ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

الأزمة الخليجية.. السعودية تهون والبحرين تصعد وقطر تستفيد

في 2017/11/10

الخليج الجديد-

أكثر من 150 يوما، مروا على أكبر أزمة شهدها مجلس التعاون الخليجي، منذ نشأته، استُخدمت فيها أساليب مشروعة وغير مشروعة لتركيع قطر، من قبل دول الحصار؛ السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

بيد أنه مع مرور تلك الفترة الطويلة من الأزمة، التي بدأت في 5 يونيو/حزيران الماضي، اختلفت المواقف، بين تهوين سعودي للأزمة، هو أقرب إلى هروب من الإقرار بالفشل في إدارتها، ومهارة قطرية في إدارة الأزمة مكنت الدوحة من الاستفادة منها، وجعل خياراتها الخارجية مستقلة تماما عن مراعاة الحساسيات السعودية.

لكن تبقى خيبة الأمل الكبيرة، المنبثقة عن الأزمة، هي وضع نهاية لمسيرة الوحدة الخليجية.

تهوين سعودي

5 أشهر، كانت كفيلة، أن تحول البركان الذي فجرته السعودية لرماد، وبعد أن كان الأمر يستدعي تدخلا عسكريا، ألمح أمير الكويت إلى أنه تدخل لوقفه، ضد قطر، باتت التصريحات السعودية تهون من الأزمة، وتعتبرها أزمة صغيرة، ولا يجب أن تشغل الرأي العام.

وأبرز تصريح في هذا الصدد صدر عن ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي قلل فيه من تأثير الأزمة الخليجية؛ حيث قال خلال حوار مع وكالة «رويترز»: «أزمة قطر صغيرة جدا جدا جدا».

تصريح «بن سلمان» سبقه تصريح مماثل لوزير الخارجية السعودي، «عادل الجبير»، في الـ24 من الشهر ذاته؛ حيث قال خلال مشاركته في أعمال مؤتمر المركز البريطاني للعلاقات الدولية، في لندن، إن «قطر لم تعد تمثل أي قضية بالنسبة للسعودية، بل مجرد قضية صغيرة؛ فلدى المملكة شؤون أخرى تهتم بها وتركز عليها».

وأضاف: «هناك قضايا أكبر بكثير يجب على السعودية التعامل معها، بما فيها تلك التي تتعلق بإيران وسوريا واليمن».

الأحداث المتتابعة التي شهدتها السعودية، خلال الأيام الماضية، بإعلان استقالة رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» من الرياض، وإطلاق الحوثيين صاروخا بالستيا باتجاه الرياض، واعتقال العشرات من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال، دفع «الجبير» للخروج مجددا للتهوين من الأزمة الخليجية؛ حيث قال، في مقابلة مع «سي إن إن»، أول أمس الأربعاء: «القضية القطرية صغيرة جدا، ولا ينبغي أن تشغل انتباه الناس».

آخر مظاهر تهوين الرياض للأزمة، ما نقلته صحيفة «الحياة» السعودية، في عددها الصادر اليوم الجمعة، عن مصدر خليجي (لم تسمه)، قال إن «الموضوع القطري في المنطقة ثانوي وصغير؛ لأن هناك أولويات أخرى».

وأضاف: «لا يمكننا أن نبقى مشغولين بالدوحة».

الصحافة السعودية، هي الأخرى، قلصت كثيرا المساحة التي اعتادت على تخصيصها للأزمة الخليجية، وللهجوم على قطر، في مقابل إعطاء مساحات أكبر للهجوم على الحوثيين وإيران و«حزب الله»، فضلا عن التمجيد في قرارات «مكافحة الفساد».

وفي حقيقة الأمر، فإن تهوين الرياض من الأزمة الخليجية، لا يعود فقط لإنشغال القيادة السعودية بأحداث وأزمات أهم، وإنما هو دلالة على عدم قدرة المملكة على اتخاذ خطوات للامام في ظل الموقف الاقليمي والدولي الرافض للتصعيد، ولا للخلف لأنه سيكون هزيمة مبكرة لـ«بن سلمان» في ظل عدم تحقيق أي هدف من أهداف الحصار الحقيقية المتمثلة في خضوع قطر وسياستها للرياض.

لذلك، فإن التأكيد على صغر المشكلة والدعوة للانصراف عنها لأمور أكبر وأهم ليس سوى تعبير مخادع بدلا من القول: فلننس المشكلة لأنه لا حل لها.
 
وتبقى الأزمة مؤشرا جديدا على تهور خيارات ولي العهد الخارجية، وعدم تقديره السليم لتداعيات سياساته الخارجية المتهورة.

البحرين تصعد

وفي مقابل التهوين من الأزمة، تتصدر البحرين، أصغر دول الحصار من حيث المساحة والثقل الدبلوماسي، التحركات التصعيدية ضد قطر.

ولذلك التصعيد مظاهر عدة، بينها خروج وكالة الأنباء البحرينية الرسمية (بنا)، في تقرير قبل أيام، لتدعي فيه إن «قطر كانت جزءاً من أراضي البحرين»، فضلا عن فرض المنامة تأشيرات دخول على القطريين، وذلك في مخالفة صريحة لاتفاقيات مجلس التعاون الخليجي، التي تسمح لمواطني الدول الأعضاء زيارة البلدان الأخرى في المجلس دون الحصول على تأشيرة دخول مسبقة.

وتزامن هذا الإجراء، مع ما ذكره العاهل البحريني الملك «حمد بن عيسى آل خليفة»، حين قال إن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات أكثر حزما تجاه قطر، قبل أن يعلن اعتذاره عن حضور أي قمة أو اجتماع خليجي تحضره قطر، «ما لم تصحح من نهجها وتعد إلى رشدها وتستجب لمطالب الدول التي عانت منها الكثير»، على حد تعبيره.

وجاءت تصريحات ملك البحرين بعد يوم من دعوة وزير خارجيته «خالد بن أحمد آل خليفة» إلى تجميد عضوية قطر في «مجلس التعاون الخليجي» لحين تجاوبها مع مطالب دول الحصار الأربع.

التصعيد البحريني ضد قطر، وصل للقضاء؛ حيث وجهت النيابة بالمنامة تهمة «التخابر مع قطر للقيام بأعمال عدائية»، للأمين العام لجمعية «الوفاق» الشيعية المنحلة الشيخ «علي سلمان».

وقالت النيابة العامة إنها استدعت «سلمان وقامت باستجوابه ومواجهته بالأدلة في ضوء تحقيقات تجريها حيال اتصالات جرت بين سلمان ومسؤولين من قطر قبيل بدء التظاهرات المطالبة بالتغيير التي قادتها الأغلبية الشيعية في 2011».

وتصدر البحرين للتصعيد ضد قطر هو مؤشر آخر على تراجع أولوية الأزمة لدى السعودية وتعقدها؛ فأزمة صغيرة تتطلب للتعامل معها البحرين الصغيرة.

ظاهرة صوتية

أما مصر والإمارات، فباتا يقفان في الأزمة الخليجية، في خندق واحد، حسب مراقبين، وهو خندق «الظاهرة الصوتية».

فبعيدا عن هجوم إعلامي بالفضائيات المصرية أو تغريدات لوزير الشؤون الخارجية الإمارتي «أنور قرقاش»، لا وجود لدور للبلدين في الأزمة.

حتى أن حديث الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، في منتدى شباب العالم وحواره مع صحيفة «الشرق الأوسط»، عن الأزمة، لم يخرج عن جملتي «موقفنا من قطر ثابت»، و«الكرة في ملعب قطر».

الظاهرة الصوتية الإماراتية، تجسدت مؤخرا في أغنية «قولوا لقطر»، التي أطلقت قبل أيام، وحملت تهديدا لقطر، من فنانين تغنوا بمدح قطر من قبل، وهي الأغنية التي لاقت هجوما من قبل المتابعين، لما تحمله من تهديد للدوحة.

تحذير كويتي

وفي مقابل ذلك وذاك، يأتي موقف وسيط الحل، دولة الكويت، التي حذر أميرها «صباح الأحمد الجابر الصباح، نهاية الشهر الماضي، من أن الأزمة الخليجية تحمل في جنباتها «احتمالات التطور»، مضيفا أن تصعيد الأزمة سيكون له «نتائج بالغة الضرر والدمار» على أمن دول الخليج وشعوبها.

والجهود الكويتية لم تنجح إلى الآن، في إقناع الأطراف العربية الخمسة، بالجلوس حول طاولة المفاوضات المباشرة، للتوصل إلى حلول بشأن قضايا الخلاف، والتي أجملتها الدول المقاطعة لقطر في 13 بندا، رفضتها سلطات الدوحة جملة وتفصيلا.

وفي رساله أخرى له قبل يومين، بعث بها لمجلس الأمة (البرلمان الكويتي)، نبه «الصباح» إلى خطورة الأوضاع في الخليج، وأثرها على الكويت، وكذلك أهمية عدم الانجرار العاطفي والانفعالي فيما يتعلق بالأزمة بين الأشقاء الخليجيين.

وسبق أن كشف مصدر دبلوماسي كويتي عن أن القمة الخليجية المقرر عقدها بالكويت، في ديسمبر/كانون الأول المقبل، باتت في حكم المؤجلة؛ بسبب الأزمة الخليجية.

جاء هذا التأكيد، لينفي ما روجت له صحف سعودية ومراكز دراسات غربية، ممولة من الإمارات، لعقد قمة خليجية بين دول الحصار الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين)، واستثناء الكويت وعمان وقطر منها.

ويخشى الكويتيون أن يكون موقفهم الحيادي المشوب بالتعاطف الشعبي الجارف مع قطر وشعبها وأهلها، أدى إلى غضب في بعض الدوائر الرسمية والإعلامية السعودية والإماراتية التي تسعى إلى التأليب على الكويت، بسبب حيادها التام، وسعي أميرها لحل الأزمة بهدوء من دون تصريحات أو تسريبات طفولية.

وحسب مراقبين، فإن الأزمة الخليجية ألقت بظلالها على ثقة الكويت تجاه سياسات السعودية حيال دول الخليج، حيث لا تستبعد الكويت أن يأتي دورها إذا تمكنت السعودية من إخضاع السياسة القطرية.

قطر تستفيد

أما قطر المحاصرة، فهي المستفيدة، أو بمعني أدق، تجاوزت الضرر الذي كان يخطط لها، حسب مراقبين.

وبعد 5 أشهر من الأزمة، لا تزال قطر تعلن استعدادها للحوار، معتبرة أن «الأزمة مفتعلة وغير قائمة على أي أساس»، وأن منطقة الشرق الأوسط مليئة بالأزمات وليست بحاجة لأزمة إضافية مفتعلة.

وتتفق قطر مع الكويت في أن «الأزمة الخليجية ليست صغيرة»، لافتة على لسان وزير خارجيتها، الشيخ «محمد بن عبدالرحمن»، الأربعاء، «استصغار الأزمة لن يقدمها ولن يؤخرها».

وحمل «بن عبدالرحمن»، دول الحصار مسؤولية تفكك مجلس التعاون كمنظومة أمن جماعي، وقال: «دول الحصار في أزمة مع الدبلوماسية الدولية ومع أنفسهم، والأزمة الخليجية تحولت إلى أزمة دولية بسبب تعنت دول الحصار».

وأشار إلى أن «دول الحصار فشلت في شيطنة قطر في العواصم الغربية».

وحسب مراقبين، فإن قطر تجاوزت الأزمة التي كانت مخطط لها سريعا، حتى أن صحيفة «الغارديان» البريطانية، قالت إن قطر نجحت في مواجهة الحصار المفروض عليها وحولته من نقمة إلى نعمة.

وتنوعت الاستفادة بين تعزيز طرق الملاحة البحرية مع العالم بعيدا عن الحاجة للإمارات والسعودية، واتخاذ خطوات في إطار تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وتوسيع العلاقات مع تركيا وإيران، بما يصب في صالحها، بعيدا عن الحساسايات الخليجية.

وعن تلك الاستفادة مع الأمة، قال وزير المالية القطري، «علي شريف العمادي»، إن إجراءات دول الحصار جاءت بنتائج عكسية تماما لما تم التخطيط له؛ حيث رفضت الدوحة سياسات التركيع واستغلت ما حدث لتعزيز قوتها السياسية والاقتصادية.

خلاصة الأمر، حولت قطر الأزمة الخليجية لصالحها؛ فقد تحررت من عبء ارضاء السعودية في ملفات إقليمية وداخلية، وصارت خياراتها الخارجية مستقلة تماما عن مراعاة الحساسيات السعودية، وهو ما تمثل في عودة العلاقات مع إيران.

 لكن لسوء الحظ، يبدو أن محصلة الأزمة هو وضع نهاية لمسيرة الوحدة الخليجية؛ فضلا عن تحول مجلس التعاون نفسه لكيان مجمد، وفي حكم المعطل.