أحمد مصبّح - الخليج أونلاين
على الرغم من الدوافع الاقتصادية الظاهرة وراء تبنّي حكومات الدول سياسات التوسّع الاستثماري في الخارج، والتي تعود لتقليل تكاليف الإنتاج، واستغلال المواقع الاستراتيجية، وتجنّب القيود التجارية وتكاليف التصدير، أو الرغبة في تعزيز قدراتها التنافسية، فإنّ السياسة لا تنفكّ عن هذه الدوافع.
ووفق النظريات السياسية، يُعتبر التوسّع الاستثماري في الخارج أحد أهم الأدوات التي تُستخدم في تحقيق الرؤى السياسية وتعزيز النفوذ الإقليمي والدولي.
وعلى سبيل المثال؛ نظرية التكامل الإقليمي أو ما يعرف بـ (Neo-Functionalism)، المؤكّدة لوجود متطلّبات أساسية يجب أن تستند إليها الدول في عملية تبوُّؤ مكانة فاعلة على الصعيد الإقليمي والدولي، ومنها ضرورة زيادة الترابط والانفتاح الاقتصادي المتمثّل بحجم التبادل التجاري، فضلاً عن زيادة حجم الاستثمارات المباشرة بينها وبين دول العالم الخارجي، ما يؤسّس لعلاقات دولية مبنيّة على مبدأ المصالح المشتركة.
- التغلغل الخليجي في المغرب
تطوّرت في العقد الأخير الاستثمارات الخليجية بالمغرب العربي بعد السيطرة الفرنسية خلال القرن الماضي بحكم نفوذها على تلك المنطقة، وتُعتبر دول الخليج الشريك الرئيسي هناك، حيث تغلغلت استثماراتها وتطوّرت بصورة كبيرة.
وبعد الأزمة الخليجية، حاولت دول المغرب العربي تجنّب الانحياز لأي طرف من أطراف الأزمة، وذلك للحفاظ على الاستثمارات القطرية من جهة، والاستثمارات السعودية، والإماراتية، والبحرينية، من جهة أخرى، لتواصل علاقاتها السياسية والاقتصادية دون تأثير.
- السعودية
حجم استثمار دول الخليج في المغرب العربي كبير، وتُعتبر السعودية أحد أهم الشركاء الاستثماريين للمغرب، وتخطّى حجم استثماراتها حاجز الـ 15 مليار ريال سعودي في مجالات زراعية وصناعية مختلفة، إضافة إلى وجود أكثر من 15 مشروعاً استثمارياً موقّعاً بين الطرفين، بحسب تقرير لمجلس الأعمال السعودي – المغربي.
كما وصل حجم الاستثمارات السعودية في تونس إلى قرابة 3.5 مليار دولار خلال العقد الأخير.
وفيما يتعلّق باستثمارات المملكة في الجزائر، وقّع الطرفان، في النصف الثاني من العام الماضي، اتفاقية مشتركة لضخّ ما يقرب من 10 مليارات دولار كاستثمار سعودي في سوقها، والعمل على تعزيز حجم التبادل التجاري بين الطرفين، الذي بلغ في العام 2016 قرابة 655 مليون دولار، بحسب ما ذكر تقرير المؤسّسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادارات 2015.
- الإمارات والبحرين
وخلال العقد الأخير أصبحت الإمارات تؤدّي دوراً بارزاً على الصعيد الإقليمي والدولي، خصوصاً فيما يتعلّق بالقضايا العربية، ولا يخفى دورها في الأزمة اليمنية والليبية، والخليجية.
وتحقيقاً لأهدافها في المنطقة العربية، وسّعت الإمارات حجم استثماراتها في دول المغرب العربي بشكل كبير، ما جعلها شريكاً استثمارياً مهماً لتلك الدول.
وبحسب تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات للعام 2015، بلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في دول شمال أفريقيا (مصر، والجزائر، وليبيا، تونس، والمغرب) أكثر من 75 مليار دولار أمريكي، خلال الفترة ما بين 2003 و2015، مع خلق أكثر من 85 ألف فرصة عمل لمواطني تلك الدول، بحسب تقرير المؤسسة العربية للعام 2015.
وتصدّرت الإمارات قائمة الدول كأكبر شريك استثماري مع كل من مصر والجزائر والمغرب وتونس. وفي ضوء تلك التقارير والأرقام بلغ عدد الشركات الإماراتية العاملة في شمال أفريقيا قرابة 145 شركة.
وتشير التقارير الاقتصادية إلى تبنّي الحكومة البحرينية سياسة استثمارية توسّعية في تلك المنطقة، حيث بلغ جحم استثماراتها في ليبيا قرابة 20 مليار دولار، إضافة إلى 6 مليارات دولار في تونس، مع خلق أكثر من 26 ألف فرصة عمل.
- قطر
في حين وسّعت قطر استثماراتها بشكل ملحوظ في دول المغرب العربي في السنوات القليلة السابقة، وتبوّأت المركز الأول كأكبر شريك استثماري للجزائر خلال العام 2014، بحجم استثمارات تجاوز ملياري دولار، وتبنّت الحكومة القطرية سياسة تنويع ونقل استثماراتها من أوروبا ودول الخليج إلى دول المغرب العربي.
وفيما يتعلّق بالعلاقات المغربية القطرية، شهدت خلال الفترة الماضية تطوّراً ملحوظاً على الصعيد الاقتصادي والسياسي، بحسب التقرير نفسه.
وزار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، قطر، وعقد مع أميرها، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأحد 12 نوفمبر، مباحثات تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين. وكان قادماً من الإمارات، حيث شارك، الأربعاء الماضي، بافتتاح متحف "لوفر أبوظبي"، الملقّب بـ "لوفر الصحراء".
وجاءت هذه الزيارة في ضوء محاولة جديدة لحل الأزمة الخليجية، التي بدأت في 5 يونيو الماضي، من قبل السعودية والإمارات والبحرين، في محاولة للسيطرة على قرارات قطر السيادية، الأمر الذي رفضته الدوحة بشدة.
- التزام بالحياد
وعلى الرغم من الاستثمارات السعودية والإماراتية في دول المغرب، فإن موقفها من الأزمة الخليجية كان مغايراً للتوقّعات، وعكس حالة من البرود بين الطرفين.
ولم يأخذ المغرب الحياد بصورة كاملة، بل أرسل شحنات غذائية إلى قطر، بالإضافة إلى حالة البرود الدبلوماسي التي صاحبت زياة الملك سلمان إليها، في يوليو الماضي.
ودعا العاهل المغربي أطراف الأزمة الخليجية إلى "ضبط النفس والتحلّي بالحكمة؛ من أجل التخفيف من التوتّر وتجاوز هذه الأزمة". وأعلن أنه "يفضّل حياداً بنّاءً لا يمكن أن يضعه في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة".
أما فيما يتعلّق بالعلاقات السعودية الجزائرية فيشوبها الجمود على الصعيد السياسي؛ نتيجة اختلاف الرؤى حول قضايا الشرق الأوسط، ورفضت الجزائر المشاركة في التحالف العربي ضد الحوثيين، إضافة إلى تصريحات مسؤولين جزائرين حمّلت السعودية المسؤولية الكبرى وراء انهيار أسعار النفط، وفق تصريح للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري، عمار سعداني، في ديسمبر عام 2014.
وفي ذات السياق، أشارت صحيفة "الواشنطن بوست" في تقرير لها إلى قلق دول المغرب من توسّع النفوذ الإماراتي، خصوصاً في ظل دورها في دعم الكيانات الانفصالية مثل جنوب اليمن، وجمهورية صوماليلاند، حيث تعتبر قضايا الانفصال أحد أكبر القضايا التي تؤرّق منطقة المغرب العربي، لذلك رأت تلك الدول عدم الاصطفاف مع دول الحصار.