راي الشرق القطرية-
ظلت دولة قطر، وما تزال، وفية لمحيطها الخليجي والعربي، وفي ذلك تتبع نهجاً سياسياً ثابتاً منطلقاً من مبادئها وقيمها، وحرصاً على العمل المشترك باعتبار مجلس التعاون هو " البيت الخليجي الأول"، ومنذ تأسيس المجلس عام 1981 تبذل قطر كل ما في وسعها لوحدة الصف والهدف وتعزيز روح التآخي والتضامن والنهوض بالعمل المشترك والارتقاء به إلى مستوى الطموح، وبما يُحقق آمال وتطلعات شعوبنا في الأمن والازدهار. وينظر إلى مجلس التعاون على أنه آخر منظومة عربية فاعلة إقليميا ودوليا، لكن هذا الدور بات على المحك، في ظل الحصار الذي تفرضه ثلاث من الدول الأعضاء على قطر، وهو ما شكل سابقة في العلاقات الخليجية ومخالفة لدستور المجلس الذي ينص في ديباجته على تحقيق " تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات" و"التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدتها."
انعقدت القمة الخليجية الـ "38" في الكويت في هذ الظرف الدقيق، وفي ظل ما تواجهه منطقتنا من تحديات، تستوجب الارتقاء الى مستوى المسؤولية التاريخية والحرص على المحافظة على الأمن والاستقرار وتحقيق تطلعات الشعوب نحو توطيد التعاون والتضامن وبلوغ الأهداف المنشودة للمجلس.
جاءت مشاركة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أميرالبلاد المفدى، في القمة الخليجية، تأكيدا لنهج الثبات على المبادئ، والحرص على العمل المشترك، والارتقاء بالتعاون فوق الخلاف، وهو ما عكسته المبادرة الكويتية، التي تجاوبت معها قطر، بينما لم يستجب لها الطرف الآخر الذي تجاهل أن ثمة قيما وأعرافا والتزامات جماعية يجب أن تراعى، وأن الحوار دون إملاءات واحترام السيادة هما أقصر الطرق للحل .
وقد عبر صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، عن إرادة صلبة وحكمة نبيلة، بوساطته لرأب الصدع وحرصه على مستقبل التعاون، وهو ما تجاوبت معه دولة قطر بمشاركتها الرفيعة في قمة الكويت، كما أن اقتراح سموه إيجاد آلية لفض المنازعات، من شأنه ضمان مستقبل مجلس التعاون وتعزيز العمل الجماعي، وأيضا يتفق مع ما نص عليه النظام الأساسي في إقرار قادة المجلس الاعلى نظام هيئة تسوية المنازعات وتسمية أعضائها. وهذا يتطلب التزاما جماعيا واحتراما متبادلا.
قبل الخامس من يونيو 2017 لم يكن مستقبل مجلس التعاون مطروحا من قبل، ذلك لأن ما حدث لم يكن متوقعا، بل كان المأمول أن تتجه دوله وتحويله إلى كيان حقيقي وبمثابة "البيت الخليجي الاول" لان هناك ثمّة بديهيّات في علاقات دول المجلس وشعوبه يجب ألا تكون موضع تساؤل في أي وقت، وأنه في ظل التحديات والمخاطر التي تحيط بالمنطقة من كل جانب، لا يمكن فرض أمور تجاوزها التاريخ، وأن السيادة والإرادة الوطنية لا يجوز المساس بهما.
بات واضحا، أن ثمة استحقاقات ومسؤولية يستوجب الالتزام بها خاصة من قبل ثلاث دول أعضاء في المجلس، خالفت أهداف المنظومة الخليجية، منذ الخامس من يونيو، وإلى قمة الكويت وهو ما عكسه مستوى حضورها، وكان حريا أن يوضع في الاعتبار أن أي خلاف ومهما بلغ لا بد من حله عبر الحوار الصريح، وفق التزامات متبادلة، وأن المساس بالمحرمات والثوابت ليس مقبولا ولابد من التراجع عن الاجراءات المضرة باللحمة الخليجية ومصالح الشعوب، لان الاصرار على هذه الفعل المضر من شأنه هدم هذا الصرح، إذ أن ثمة أصولا ومبادئ وأعرافا تجب مراعاتها حتى في زمن الخلاف، كما تتحمل مسؤولية إهدار فرص الحل من خلال مخرج بالوساطات والحوار والاستعداد المعلن للتسوية، وذلك احتراما لقيمنا وأعرافنا وحرصا على العلاقات الأخوية بين شعوب الخليج.
باتت الشعوب تدرك بوعيها، أن ما يمارسه البعض كان هدفه إفشال القمة الخليجية، وضرب الوساطة الكويتية، والهرب من مواجهة قطر على طاولة المفاوضات والحوار وهو ما يعكس ضعف موقف من صنع الأزمة الخليجية، وجعلته في أزمة مع شعوبه، بمواصلة ارتكاب أخطاء باصراره على الحصار، والتفكير الرغبوي في هدم المجلس والبحث عن تحالفات وخلق البديل الذي يخالف المنطق وحقائق الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك.. لقد وقفت قطر موقفا صحيحا يحفظه لها التاريخ لأنه لصالح الأجيال التي تتطلع إلى البيت الخليجي الواحد.