الخليج الجديد-
تنطلق بالكويت القمة الخليجية الـ38، على وقع واحدة من أشد الأزمات التي تعطف بمنطقة الخليج، إن لم تكن هي الأشد بالفعل، علاوة على تحديات أمنية وسياسية كبيرة تعرفها المنطقة وتتماس مباشرة بدول مجلس التعاون الذي بات مستقبله هو الآخر تحيط به الكثير من الضبابية بفعل تلك التطورات.
لا شك أن أزمة حصار كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لدولة قطر، تعد هي التحدي الأعظم الذي يواجه تلك القمة، لا سيما أن تلك الأزمة سببت بالفعل شرخا كبيرا في جدار مجلس التعاون الخليجي.
هذا الصدع الذي استمر على مدار 6 أشهر منذ 5 يونيو/حزيران حتى اليوم، لم يلتئم بعد رغم الجهود الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الوساطة التي تقودها دولة الكويت، التي تستضيف قمة اليوم.
ووسط كل هذا خرجت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى لتقول إن أزمة حصار قطر غير مدرجة على جدول أعمال اجتماعات القمة الخليجية، وأن الأزمة متروكة للوساطة الكويتية.
التحديات الإقليمية الأمنية والسياسية
بالإضافة للأزمة الخليجية، فإن القمة الخليجية الحالية تصطدم بالكثير من التحديثات الأمنية والسياسية الإقليمية الأخرى، وأبرزها المواجهة مع إيران والأوضاع المشتعلة في اليمن، وكلاهما يرتبطان ببعضهما البعض.
فعشية انعقاد القمة، أُعلن مقتل الرئيس اليمني المخلوع «علي عبدالله صالح»، بعد أيام من فك تحالفه مع الميليشيات الحوثية، ومن شأن التطورات الجديدة أن تضيف عبئا جديدا يتطلب استراتيجية خليجية موحدة.
وبحسب مراقبين، فإن مقتل «صالح»، سيمنح الحوثيين، بشكل أو بآخر نوعا من الانتشاء، ربما يتحول إلى مزيد من النفوذ والسيطرة في اليمن، فقد ينضم إليهم الكثير من قوات «صالح» مع فقدان القائد، علاوة على أن القرار سيكون بيد الحوثيين وحدهم، دون رادع أو معارضة من أحد، وهم الذين لا تخفى على أحد عداوتهم الشديدة للسعودية والإمارات، وتهديدهم السابق باستهداف الرياض وأبوظبي، وتنفيذ جزء من هذا التهديد.
وبخصوص الملف الإيراني، فإن مقتل «صالح» نفسه، سيصب في صالح إيران أيضا، حيث يوصف الحوثيون بأنهم ذراع طهران في اليمن، علاوة على ذلك فإن إيران أصبحت طرفا أساسيا معترفا به دوليا في أي تحرك بخصوص الأزمة السورية، فباتت إحدى الدول الثلاث الضامنة لمفاوضات أستانة الخاصة بالأزمة، بالإضافة إلى تركيا وروسيا، ومع اعتراف أممي ودولي بذلك، وهو ما يصب في مصلحتها ويمنحها قوة في وجه اتهامات بعض الدول الخليجية لها ومن بينها السعودية والبحرين بالتدخل في شؤونها.
تناقض الأجندات في الملفات الإقليمية
قمة اليوم تأتي أيضا في وقت تشهد فيه مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، تناقضا تجاه الكثير من الملفات الإقليمية، وعلى رأسها ملف التعامل مع إيران التي باتت ترتبط بعلاقات طيبة من سلطنة عمان من ناحية وقطر من ناحية أخرى، فيما تطالب دول أخرى بقطع العلاقات معها.
أيضا لم تعد مواقف الكثير من دول مجلس التعاون واضحة فيما يتعلق بالأزمة السورية ومن بينها السعودية، لا سيما مع التطورات الجديدة والمواقف الإقليمية والدولية.
الملف اليمني أيضا، لا يوجد إجماع خليجي بشأن المواقف تجاهه وآليات الحسم فيه، لا سيما مع الاتهامات التي تواجه دولة الإمارات، وهي ثاني أكبر دولة في التحالف العربي، بخصوص الإشراف على سجون سرية وارتكاب انتهاكات بحق اليمنيين.
ويضاف إلى تلك التحديات، الكثير من التساؤلات المصحوبة بالغموض حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي، في ظل تبني دوله مواقف وتحالفات مختلفة ومتصارعة، وكذلك في ظل الأزمة الخليجية، التي كادت تعصف بالمنظمة.
ومن المتوقع أن يصل إلى الكويت، اليوم، قادة البلدان الخليجية الست، في حين التقى وزراء خارجية هذه الدول أمس في أول اجتماع لهم بعد الأزمة القطرية.
وأنهى وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعهم التحضيري أمس، وهو الأول منذ اندلاع أزمة قطر في يونيو/حزيران الماضي.
ولم يدلِ الوزراء لدى مغادرتهم قاعة الاجتماع بأي تصريحات، وهدف الاجتماع إلى التحضير لقمة دول مجلس التعاون التي تبدأ أعمالها اليوم.
وطبقا لجدول غير رسمي للاجتماعات، فمن المقرر أن يصل قادة دول مجلس التعاون ظهر اليوم الثلاثاء، حيث تفتتح القمة في الخامسة والنصف مساء بتوقيت الكويت.
وبالإضافة إلى وزيري خارجية الكويت الشيخ «صباح خالد الحمد الصباح» وقطر الشيخ «محمد بن عبدالرحمن»، شارك في اجتماع أمس الذي عقد في قصر بيان، وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، والوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة «عمان يوسف بن علوي»، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي «أنور قرقاش»، ومساعد وزير خارجية البحرين «عبدالله بن فيصل الدوسري».
وقال وزير الخارجية الكويتي، في كلمة أمام وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع التحضيري للقمة الخليجية، أمس، إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية «مشروع دائم تلتقي فيه إرادة الأعضاء لبناء مواطنة خليجية واحدة وقوية في مبادئها محافظة على استقلالها متطورة في تنميتها مستنيرة في تلازمها في التغيير منسجمة مع مسار الاعتدال العالمي وسخية في عطائها البشري والإنساني».
وأكد أهمية الاجتماعات الخليجية لمواصلة مسيرة التعاون والعمل المشترك خدمة لمصالح الشعب الخليجي ولمواجهة التحديات التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها.
في حين قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية «عبداللطيف الزياني»، إن دول مجلس التعاون الخليجي برهنت «عزمها وتصميمها على المضي قدما لتحقيق أهداف مجلس التعاون السامية في مزيد من التعاون والترابط والتكامل»، مبينا أنه «تم تحقيق إنجازات متميزة في مختلف مجالات العمل المشترك سياسيا واقتصاديا وأمنيا ودفاعيا واجتماعيا».
وأوضح أن «الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة والتحديات السياسية والأمنية تفرض على مجلس التعاون تكثيف جهوده الخيرة لتعزيز التضامن والتكاتف وتحقيق آمال وتطلعات مواطنيه الذين طالما آمنوا بأن هذه المنظومة المباركة هي الكيان الشامخ المجسد للروابط العميقة التي جمعتهم عبر التاريخ».