جورجيز كافييرو -لوبلوج- ترجمة الخليج الجديد-
عندما بدأ النظام القومي العربي العلماني بقيادة «جمال عبدالناصر» تطهير مصر من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمون» خلال الخمسينات والستينات، انتقل العديد من هؤلاء الإسلاميين إلى الممالك العربية الخليجية.
وفي الإمارات العربية المتحدة المحافظة، والموالية للغرب، والبلد المناهض للشيوعية بشدة، صعد العديد من هؤلاء المصريين من جماعة «الإخوان» اجتماعيا كمغتربين وارتفع شأنهم في الخارج، وقد اضطلعوا بأدوار رفيعة المستوى في الوزارات، ولعبوا دورا مؤثرا في النظام التربوي للبلاد، وباعتبارهم موالين لقادة دولة الإمارات، فقد وجهوا نشاطهم - إلى حد كبير - نحو القضايا الاجتماعية مثل محاولة منع الكحول ومواجهة النفوذ الغربي.
لكن في الثمانينات والتسعينات، بدأت السلطات الإماراتية في النظر إلى جماعة «الإخوان المسلمون» -وهي حركة أيديولوجية مضادة للملكية- بوصفها تحديا متزايدا لشرعية الحكام العرب.
ورأت قيادة الدولة «الإخوان» في البلاد متمثلين في جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، باعتبارهم أخطر تهديد أمني محلي، وفي عام 2014، صنفت أبوظبي جماعة «الإخوان المسلمون» منظمة إرهابية، وضغطت -دون جدوى- على الحكومات الغربية لكي تحذو حذوها.
وقد أدت الروابط التاريخية بين فصائل «الإخوان المسلمون» في دول مجلس التعاون الخليجي والحركات الإسلامية السنية المشاركة في الانتخابات في العالم العربي الكبير إلى دفع أبوظبي إلى انتهاج سياسة خارجية مناهضة للإسلاميين أو مناهضة حتى للإسلام.
واستنادا إلى الرأي القائل بأن الإسلاميين الذين يحصلون على السلطة في دول مثل ليبيا ومصر سيشجعون الإسلاميين، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الإمارات وغيرها من ممالك شبه الجزيرة العربية على الطمع في السلطة، أعطت أبوظبي أولوية قصوى لإضعاف جماعة «الإخوان المسلمون» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولا تتعلق معارضة أبوظبي لجماعة «الإخوان المسلمون» فقط بمسألة الإسلام السياسي، لكن يكمن جوهر تصور دولة الإمارات في أن «جمعية الإصلاح» عبارة عن جهة غير حكومية لا تعهد بالولاء الكامل للدولة، ووفقا لرؤيتها للمنطقة، لا تترك الإمارات مجالا للجهات الفاعلة غير الحكومية للعب أدوار في المجالات السياسية أو الاجتماعية على حساب سلطة الدولة.
وعندما اندلعت انتفاضات الربيع العربي عام 2011، زاد تصور الإمارات لقوى الإسلام السياسي كخطر بشكل كبير، وواجهت الإمارات «الإخوان» من خلال وسائل مختلفة، وفي مصر وتونس، استخدمت أبوظبي ثروتها المالية للتأثير على المشهد السياسي ووضع العقبات أمام حزب الحرية والعدالة في مصر وحركة النهضة في تونس، وفي ليبيا واليمن، استهدف الإماراتيون الإسلاميين المحليين مباشرة من خلال تدخلات عسكرية غير مسبوقة بشكل مباشر أو عبر الوكلاء.
ومنذ تأسيسه عام 1981، كان مجلس التعاون الخليجي بمثابة مرساة محافظة في الشرق الأوسط تعارض النشاط الثوري من أي جزء من الطيف السياسي في العالم العربي.
وعلى الرغم من عدم وجود دول أخرى في المجلس قد واجهت أيا من المخاطر التي تحذر منها الإمارات من قبل الفصائل الإسلامية في المنطقة، فإن معظم أعضاء المجلس الآخرين يشاركون أبوظبي رؤيتها للربيع العربي، باعتباره تطورا مزعزعا للاستقرار وله آثار سلبية على أمن دول المجلس.
الاستثناء الأوحد
ومع ذلك، كان هناك استثناء واحد يتمثل في قطر، التي تبنت -بشكل فريد- الثورات التي هزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2011.
ومن الأمثلة الهامة على ذلك، دعم الدوحة للربيع العربي في مصر، حيث لعبت قناة الجزيرة المملوكة لقطر دورا محوريا في تشكيل الأحداث، ما أدى إلى الإطاحة بـ«حسني مبارك»، وفي ليبيا، لعبت علاقات الدوحة مع قوات المتمردين دورا في تحديد مصير «معمر القذافي».
ومع دعم قطر لحزب الحرية والعدالة في مصر، وحركة النهضة في تونس، إلى جانب «حماس»، وفروع جماعة «الإخوان المسلمون» في ليبيا وسوريا واليمن، وأدى ذلك إلى رؤية العديد من العلمانيين والإسلاميين - على حد سواء - للدوحة على أنها مؤيدة لأيديولوجية جماعة «الإخوان المسلمون».
لكن هذا التفسير للسياسة الخارجية لقطر كدولة إسلامية ليس دقيقا تماما، فلم ترتكز استراتيجية قطر الإقليمية على الالتزام الأيديولوجي بالإسلام السياسي، بل تستند إلى البراغماتية، وللحفاظ على نهج استباقي في المنطقة، استثمرت الدوحة في علاقات جيدة مع الجهات الفاعلة غير الحكومية عبر الطيف السياسي العربي الإسلامي، الذي كان صناع القرار القطريون يعتقدون أنه سيشكل مستقبل المنطقة للأفضل أو للأسوأ قريبا.
وقد تعارضت هذه الاستراتيجية مع استراتيجية القيادة الإماراتية، نظرا لجميع مخاوف أبوظبي تجاه الإسلاميين في الإمارات، فضلا عن العلامة التجارية الفريدة التي تروج لها الإمارات كدولة علمانية مستقرة حديثة.
وقد لعب «محمد بن زايد» ولي عهد أبوظبي والقائد بحكم الواقع لدولة الإمارات دورا محوريا في قيادة ما يسمى باللجنة الرباعية (البحرين ومصر والسعودية والإمارات) ضد قطر، حيث قطعت الكتلة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدوحة قبل 6 أشهر.
وفي رؤية «بن زايد» للمنطقة، يحكم القادة العلمانيون، مثل «عبدالفتاح السيسي» في مصر واللواء «خليفة حفتر» في ليبيا، الدول العربية، ويحظرون أي معارضة من قبل «الإخوان المسلمون».
وبالنظر إلى الصراع الخليجي المرير مع قطر، نجد أن له علاقة كبيرة بالجهات الفاعلة غير الحكومية في العالم الإسلامي السني، والتهديدات - الحقيقية أو المتصورة - التي تشكلها هذه الفصائل.
وفي حين سعت الإمارات إلى منع التحديات التي ظهرت في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011، تبنت قطر التغييرات السريعة، ومن خلال دعم المنتصرين الأوائل في الربيع العربي قبل 7 أعوام تقريبا، كان من المتوقع أن تكتسب الدوحة مزيدا من النفوذ في المنطقة.
عكس التوقعات
وبطبيعة الحال، لم تمضِ ثورات عام 2011 كما توقع القطريون، وأدت الإطاحة بـ«محمد مرسي» عام 2013، إلى جانب صعود «خليفة حفتر» في ليبيا، وخسارة حزب النهضة للانتخابات، ومرونة النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران، إلى عرقلة أجندة الدوحة لتمكين الإسلاميين إقليميا.
وقد شجعت هذه الأحداث الإمارات على الاستفادة من المشاعر المعادية للإسلاميين في المنطقة، وتقديم المزيد من الدعم إلى العلمانيين في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضد الميليشيات والأحزاب السياسية الإسلامية.
ومع ذلك، حافظت قطر على سمعتها باعتبارها «موالية للربيع العربي» في مجلس التعاون الخليجي، وانكمش نفوذ الدوحة، ولكن لم يختف تماما، من المغرب العربي والشام، ولا تزال دول الجوار السياسي والاقتصادي، مثل السودان والقرن الأفريقي، تمثل ساحات منافسة بين الإماراتيين والقطريين.
وشهدت القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي، في هذا الشهر، أدنى تمثيل لدول الخليج في التاريخ، حيث تمنع الانقسامات الداخلية داخل هذه المنظمة المجلس من تحقيق أهدافه.
وقد شغل تصادم الرؤى بين الدوحة وأبوظبي الذي كان غالبا ما يتم تجاهله، الخطاب الجيوسياسي في الخليج العربي أكثر بكثير من المواجهة الجيوسياسية بين الرياض وطهران والانقسام الطائفي السني الشيعي، تلك القوى الدافعة وراء إنشاء المجلس كمنظمة جامعة.
ومن غير الواضح كيف ستؤدي أزمة قطر المستمر -وإلى أي مدى- إلى إعادة تشكيل المنطقة، خاصة بعد الشراكة الاقتصادية والعسكرية بين الإمارات والسعودية مؤخرا.
ولم تتفاقم المواجهة المتوترة بين قطر والإمارات وحلفائها المقربين إلا بعد حرب من الخطابات والتصريحات القاسية في وسائل الإعلام منذ مايو/أيار.
وبينما انضمت الدولتان إلى مجلس التعاون الخليجي عام 1981 لتحقيق أهداف مشتركة -تتمثل في زيادة الأمن الجماعي والتكامل الاقتصادي- فقد تسببت رؤياهما المختلفة في أكبر أزمة داخل المجلس، فضلا عن تأثير ذلك على المنطقة ككل.