لورا روزن - المونيتور-
دخلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤخرا في خلاف مع دبلوماسيي وزارة الخارجية الأمريكية وقيادة وزارة الدفاع، حيث اتخذت الدولتان عدة إجراءات استفزازية في الأشهر القليلة الماضية، حيث عملتا على عزل قطر، واستدعت الرياض رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» في وقت سابق من هذا الشهر، حيث استقال فجأة، فضلا عن حصار الموانئ اليمنية الرئيسية ومنع شحنات المساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها، منذ 6 نوفمبر/تشرين الثاني، ردا على الهجوم الصاروخي الحوثي الذي استهدف مطار الرياض الدولي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
وحثت وزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتين الرياض وأبوظبي على تخفيف حملتي الضغط على قطر ولبنان، وتحسين وصول المساعدات إلى اليمن، لتجنب المجاعة الكارثية.
لكن المسؤولين السعوديين والإماراتيين يشعرون بأنهم قد حصلوا على موافقة ضمنية من البيت الأبيض على تصرفاتهم المتشددة، ولا سيما من الرئيس «دونالد ترامب» وصهره وكبير مستشاريه «غاريد كوشنر»، الذي كلفه «ترامب» بقيادة جهود السلام في الشرق الأوسط.
ويقال إن «كوشنر» قد أقام علاقة وثيقة مع سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة، «يوسف العتيبة»، فضلا عن علاقات جيدة مع ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، الذي التقى «كوشنر» في الرياض في أواخر أكتوبر/تشرين الأول.
استياء حكومي
لكن تزايد الاستياء الحكومي الأمريكي من تصاعد الغرور السعودي الإماراتي، فضلا عن تعرض «كوشنر» المتزايد للضغط في تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، يجعل العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين المخضرمين وصناع القرار ومجموعات الضغط يحثون اللاعبين الإقليميين على توخي الحذر بشأن وضع سياستهم الخارجية.
وهم يحذرون أيضا من أن الرسائل المختلطة من قبل فصيل «كوشنر» في البيت الأبيض قد تدفع الحلفاء في الخليج لاتخاذ إجراءات خاطئة تضر بالمصالح الأمريكية.
وهم يشعرون بالقلق من أن الدبلوماسية الأمريكية كثيرا ما كانت مترددة، بل تأخرت في حل الأزمات الناشئة مؤخرا في الشرق الأوسط، ويرجع ذلك جزئيا إلى الانقسام المتصور بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع من جهة والبيت الأبيض من جهة أخرى، ما جعل جهود الوساطة الأمريكية أقل فاعلية، الأمر الذي قد يعوق مصالح الأمن القومي الأمريكي.
وعندما كان السعوديون والإماراتيون على وشك بدء الحصار على قطر، في يونيو/حزيران، تلقى مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، «ستيوارت جونز»، مكالمة في منتصف الليل من سفير دولة الإمارات، «يوسف العتيبة»، لإبلاغه بالإجراء الوشيك، وكان رد فعل «جونز» قاسيا للغاية، حيث رد عليه قائلا: «ماذا تفعلون؟ إن هذا جنون»، وكان رد «يوسف العتيبة»: «هل تحدثت إلى البيت الأبيض؟».
ولكن قد يكون درس قطر مفيدا، لأن وزارتي الخارجية والدفاع تغلبتا في نهاية المطاف على الضوء الأخضر الذي منحه البيت الأبيض في البداية للسعوديين والإماراتيين على حصارهم لقطر، وفقا لما ذكره السفير الأمريكي السابق لدى اليمن، «جيرالد فايرستاين».
وقال «فايرستاين»، وهو الآن باحث بمعهد الشرق الأوسط، لـ«المونيتور»: «في البداية، كان البيت الأبيض بطبيعة الحال، بشكل واضح ومثير، ليس على نفس الخط مع الخارجية والدفاع، ولكن أعتقد أنه بمرور الوقت، فازت الخارجية والدفاع بتلك المعركة، وإحساسي أنه إذا عمل وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس معا بجد، يمكنهما الفوز.. ومن الواضح أنه عندما يكون الاثنان معا، فإنهما يستطيعان العودة بالبيت الأبيض إلى المسار الصحيح».
ويرجع تقاعس البيت الأبيض عن انتقاد السعوديين والإماراتيين بشكل واضح إلى رغبة إدارة «ترامب» في الحصول على عقود الشراء السعودية والإماراتية، وتحقيق إنجاز في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، التي أعيد إطلاقها.
وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية لـ«المونيتور»، شريطة عدم الكشف عن هويته: «إنه من المدهش تماما كيف أصبحت سياستنا غير متسقة في أمر واحد أو أمرين، فنحن نريد أساسا أن نذهب إلى أبعد من إيران، ونريد أن نذهب أبعد من ذلك نحو اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، ويبدو أن إدارة ترامب تعتقد أن هذا يتطلب إعطاء السعوديين مساحة هائلة من العمل، من أجل الحصول على ما نريده بشأن (إسرائيل).. تخميني أن الإدارة على استعداد قبول أي شيء تقريبا من أجل إنجاز هذه الصفقة».
رسائل مختلطة
لكن السعوديين والإماراتيين يخطئون في تقدير الأمور، ويقعون في المزيد من الأخطاء، بسبب الرسائل المختلطة التي تأتي من البيت الأبيض مقابل وزارتي الخارجية والدفاع.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية السابقة: «في الوقت الراهن، لديهم (السعودية والإمارات) علاقة قوية جدا وفعالة مع البيت الأبيض، تدعم أنشطتهم بشكل كبير، ولكن لديهم حدود لا بأس بها لهذا الدعم في الوكالات المشتركة؛ فالدعم الذي يحصلون عليه في الوكالات خارج البيت الأبيض أكثر هشاشة، وكان كل ما فعلوه يضر بدعمهم من قبل البيت الأبيض، إما عن طريق الخطأ أو مع القرارات التي تفتقر لوجود شبكة أمان، لأن بقية الوكالات لم يتم الاعتداد بها في مسارات العمل المختارة».
وأضاف: «أعتقد أنهم سيعانون إذا اختفى جاريد (كوشنر) فجأة، ولأنه لا يوجد من لديه مثل تلك الصداقة مع ولي العهد (السعودي) أو لديه نفس الرغبة لإيجاد أرضية مشتركة معه، فإذا حدث شيء لجاريد، كأن يقال أو لم يعد موجودا على الساحة، فماذا سيحدث لعلاقتهم الحرجة مع البيت الأبيض؟».
وذكر «إد روجرز»، العضو الجمهوري في مجلس النواب، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أنه حث حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين على توسيع نطاق انتشارهم في واشنطن، بدلا من التركيز الضيق على إدارة «ترامب»، مثل التركيز على مؤسسات الحكومة الأمريكية والديمقراطيين في الكونغرس، وقال روجرز لـ«المونيتور» عبر البريد الإلكتروني: «أشرت إلى أن جهود الضغط في واشنطن يجب ألا تتجاهل الديمقراطيين في الكونغرس، وأنهم قد يعودون أغلبية في عام 2018».
ويشكك بعض صانعي السياسة الأمريكيين المخضرمين في منح كوشنر «بن سلمان» الضوء الأخضر في جميع أعماله.
وقال «بروس ريدل»، وهو مسؤول في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، ومسؤول في البيت الأبيض، لـ«المونيتور»: «أرى أن الأمر غامض، فجاريد لا يعرف كل التفاصيل».
وأضاف: «الأكثر ظهورا هي تحركات ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، الذي يشجع بن سلمان».
تأثير «كوشنر»
ولم يرد متحدث باسم «كوشنر» على سؤال «المونيتور» حول ما إذا كان «كوشنر» قد ناقش مع الأمير «محمد» خططه لمواجهة حزب الله في لبنان، أو أن يكون قد أعطي الحلفاء في الخليج شعورا بالضوء الأخضر لتنفيذ الإجراءات المتشددة الأخيرة.
وفي بيان صدر في 29 أكتوبر/تشرين الأول، أكد مسؤول بارز بالبيت الأبيض أن «كوشنر»، و«دينا باول» نائب مستشار الأمن القومي، والمبعوث الخاص للمفاوضات الدولية «جيسون غرينبلات»، قد «عادوا مؤخرا من السعودية»، كما أن «كوشنر» كان متواصلا باستمرار مع «(إسرائيل) والسلطة الفلسطينية ومصر والإمارات والأردن والسعودية».
وتساءل السفير الأمريكي السابق، «فايرستاين»، عما إذا كان الاستدعاء السعودي الأخير لـ«الحريري» إلى الرياض كان جزءا من لعبة الشطرنج التي يلعبها «كوشنر» من أجل السلام.
وتساءل «فايرستاين»: «هل هذه مسرحية تخص عملية السلام؟ هل هذا بطريقة أو بأخرى استراتيجية أمريكية- إسرائيلية- سعودية من شأنها عزل حزب الله وزعزعة استقرار الحكومة التي يهيمن عليها حزب الله في بيروت مقابل بعض التنازلات الإسرائيلية بشأن عملية السلام مع الفلسطينيين؟ ... ما هي بالضبط الصفقة هناك؟».
وقالت «راندا سليم»، الخبيرة في شؤون بلاد الشام، إن وزارة الخارجية عانت من قرار السعودية باستدعاء «الحريري» من لبنان، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، ودفعه إلى الاستقالة.
وقالت «سليم»، رئيسة مبادرة حوارات المسار الثاني في معهد الشرق الأوسط، لـ«المونيتور»: «أعرف ... أن الأمريكيين فوجئوا تماما بما فعله السعوديون، لقد صدموا، لم ينسق السعوديون مع الأشخاص في الولايات المتحدة».
وأضافت: «يعد الحصول على التأييد جزءا من استراتيجية محمد بن سلمان.. والإشارة إلى حزب الله باعتباره الجاني الأساسي مرة أخرى يقترن مع التوجهات الأمريكية، أعتقد أنه من هنا يأتي الضوء الأخضر.. فالسعوديون يتخذون القرارات دون استشارة، إنهم يسيئون تفسير خطاب البيت الأبيض حول إيران وحزب الله، بينما تحاول وزارتا الخارجية والدفاع الدفع نحو الاستقرار».
وقال «جيريمي كونديك»، رئيس المساعدات الخارجية في الكوارث الأجنبية، في الولايات المتحدة، إن على البيت الأبيض الضغط بقوة على الائتلاف الذي تقوده السعودية، لرفع الحصار عن الموانئ اليمنية الرئيسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم أحد أكبر المجاعات في العالم.
وقال «كونديك» لـ«المونيتور»: «المشكلة هي أن السعوديين يعتقدون أنهم غير معنيين إلا بوجهة نظر ترامب وكوشنر فقط»، وأضاف: «إنهم على حق على الأرجح».
وتابع «كونديك»: «أشك في أن يمنح كوشنر الضوء الأخضر الصريح في الحصار المفروض على اليمن، لكن السعوديين يريدون القضاء تماما على البلد، والشيء الوحيد الذي كان يردعهم هو استمرار الولايات المتحدة في قول لا، وفي هذه الحالة، لا يجب عليك أن تقول نعم فقط، يمكنك التوقف عن قول لا، وأشك أن هذا ما حدث».
وقد جددت الإدارة الأمريكية جهودها لمنع الأزمة الإنسانية في اليمن من التدهور، بما في ذلك إشراك التحالف الذي تقوده السعودية للمطالبة بتحسين إمكانية الوصول، وفقا لما قاله مسؤول أمريكي رفيع المستوى، لـ«المونيتور»، شريطة عدم الكشف عن هويته، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني.
لكن الإدارة الأمريكية سوف تحتاج إلى أن تكون أكثر قوة في محادثاتها مع القيادة السعودية لتجنب المجاعة الكارثية في اليمن.
وقال المسؤول السابق بالإدارة الأمريكية: «من الواضح أن بعض كبار السعوديين يدركون مدى خطورة الوضع الإنساني، ولكن من غير الواضح ما إذا كانوا سيؤثرون في نهاية المطاف على صنع القرار السعودي في اليمن، وما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تضغط بالقوة الكافية ليكون لها تأثير كبير في حل الأزمة الإنسانية».