محمد صالح المسفر- الشرق القطرية-
هذا مقالي الأخير مودعا فيه عام 2017، وكان بودي أن يكون مخصصا عن خليجنا العربي المفكك لأسباب نزوات شخصية لا يحكمها منطق ولا عقل، لكن الخليج العربي تعج به ألغام سياسية وأحقاد ونكايات ونوازع كيدية حاقدة شخصية.
فابتعدت عن هذه البيئة واكتفيت بأن أراقب ما سياتي به قادم الأيام، لأني قد كتبت ونبهت وناشدت أهل الحكمة في الخليج بالاندفاع نحو العمل من أجل إيجاد السبل لتجنيب الخليج الكوارث التي تحيط به من الداخل والخارج.
كنت أريد الحديث في وداع عام نحس 2017 على خليجنا العربي وأمتنا العربية عن قمة مجلس التعاون في الكويت وما آلت إليه، وجاءت دورة كأس الخليج الرياضي وما صاحبها من تهديدات واشتراطات بعدم انعقادها، وما يجري في ملاعب الكويت اليوم تحت راية كاس الخليج.
لقد هالني وغيري من الغيورين على هذا الخليج ما دار في برنامج تلفزيوني خليجي من تحريض على قطر وفريقها الرياضي أمام شاشات التلفزة إلى حد إعلان صرف مكافآت مالية، الأمر الذي يدفع باللاعبين البحرينيين في مقابلتهم مع اللاعبين القطريين بالاستماتة لتحقيق نصر كروي ولو بالقوة العضلية وليس بالفن الرياضي وسمو الأخلاق الرياضية.
كنت أتمنى لو أن ذلك الجمع التحريضي في البحرين على اللاعبين القطريين أن يكون تحريضا من أجل الإبداع والتسامي والتحلي بالأخلاق الرياضية، وأن الفريق القطري يبقى فريقا خليجيا شقيقا مهما كانت الخلافات السياسية بين الحكام.
لكن غاب العقل وساد فكر التحريض وشهوة إرضاء الحكام طمعا في تقرب أو هبات وفي الحالتين سيكون ذلك التحريض بلا عائد.
حديث الصادق المهدي عن زيارة الطيب أردغان رئيس الجمهورية التركية للسودان الشقيق جذب اهتمامي وأبعدني عن ميدان حقول ألغام الخليج المتفجرة.
الصادق المهدي قامة سودانية لها دورها السلبي والايجابي في حياة السودان، كأي سياسي يعمل بالشأن السياسي العام. الصادق المهدي من كبار القوم في بلاده وكلمة الكبير كبيرة ومواقفه محسوبة، ولا شك أنه سليل أسرة لها تاريخها في السودان.
فالحركة المهدية لا ينكر أحد دورها النضالي ضد الاستعمار البريطاني، لكن في ذات الوقت لا ينكر أحد دورها في التآمر على الدولة العثمانية والعمل على هزيمتها تعاونا مع القوى التي أرادت إنهاء دور الإمبراطورية العثمانية وإلحاق الهزيمة بها.
ولا جدال بان لنا مآخذ على سياسة الدولة العثمانية تجاه العرب، وفي هذا السياق يجب أن يدرك الخلق أن الأمة العربية ليست أمة حاقدة تستدعي السلبيات التاريخية لتسقطها على واقعنا المعاصر، صحيح لنا الحق أن نأخذ العبر من التاريخ من أجل البناء لا من اجل الهدم.
انطلاقا من ذلك لا يجوز لنا التوقف طويلا عند الصادق المهدي واتصالاته بإسرائيل عام 1954 عبر السفارة الإسرائيلية في لندن، والذي طلب من الإسرائيليين في ذلك اللقاء تمويل "حزب الأمة" السوداني لمواجهة دور مصر في السودان والدعوة لفتح علاقات اقتصادية معها، كما لا يجوز التوقف طويلا عند موقف الإمام عبدالرحمن المهدي جد الصادق المهدي من الإنجليز وتعاونه معهم في فترة من فترات تاريخه.
إذا كان ذلك دأبنا، فإنه لا يجوز للصادق المهدي "إمام الأنصار" زعيم حزب الأمة السوداني أن يستدعي تاريخ العثمانيين في السودان وخاصة في جزيرة سواكن ويذكرنا بأنها كانت قاعدة عسكرية في العصر العثماني، ولم يتحدث عنها بأنها كانت ميناء تجمع الحجاج والمعتمرين من كل أرجاء السودان وإفريقيا للانتقال عبر البحر الأحمر إلى مكة موطن الحج والعمرة والزيارة وإلى المدينة المنورة ثاني الحرمين الشريفين ومثوى الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
لم يرحب الصادق المهدي باستعادة المجد الإسلامي لهذه الجزيرة لكونها نقطة انطلاق نحو الأراضي الحجازية الطاهرة كما أشار السيد أردوغان في حديثه للجماهير التي التقته مرحبة بمجيئة إلى تلك النقطة الهامة في تاريخ إسلام السودان.
إن الصادق المهدي بقامته السودانية انتقد اتفاق السودان وتركيا بتخصيص جزيرة سواكن السودانية للاستثمارات التركية، وقال إن مناخ الاستثمار في السودان من قبل تركيا غير مناسب، وراح يعلل أسباب ذلك.
لكنها عندي أسباب واهية كيدية، ولعله أراد من انتقاده لوصول الرئيس التركي إلى هذه المنطقة واهتمامه واهتمام القيادة السودانية بإعادة إعمارها لصالح الشعب السوداني عامة أن يرضي بعض القيادات العربية الحاقدة على تركيا والسودان والتي أصابتها الغيرة من نجاح تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي ينتسب إليه أردوغان في تحقيق تنمية شاملة على كل الصعد رغم كل الضغوط المحيطة بتركيا.
آخر القول : لقد حققت زيارة الرئيس التركي أردوغان للسودان نقلة نوعية بالغة الأهمية على كل الصعد اقتصادية كانت أو عسكرية أو اجتماعية إنسانية، وليت القادة العرب ورجال الأعمال تسابقوا نحو السودان لإخراجه من كبوته والنهوض به عن طريق الاستثمارات في كل مناحي الحياة هناك.