع عودة التوازن النسبي في الخليج، وقد يكون أحد هذه التدابير نقل مقر الجزيرة إلى لندن، وهذا مجال سبق أن أبدت فيه قطر استعدادها للتوصل إلى حل توفيقي، وعلى سبيل المثال، كجزء من قرار أزمة 2014، أغلقت قطر قناة الجزيرة المصرية «الجزيرة مباشر مصر».
ومع ذلك، فمن الصعب جدا تصور عودة مجلس التعاون الخليجي إلى شكله السابق، وفي حين لا يزال مسار آليات النزاع الرسمية غير واضح، فإن مواصلة السعي إلى اتخاذ تدابير غير رسمية، بما في ذلك العلاقات العامة والحملات الإعلامية الرامية إلى تشويه سمعة الطرف الآخر، تهدد بترك أضرار دائمة.
ومن ناحية أخرى، يوفر الخطاب القاسي المتبادل الوقود لمعارضي جميع الدول العربية الخليجية لتشويه سمعتهم، وعلاوة على ذلك، قد تهدد الشقوق الإقليمية أيضا السياسة الأمنية والسياسة الموحدة الموالية للغرب، التي ربطت دول الخليج العربية على مدى القرن الماضي.
وأشار «أولريخسن» إلى العلاقات المتنامية بين تركيا وإيران وروسيا مع دول الخليج بشكل فردي، وعدم اهتمام الولايات المتحدة على ما يبدو، كدليل على الانجراف المحتمل.
وسوف يتم الضرر على المستوى المجتمعي أيضا، فكلما طال أمد الانقسام رسميا أو عمليا، كان الأثر أكبر على الروابط الاجتماعية والاقتصادية التي تربط بين سكان الخليج.
وعلى مستوى الثقة الأساسية، خلص «أولريخسن» إلى أن «الضرر الحقيقي على المدى الطويل سوف يتم».