هدى القشعمي- خاص راصد الخليج-
تتمتع السعودية بدور هام جداً يعطيها أبعاد عدة تجعلها مؤثرة على الساحتين الاقليمية والدولية، ومن هذه الأبعاد: البعد العربي لما لها من علاقات طيبة مع العديد من الدول العربية، والبعد الخليجي إذ تعتبر رائدة الخليج، والبعد الإسلامي لما تمثله من الناحية الدينية والروحية بالنسبة للمسلمين فهي تحتوي قبلتهم وقبر نبيهم، والبعد الدولي فهي أضحت من الدول الفاعلة في العالم من خلال تحالفاتها السياسية وعلاقاتها مع الدول الكبرى. يبقى السؤال بعد إعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيلية، هل تشكل السعودية تحالفاً لنصرة القدس؟
شكل قرار ترامب الذي يعتبر وفاءً لوعده الذي قطعه لاسرائيل خلال السباق نحو رئاسة الولايات المتحدة الامريكية، خطوةً إستفرازية وجديدةً في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، فالولايات المتحدة الأمريكية كانت بنظر العرب طرف محايد في هذه القضية، فبعد هذا القرار لم تعد كذلك بل أصبحت طرفاً في الصراع بعدما انحازت إلى إسرائيل أساس المشكلة، فمن هنا يجب الوقوف عند المواقف العربية من القرار، فكل العرب أجمعوا على أن القدس عربية ولن يقبلوا بأن تكون القدس إسرائيلية، وعبروا عن آرائهم بطرقٍ شتى منها المؤتمرات التي عقدت والبيانات والمظاهرات الشعبية لنصرة القدس بما تمثله للعرب والمسلمين.
المواقف السعودية من قضية القدس:
فكما العرب، السعودية تعتبر بأن دعمها القضية الفلسطينية هو من المسلمات والثوابت الوطنية وهذا ما حاولت إبرازه المملكة، فعلى الصعيد الرسمي نجحت في إظهار هذا الموقف إذ جدد ملكها استنكار مملكته وأسفها الشديدين لقرار ترامب تجاه القدس، لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس التي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة، بينما وزير خارجيتها عادل الجبير أدلى بتصريح لقناة فرانس 24 مخيب لآمال الفلسطينيين والعرب حيث قال: "الإدارة الأمريكية جادة بشأن التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لكنها لا تزال تعمل على تفاصيل خطتها المقترحة"، وأضاف "يعملون على أفكار ويتشاورون مع كل الأطراف وبينها السعودية ويدمجون وجهات النظر التي تُعرض عليهم من قبل الجميع، وقالوا إنهم يحتاجون لمزيدٍ من الوقت لوضع الخطة وعرضها"، بما يوحي أن ما يتم تداوله عن صفقة القرن له أساس من الصحة، أما على الصعيد الشعبي عبر السعوديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبر تغريداتهم أنهم سيتخلون عن القضية الفلسطينية لأن أصحابها يقومون بشتم السعودية والتهجم على رموزها لذا يرون من الأجدى الالتفات لقضاياهم الداخلية بدل دعم هذه القضية، أما الكتاب وأصحاب الآراء في المملكة دعوا الى الاستمرار في عملية السلام، واستمروا بالتهجم على قطر وايران وحماس واتهامهم بالمتاجرة بالقضية وبأنهم العامل الأساسي بشرذمة الأمة، الذي استغله ترامب لتنفيذ خطوته.
تشرذم العرب يصب بمصلحة إسرائيل:
في ظل الخلافات العربية والتي هي كثيرة، منها: الخلاف المصري السوداني، والسعودي القطري، وغيرها من الخلافات، فلم يتوحد العرب لاتخاذ موقف موحد وقوي بل قامت دول بتخفيض تمثيلها في القمم مثل السعودية والامارات والبحرين في القمة الاسلامية لتجنب اللقاء مع أمير قطر ورئيسي تركيا وايران، رغم أن حجم القضية يحتاج إجماع عربي إسلامي يتعالى على الخلاقات لأن القضية أهم، لكي يتخذ قرارات تقوم بردع ترامب وتنتصر لقضية القدس، لكن هذا لم يحدث، كما أن التصريحات لم تكن سوى كلام يطلق في الهواء ولا يتعدى مستوى التعاطف مع القضية أكثر من كونه دعماً وزوداً عنها، باستثناء مواقف بعض الدول التي كانت متميزة، فمن هنا تبرز الحاجة الملحة لتشكيل تحالف لنصرة القدس العاصمة الابدية لفلسطين العربية.
هل تشكل السعودية تحالفاً لنصرة القدس؟
نجحت السعودية من خلال نفوذها في الدول العربية والاسلامية في تشكيل تحالفين في السابق هما: التحالف العربي في اليمن الذي شكلته لضرب ما سمتهم المتمردين الحوثيين ولإعادة الشرعية فيها والذي ضم 10 دول عربية بقيادة السعودية وبدعم من باكستان والولايات المتحدة الأمريكية، حيث خرجت منه قطر مؤخراً على خلفية الأزمة الخليجية بينها وبين السعودية، فهذا التحالف مازال قائماً ويقوم بمهامه وعملياته في اليمن، أما التحالف الثاني فهو التحالف العربي الإسلامي لضرب الإرهاب يضم 36 دولة إسلامية بقيادة السعودية أيضاً، وهو لايزال طور التشكيل من حيث الإجراءات والآليات وعقد أكثر من إجتماع بهذا الخصوص.
المهم هنا أن السعودية إستطاعت جمع هذه الدول من أجل قضايا بالنسبة للعرب والمسلمين أقل أهمية من قضيتهم المركزية ألا وهي القضية الفلسطينية، التي قدم في سبيلها التضحيات الجسام، فماذا يؤخر السعودية عن اتخاذ قرار تشكيل تحالف عربي إسلامي لنصرة القدس؟، فمن حيث القدرة هي قادرة فالسلاح والأموال متوفرة وكذلك المقاتلين جاهزين وهم يخوض حرباً ضروس في اليمن، فالذي يستطيع خوض الحرب هناك بالطبع هو قادر على خوض الحرب في فلسطين، وإن أعلنت السعودية هذا القرار ستجد الملايين من المتطوعين يمضون تحت رايتها وستقدم على جند لها مجندة من كل أصقاع العالم.
ومن هنا يقع المواطن العربي في حيرةٍ من أمره وأسئلة لا يجد لها أجوبة، ويكررها مرارت ومرات، هل باتت حرب اليمن أهم من نصرة فلسطين؟ أم أضحى حصار قطر أهم من فك الحصار عن القدس؟ أم أن الأولوية محاربة إيران كمنافس إقليمي؟ وهل تخلت السعودية عن فلسطين كما يتم الحديث حول ما سمي صفقة القرن؟، كل هذه الأسئلة يمكن أن تزيلها السعودية بتشكيلها لهذا التحالف، فهل تفعل؟ لننتظر قادم الأيام.