عربي 21-
أكد الكاتب السعودي المعروف «جمال خاشقجي» أن حل الأزمة الخليجية بيد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، مستبعدا أن يتنازل العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» عن الحكم لنجله وولي عهده الأمير «محمد بن سلمان» الذي قال إنه يستمتع بقوة الملك.
وكشف «خاشقجي» عن السبب الذي دفعه لمغادرة المملكة وما يمنعه من العودة، وتحدث عن بعض الملفات السعودية الداخلية وعلى رأسها الإصلاح والحرب على الفساد ومعتقلو الرأي.
وقال في لقاء الذي أجراه معه «عربي 21» على هامش مؤتمر مسلمي أمريكا في شيكاغو، إنه غادر لسبب بسيط: «أريد أن أكون آمنا وحرا، لا أكثر ولا أقل، في هذا السن لست في حمل التعرض للتوقيف ولا للإقامة الجبرية ولا للمنع من السفر، فاخترت أن أغادر».
وأوضح أنه شعر بقدوم حملة قريبة على أصحاب الفكر الإصلاحي في المملكة، فغادر مبكرا، قبلها بأشهر، قائلا: «كان عندي حدس بوجود حملة اعتقالات كبيرة، وهو شيء مؤلم والبلاد لا تحتاجه، وأتمنى أن يزول بسرعة، أعتقد أن بيد سمو الأمير (ولي العهد السعودي محمد بن سلمان) إيقافه، لأنه بالتأكيد جرى التحقيق مع الموقوفين من معتقلي الرأي وتأكد المحققون أنه لا شيء يستحق، بل إن لدي معلومات بأنه لم يكن هناك أصلا أدلة حقيقية للاعتقال».
الإصلاح
واعتبر «خاشقجي» أن اعتقال أصحاب الرأي ليس إصلاحا، «بل هو فعل مضاد للإصلاح، وإن معتقلي الرأي جلهم إصلاحيون، بعضهم منغلقون في آرائهم لكني مؤمن أنه حتى الحمقى لديهم الحرية في أن يكونوا حمقى، لذا فإنه حتى البعض الذين لديهم آراء منغلقة، لهم الحق أن يعبروا عن رأيهم طالما أنهم لم يستخدموا القوة والعنف في التعبير عنها، ومحاولة فرضها على الآخرين؛ لكننا هنا في هذه الحملة، ربما نتحدث عن خمسة أو ستة من بين 100 موقوف تقريبا، لكن البقية الباقية هم في طليعة الإصلاحيين على كل المسارات، كالاقتصاد والحرب على الفساد والإصلاح التربوي، وحري بهم أن يكونوا في الصفوف الأولى لقيادة الإصلاح في السعودية، لا في المعتقلات».
وأضاف الكاتب السعودي أن هناك محاولة للقضاء على أية مساحة حرة للتعبير عن الرأي، وأن حملة الاعتقالات الأخيرة تحاول إسكات الجميع، والقضاء على أية مساحة في الوسط، مضيفا أن السعودية تمر بمرحلة مهمة جدا، وهذه التحولات تحتاج إلى تقييم مستمر ومناقشة، وهذه التحولات لا ينبغي أن تقوم برأي شخص واحد، ولا يمكن لتحولات تهم كل مواطن ألا يشارك فيها المواطن، ولو بالحد الأدنى.
وأكد أنه «لا يوجد خلاف في السعودية حول القيادة وشرعية الحكم، فالقيادة تتمتع بدعم شرعي، لكن الخلاف على طريقة الحكم، فحري بالقائد أن يرحب بآراء مواطنيه المخلصين، لكي يساعدوه ويوفروا له الرأي الآخر».
وأشار «خاشقجي» إلى أنه يرى العلمانية طريقة أفضل للحكم من حكم الرأي الواحد السائد حاليا، لأن هناك إلغاء كاملا للمشاركة السياسية.
الحرب على الفساد
وحول حملة اعتقال الأمراء ورجال الأعمال، قال الكاتب السعودي إنه لا يعتقد أن ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» يحتاجها لترسيخ النفوذ، فهو يتمتع قبلها بكل النفوذ، لكنها رسخت أثرا وصغرت الكبار أمامه.
وتعليقا على الأنباء المتداولة عن شراء «بن سلمان» يختا ولوحة فنية وقصرا بملايين الدولارات في وقت يتم الحديث فيه عن محاربة الفساد، قال «خاشقجي»: «نحتاج إلى تعريف ما هو الفساد، فالفساد لا يكون في رشوة أو في صفقة مشبوهة ما بين تاجر وإدارة حكومية، إنما هدر المال العام هو الفساد، حتى لو كان خاصا، فالأمير موظف حكومي وأمواله أصلها من الدولة.. نحن السعوديون لا نعرف ما هي الأموال الخاصة وما مقدارها، وهل من حق الشخص أن يتصرف بأمواله بهذا الشكل».
وشدد على ضرورة أن يلح المثقفون السعوديون في هذه المسائل؛ «أي في توضيح ماهية الفساد.. يجب أن يمتلك المواطن السعودي والمثقف والجميع أدوات الحرب على الفساد، فهي حربنا نحن على الفساد كسعوديين وليست فقط حملة بن سلمان».
الأزمة الخليجية
وعن الأزمة الخليجية مع قطر، قال الكاتب المقيم في واشنطن، إنها أثرت على كل دول «مجلس التعاون الخليجي»، وعلى العمل الخليجي المشترك، وعلى العلاقة مع الكويت، وعمان التي تتخذ سياسة النأي بالنفس، مشيرا إلى أنها ضربت فكرة «مجلس التعاون الخليجي» والاعتماد على الشقيقة الكبرى، وتابع: «كنا نتحدث عن تطوير واتحاد، الآن بتنا نتحدث عن كيف ينجو مجلس التعاون الخليجي من السقوط والهلاك».
وقال إنه من «المؤلم أن يكون الأمريكيون هم الأحرص على مجلس التعاون الخليجي»، مذكرا بتصريحات وزير الدفاع الأمريكي التي قال فيها إنه من الضروري أن تتفرغ دول الخليج للقضايا الأهم.
وأكد أن أمريكا تستطيع إنهاء الأزمة متى ما أرادت، «لكن هذا يحتاج إلى توحيد الرؤية في واشنطن، فأمريكا تتعامل مع الأزمة بصوتين؛ الأول البيت الأبيض بقيادة ترامب، والثاني صوت وزارة الخارجية والبنتاغون، فإذا اجتمع الرأيان فإنه صار بالإمكان إنهاء الأزمة، وهذا ممكن في 2018».
وأوضح أن البيت الأبيض سيكون ضعيفا، وفي حالة دفاع عن النفس أمام هجمة التحقيقات والانشغال بالاتهامات القادمة، لذلك فإن البيت الأبيض سينشغل بأمور أخرى، وسيحل محله في هذه الأزمة البنتاغون والخارجية الأمريكية».
القدس
وعن ردة الفعل السعودية حول موقف الولايات المتحدة من القدس المحتلة، قال «خاشقجي» معلقا على التسريبات عن دور المملكة في القرار الأمريكي الأخير، والزيارات إلى (إسرائيل)، إنه يميل إلى تصديق رواية الديوان الملكي الرسمية، لكنه استدرك بالقول إنه لا تأثير للموقف على الأرض، وإنه كان حريا بالسعودية أن تكون حاضرة بقوة في تركيا مع الأتراك والماليزيين والباكستانيين الذين حملوا القضية في قمة إسطنبول».
وقال: «يبدو أن هناك خطأ سعوديا في ما يجري في واشنطن، بالمراهنة على إدارة ترامب، وقدرتها على توفير بعض ما تتمناه السعودية في مواجهة إيران، وهي مراهنة خاطئة، فلا ترامب يستطيع أن ينزل إلى ساحة المعركة ضد إيران في الشرق الأوسط ولا هو راغب في ذلك».
ولفت إلى أن الفرج للمتضررين من إيران قد يأتي بأقدار لا علاقة لـ«ترامب» فيها، لافتا النظر إلى المظاهرات الشعبية الحالية في إيران.
وأكد أن هناك خطأ آخر «أتمنى على السعودية ألا تقع فيه، وهو الوعد بشيء لا تملكه، وهو حل القضية الفلسطينية، فالوحيدون الذين يمتلكون مفاتيح الحل هم الفلسطينيون، هم الأقوى في هذا الملف، وهم مستقلون وأقوياء».
وتعليقا على حرق أعلام السعودية في فلسطين، أو رفع صورة الملك «سلمان» بجانب «ترامب» في الجزائر، وظهور تيار شعبي رافض للسياسة الخارجية السعودية في ما يخص القضايا الحساسة، قال «خاشقجي» إنه «على السعودية أن تنظر بعناية إلى هذه الظاهرة الحقيقية، وعليها أن تطلق حملة للتواصل مع الشعوب».
المؤسسة الدينية والحكم
وتعليقا على سحب البساط من المؤسسات الدينية، والانفتاح السريع في بعض القضايا التي كانت تمثل محرمات في السابق وتأثير فض التحالف بين الدين والسياسة على الحكم، قال «خاشقجي»، إن ما يجري شيء طبيعي؛ «الشعب السعودي له الحق في الاستمتاع بمباهج الحياة، ومن الجيد أن توفر الدولة هذا الجانب، وتعطي الدولة الحرية لممارسة ذلك طالما أنه لا توجد أشياء مخالفة لصريح الدين».
وعن التحالف بين المؤسسة الدينية والحكم، علق قائلا: «هناك مبالغة في الحديث عنه، فالمؤسسة الدينية هي عبارة عن موظفين في الدولة، لا يتمتعون باستقلالية سياسية أو من أي نوع آخر، ومن هم في المؤسسة الدينية ليسوا شركاء في الحكم».
السياسة الخارجية السعودية
وحول الاضطراب في السياسة السعودية الخارجية كما يراها بعض المراقبين، قال «خاشقجي» إن «هناك وضوحا لدى صانع القرار في ما يريده خارجيا، فهو يريد القضاء على الربيع العربي ومواجهة الإسلاميين، ولا ينبغي علينا المبالغة في قصة لقاء حزب الإصلاح اليمني مع قيادة السعودية والإمارات، ولا المراهنة على اللقاء، فلم يلحقه أي برامج واضحة».
وأضاف أن «محمد بن سلمان هو من يحكم في السعودية بتخويل من والده، ولا أتوقع أن والده سيتنازل له عن الحكم، لأنه لا يحتاج إلى هذا، وما جرت العادة بذلك في السعودية، وهو يستمتع بقوة الملك».
وأكد أن موضوع الأردن ما زال في طور الشائعات، بعد نفي الديوان الملكي الأردني أنباء اعتقال الأمراء.
أما موضوع لبنان، فختم «خاشقجي» بالقول إن «الأداء السعودي غير صحيح، وغير منطقي وكاد أن يؤدي إلى خسارة لبنان، وأعاد السعودية إلى المربع الأول هناك، فحزب الله متحكم في البلاد» ، متمنيا على المسؤولين السعوديين تغيير السياسات القديمة في التعامل عندما لا يرون أفقا للحل.