مهنا الحبيل- الوطن القطرية-
انتهت القمة الخليجية في حالة تمرير أكثر منه انعقاد، ورغم أن تأجيل تخفيض التمثيل كقرار موجه للكويت، التي كافحت لعقدها، شكّل إحباطاً لدى الرأي العام الخليجي، الذي رجا أن تُشكل القمة مدخلا لفك الاشتباك ووقف التصعيد الإعلامي على الأقل، إلّا أن صانع القرار الكويتي كان مستعداً، فيما يبدو لهذا الاحتمال.
وراهن على تحقيق أكبر مكسب ممكن، في ظل تصعيد دول المحور الآخذ في التزايد على الكويت، وتحييد أي خسائر ممكن أن تفاجئ الاجتماع الخليجي الضعيف، بسبب ظروف الأزمة، حيث لا يوجد في تمثيل رئاسة الوفود مفوض بالصلاحيات، إلا عُمان وقطر والدولة المضيفة الكويت، وهذه الرسالة لم تكن خافتة، ولكنها وجهت بوضوح إعلاميا من قبل دول المحور.
ووفقا لمسارات التحضير، فقد كانت الكويت تسعى لتجنب أمرين مهمين، سيشكلان ضربة لمجلس التعاون الخليجي، وتراهن على تمرير تثبيت رمزيته:
المسار الأول أن ينقض المجلس بقرار داخلي، ويُعاد تركيبه بناء على توجهات الأزمة الخليجية، فتُخرج قطر عنوة منه، بقرار إقصائي، وبالتالي تصطدم توجهات مسقط والكويت مباشرة بهذا القرار، ويسقط المجلس تلقائيا كروح تضامنية، في ظل الخلاف الذي بدأ يتوسع، مع الكويت وعُمان وليس قطر وحسب.
ونجح الشيخ صباح بإقناع الرياض لترك المجلس لفترة زمنية قادمة، لكن ذلك تزامن مع عنصرين، الدعوة لتشكيل لجنة لإعادة صياغة النظام الأساسي، وهو أمرٌ لم تتضح أبعاده حتى اليوم، وقد تكون الكويت تراهن على عنصر الزمن فيه.
والعنصر الثاني إعلان قيام مجلس تعاون عسكري بين أبوظبي والرياض، رغم الدلائل الكارثية التي تسببت بها خطة أبوظبي على السعودية في اليمن، وخاصة بعد سحق الحوثيين لصالح وخسارة المؤتمر الشعبي.
والذي كان حصيلة لخطة أبوظبي في ضرب الشرعية والإصلاح والشمال اليمني، لتأميم الجنوب لصالحها، ولا يُفهم كيف تصر الرياض على هذا التحالف رغم كل أزمات السياسة الخارجية، والتوتر الداخلي مع التيار الإسلامي الذي أوصت به أبوظبي وشددت عليه.
أما المسار الثاني الذي سعت الكويت لتجنبه، فهو حصول صدام مباشر في القمة أو المؤتمر الوزاري الخليجي، وقد تحقق لها هذا التجنب، ووفقا لما نقله الاعلاميون الكويتيون، فإن نائب رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية، تجنب أي نوع من المداخلة، خلال بحث فقرات البيان الذي كان بيانا افتتاحيا وختاميا.
وفيما يتعلق بموقف التصعيد الإيراني، وهو تصعيد حقيقي مستمر، فقد أُخرج الحوار من باب اتهامات المحور للدوحة، بسبب رغبتها ألا يستغل أي خلاف في اللقاء المحدود، فيفجر كقضية توتر لا تخدم الكويت، لكن مسقط والكويت، لحسابات استراتيجية لهما مع إيران، كطرف إقليمي قوي باشرتا هذه الموازنة مع المحور.
وحيث لا ترى عُمان والكويت جدوى من شدة الخطاب، الذي استمر في كل دورات المجلس، دون أن يوقف الزحف الإيراني المستمر، وبالتالي كان الحوار حول هذا البند مع مسقط والكويت، وإن كان البيان حقق قدراً كبيراً، من متطلبات دول المحور وإدانة إيران المستحق الصريح.
هنا تبدو الكويت مرتاحة للنتائج، رغم كل ما جرى، لكن حجم الصدمة وما اعتبر إساءة لشخصية الشيخ صباح الأحمد، وما كان يؤمله من وعد للحضور وبدأ مرحلة فك الاشتباك للأزمة، كان من الواضح أنه أثر سلبا على الشعب الكويتي بكل أطيافه، وقد انعكس ذلك، على كل الباحثين والسياسيين فيها، ومن السهل قراءة ذلك في ساحة مواقع التواصل الاجتماعي.
ولقد أبقى الشيخ صباح الأحمد الباب مفتوحاً، حين ركز في خطابه على النجاح في التهدئة للأزمة الخليجية، غير أن ذلك سيأخذ دورة زمنية أخرى، باتت المؤشرات تشير إلى أنه من الصعب أن تُخترق، دون تغيير موقف كوشنر وفريق الرئيس ترامب، من أزمة الخليج، والذي أعادت تأكيده الصحافة الأميركية مؤخراً.
حيث عرضت بلومبيرغ في الأول من ديسمبر، تفصيلا مهما لهذا الموقف، وأهم ما جاء في ذلك هو شكوى وزير الخارجية تيلرسون، من أن كوشنر يبلغ رسائل مختلفة لولي العهد السعودي، عن موقف الخارجية الأميركية، وهو أمرٌ تم تأكيده سابقا، لكن المقال أفصح عن دور هذه الرسائل، في قضية العمل العسكري ضد قطر.
هنا يبرز لنا مجدداً دور البيت الأبيض في الأزمة الخليجية، فشكوى تيلرسون لترامب، خضعت لضغوطات مختلفة تلقاها الرئيس الأميركي، وساهمت في منع العمل العسكري وتحييده، لكنها لم تتخذ موقفا جديا وواضحا من إنهاء الأزمة.
فهل هذا الأمر في الأصل بسبب علاقة صهر الرئيس بصفقة أزمة الخليج، أم بالرئيس ترامب نفسه؟ وتبعاً له فريقه؟ ونشير هنا إلى ارتباطات سياسية حساسة في مساري ترامب ضد القدس والشعب الفلسطيني، وعدائه الشرس ضد المسلمين كشعوب مدنية وضد الرسالة الإسلامية، وبين الموقف السياسي والاقتصادي من أزمة الخليج.
من الواضح أن هناك مراهنة اقتصادية كبرى، وفضاء سياسيا راهن عليه كوشنر وبانون واليمين الأميركي، من خلال الأزمة الخليجية، وأن هذا البعد بُنيت عليه وعود ومصالح اقتصادية وسياسية كبرى، لها علاقة بتل أبيب، تحدث عنها ترامب نفسه، وقرار نقل السفارة مؤشر مهم لذلك، وبالتالي لا يوجد رغبة من فريقه، الذي يصر على بقاء الأزمة الخليجية، بأي رسالة تعطي موقفا واضحا لأبوظبي والرياض، لطي صفحة الأزمة الخليجية.
وهو ما يعني أن الأزمة ستطول، وسيستمر رفض المبادرة الكويتية، غير أن موقف الترويكا الأوروبية (برلين ولندن وباريس)، أمام تقدم التحالف الروسي الإيراني، والتعامل التركي المنفتح معه في سوريا وخارجها، يضغط على واشنطن بأن الغرب قد يفقد بعض قواعد اللعبة، في رهن الخليج العربي كحديقة خلفية له.
وأن ذلك يستدعي أن يُرفع الحظر عن المصالحة أو فك الاشتباك الخليجي، ورغم الانتكاسات المستمرة في الشرق ووضع اليمن الإنساني الكارثي، بين الحرب عليه والحرب داخله من الحوثيين، إلّا أن كل هذا الدماء لا تساوي شيئاً، أمام بوصلة مصلحة الغرب، هنا فقط حين تبدأ أجراسهم بالقرع خشية مصالح جيوبهم، تفتح أبواب المصالحة لحلفائهم.
* مهنا الحبيل مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي بإسطنبول