جورجيز كافييرو - لوبلوج-
في اليوم الوطني لدولة قطر، أظهرت القوات المسلحة القطرية في عرضها النظام الصاروخي الباليستي قصير المدى من طراز «SY-400» الصيني، الذي حصلت عليه حديثا، ويصل مداه إلى 400 كيلومتر. ويؤكد بيع الصين لنظام الصواريخ الباليستية «SY-400» لقطر كيف وصلت العلاقات الدفاعية بين الدوحة وبكين إلى أقوى نقطة منذ أن بدأت العلاقات الدبلوماسية بين هاتين الدولتين - رسميا في عام 1988.
وعلى الرغم من الشراكات الأمنية الوثيقة بين الصين وأعضاء تحالف الحصار (البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، تستثمر بكين في علاقات جيدة مع جميع الدول في الخليج العربي، وتوازن التعامل مع كلا جانبي الخلاف الدبلوماسي في مجلس التعاون الخليجي، باستغلال الميزة الجيوسياسية والاستراتيجية للصين. ومع بيع الصين لنظامها الصاروخي الذي يعتبر هجوميا ودفاعيا في نفس الوقت، فإن ذلك يمنح قطر نفوذا أكبر مع استمرار تعرضها للحصار من قبل جيرانها الأكبر حجما جغرافيا.
مصالح متبادلة
وكان قرار بكين ببيع نظام «SY-400» للدوحة - في ظل أزمة قطر - مدفوعا بعوامل عديدة. ومنذ أن شاركت الصين في معرض الدوحة للدفاع البحري الدولي لعام 2014، سعت بكين إلى تصدير التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها إلى قطر. وتعود خطط الدوحة لشراء هذا النظام الصاروخي الباليستي من الصين إلى عام 2014، وهو العام الذي شهد سحب دول مجلس التعاون الخليجي لسفرائها من قطر لمدة 8 أشهر. وبما أن الإمارة العربية هي ثاني أكبر مزود للغاز الطبيعي المسال في الصين، فإن مبيعات الدفاع هذه تخدم مصالح بكين، من خلال تحقيق المزيد من التوازن في التجارة الثنائية. ومن المؤكد أيضا أن قطر قد تعرضت لضغوط من بكين لاتخاذ خطوات نحو تعميق العلاقات الصينية القطرية، وسط تنافس متزايد من أمريكا كمصدر منافس للغاز الطبيعي المسال إلى الصين.
ومنذ الصعود الاقتصادي لقطر في القرن الحادي والعشرين، استثمرت الصين في علاقات وثيقة مع الدوحة. وفي عام 2014، جددت قطر والصين اتفاقية عام 2012 بشأن أدوات العملة والاستثمار. وفي عام 2013، وقعت الدولتان اتفاقيات في مجالات التجارة والطيران والنقل والاستثمار، ساعدت على تعزيز العلاقات الصينية القطرية. كما وقعت بكين - عام 2014 - اتفاقات للمشاركة في مشاريع الاتصالات والبنية التحتية الأخرى في الدوحة، بقيمة 8 مليار دولار تقريبا.
ويجب أن يتم تفسير بيع الصين للنظام «SY-400» إلى قطر في إطار أهداف بكين الأوسع في الشرق الأوسط، المتعلقة بالمشروع الطموح «حزام واحد، طريق واحد». وتلعب قطر - مع دول ضمن الكتلة السعودية الإماراتية - دورا هاما في رؤية الصين لممر تجاري عابر للقارات يضع بكين في قلب الاقتصاد العالمي للقرن الحادي والعشرين. وتعترف بكين بأن قطر - التي هي عضو في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية - واحدة من البلدان التي دعمت مبادرة الصين في وقت مبكر.
وحتى قبل 6 أشهر، كان الصينيون يأملون في التوصل إلى اتفاق تجارة حرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وهو أمر غير واقعي حاليا بسبب أزمة قطر. ويمثل هذا أحد المجالات التي قوض فيها النزاع الخليجي مصالح بكين. وفي نهاية المطاف، يرتبط الاستقرار في الخليج العربي - مباشرة - بصحة واستقرار الاقتصاد بالنسبة للصين وجميع القوى الاقتصادية الكبرى التي تعتمد بشكل كبير على دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران في الحصول على النفط والغاز. ومن ثم، فإن بكين عاقدة العزم على تعزيز حل لأزمة قطر من شأنه منع مخاطر أي تصعيد جديد للتوترات التي تعرض مصالح الصين للخطر، ولاسيما شبح النزاع الداخلي في مجلس التعاون الخليجي الذي قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية.
دبلوماسية هادئة
بالإضافة إلى ذلك، فيما يتعلق بالصراعات التي لم يتم حلها، حيث تحتاج بكين إلى تعزيز مصالحها من خلال القرارات السلمية - من أفغانستان إلى (إسرائيل/فلسطين) ومرورا بسوريا واليمن - ترى الصين أن قطر لها دور قيم تلعبه كمحاور بين مختلف الأطراف في تلك الصراعات. وبالنظر إلى أهمية أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط بالنسبة لمبادرة الصين، يمكن للدوحة أن تكون ذات فائدة كبيرة للصين، من خلال الاستمرار في القيام بدور في محادثات الوساطة والمفاوضات الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار إلى أجزاء من الممر الاقتصادي المخطط له في بكين.
ومن خلال بيع نظام الصواريخ الباليستية إلى قطر في نفس العام الذي أنشأت فيه الصين مصنع طائرات بدون طيار في السعودية، تسعى بكين إلى تقديم نفسها - لجميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي - كشريك تجاري ودفاعي ومصدر للأسلحة لا غنى عنه، وقوة عظمى بديلة للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن أزمة قطر قد قوضت بشكل مباشر مصالح بكين بطرق عديدة وهددتها، إلا أن الخلاف الدبلوماسي مثل أيضا فرصة للصين لكسب نفوذ في المنطقة الغنية بالنفط.
وبالإضافة إلى المجتمع الدولي برمته، دعمت الصين جهود الوساطة الكويتية، في الوقت الذي لعبت فيه دورا هادئا وبعيدا نسبيا في النزاع الخليجي. ومع ذلك، ولتعزيز موقفها كدعامة للاستقرار والأمن في جميع أنحاء العالم العربي الكبير، قد تستثمر بكين قريبا بجدية في المبادرات الدبلوماسية لمساعدة الطرفين على حل أزمة المجلس. وتظهر الصين أهميتها لكل من قطر والكتلة السعودية الإماراتية، وتسعى إلى تعزيز موقف بكين كقوة عظمى مسؤولة وفعالة تساعد كلا طرفي الصدع القطري على إيجاد مصادر جديدة لصفقات الأسلحة المتقدمة، في وقت لا يزال فيه المناخ السياسي الإقليمي متوترا.
نفوذ أكبر
وبالنسبة للدوحة، ستزيد العلاقات الأمنية مع الصين من تنويع تحالفاتها بعيدا عن واشنطن وغيرها من العواصم الغربية، مع البناء على علاقات الدفاع المتنامية مع تركيا وروسيا. ومع ذلك، فإن آثار العلاقات الصينية القطرية الأقوى على تحالف الدوحة وواشنطن لا تزال غير واضحة. والآن، بعد أن وضع الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» أول إستراتيجية للأمن القومي على أساس رؤيته لأن تصبح أمريكا أكثر عدائية تجاه الصين وروسيا، فمن المرجح أن تركز سياسيات «ترامب» الخارجية بشكل متزايد مواجهة الصعود الاقتصادي العالمي للصين.
وقد يعمل ازدهار العلاقات الصينية القطرية على تمكين الدوحة من الحصول على نفوذ أكبر في علاقتها مع إدارة «ترامب»، مما يضع الإمارة الغنية بالغاز على طريق تحقيق التوازن الفعال بين العلاقة التنافسية بين واشنطن وبكين، مع تحقيق ميزة استراتيجية لدولة قطر. وسوف يعمل تعميق الدوحة لعلاقاتها مع الصين على تمكين قطر من التحوط في رهاناتها الخارجية. ومع استمرار النقاش حول إمكانية قيام واشنطن بنقل الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة العديد إلى دولة عربية أخرى مثل الإمارات أو السعودية أو الأردن، يثير ذلك تساؤلات حول احتمال ملء الصين لهذا الفراغ وجعل قطر أول دولة عربية خليجية تستضيف قاعدة عسكرية صينية. واستشرافا للمستقبل، فإن نمو العلاقات بين الدوحة وبكين في مجال الدفاع قد يمهد الطريق لنقطة تحول فاصلة في السياسة الخارجية للصين في الشرق الأوسط.