الخليج أونلاين-
لم تكن قطر، التي برزت بشكل لافت على الساحات الدولية في السنوات القليلة الماضية من خلال نشاطات وتحرّكات مختلفة، غافلة عن وجود ما يهدد أمنها ويزعزع استقرارها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الآخذ بالصعود، وهو ما دعاها لعقد اتفقيات تعاون للدفاع عن وجودها، عملت على تعزيزها.
فقد كانت النجاحات التي حققتها قطر دولياً بارزة ومؤثرة، لا سيما ظهور تأثيرها القوي في الوساطات الدولية، وتبنّيها نشاطات إنسانية داعمة لشعوب متضرّرة، وتأسيسها لمشاريع اقتصادية في الخارج لدعم اقتصادها الداخلي، فضلاً عن نجاحها رياضياً من خلال استضافة العديد من الفعاليات الرياضية الدولية، التي أثارت إعجاب دول العالم وكبار الشخصيات الرياضية.
وواصلت قطر السير نحو أهداف رسمتها بدقة تجعلها تقف بين كبار دول العالم، خاصة مواصلتها في بناء مشاريع كأس العالم 2022، الذي كان لقطر الفضل الكبير بأن تستضيف المنطقة العربية والشرق الأوسط هذا الحدث العالمي، لأول مرة في تاريخها.
ترى قطر أن إنجازاتها تلك تتعرّض لتهديد كبير، وأن رؤيتها لمستقبل قطري أكثر ازدهاراً قد لا تتحقق إن لم تمسك القوة بيد أخرى، تدافع بها عن إنجازاتها المتحققة ورؤيتها المستقبلية، وهذا ما دعاها لعقد اتفاقيات تعاون عسكري إلى جانب سلسلة من اتفاقات العلاقات الاستراتيجية، بحسب مراقبين.
ففضلاً عن تعاون عسكري مع تركيا، مكّن من نشر قوات عسكرية تركية في البلاد، منذ يونيو 2017؛ وقّعت قطر مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الأربعاء 17 يناير 2018، اتفاقية للتعاون الأمني، جاءت في وقت حسّاس وشكّل ضربة لجهود دول الحصار لعزل قطر وتشويه صورتها.
- أهمية شمال الأطلسي "الناتو"
يعتبر حلف شمال الأطلسي قوة دولية عظمى تتكوّن من 28 دولة؛ هي أمريكا، وفرنسا، والدنمارك، وبلجيكا، وآيسلندا، وكندا، وهولندا، وإيطاليا، والنرويج، ولوكسمبورغ، وإنجلترا، والبرتغال، وتركيا، واليونان، وألمانيا، وإسبانيا، والمجر، والتشيك، وبولندا، وإستونيا، ولتوانيا، وبلغاريا، ولاتفيا، وسلوفاكيا، ورومانيا، وسلوفينيا، وألبانيا، وكرواتيا.
والهدف المعلن للحلف يتمثّل في العمل على حماية حرية وأمن أعضائه من خلال الوسائل السياسية والعسكرية.
وتتمثّل الوسائل السياسية في "دعم القيم الديمقراطية، ويشجّع التشاور والتعاون في قضايا الدفاع والأمن لبناء الثقة ومنع الصراع على المدى الطويل"، بحسب ما يقول الحلف.
بينما تتمثّل الوسائل العسكرية في "امتلاك الحلف القدرة العسكرية اللازمة لخوض عمليات إدارة الأزمات. ويتم تنفيذ هذه العمليات بموجب المادة رقم 5 من معاهدة واشنطن، أو بتفويض من الأمم المتحدة، في إطار منفرد أو بالتعاون مع دول ومنظمات دولية أخرى"، وذلك في حال فشل الجهود الدبلوماسية السلمية.
ويلتزم الحلف بمبدأ الدفاع الجماعي؛ ومعناه أن أي اعتداء على دولة أو أكثر من دول الحلف يعتبر اعتداءً على جميع أعضاء الحلف، وقد تم العمل بهذا المبدأ مرة وحيدة، بعد تعرّض الولايات المتحدة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
- تدخّلات الحلف في العالم
تدخّل الناتو في عدد من دول العالم فارضاً قوته العسكرية ووجوده كقوة مؤثّرة في العالم، كان ذلك في أفغانستان وكوسوفو والعراق وليبيا والبوسنة والهرسك.
ومنذ عام 2003، أصبح للناتو الحق في مراقبة البحر المتوسط، وتفتيش أي سفن مشتبه بها بعد موافقة قائد السفينة وطبقاً للقوانين الدولية.
وفي 2009 شنّ الناتو عملية "درع المحيط" بهدف مكافحة عمليات القرصنة في منطقة القرن الأفريقي؛ بعد تنامي عمليات خطف السفن وطلب الفدية قبالة سواحل الصومال.
ومنذ 2007، يقوم الناتو بمساعدة الاتحاد الأفريقي في نشر السلام بالقارة الأفريقية.
- أهمية الاتفاقية بين قطر والناتو
لدول الخليج العربي علاقة بحلف الناتو ترتكز على "مبادرة إسطنبول للتعاون"، التي يعود تاريخها إلى يونيو عام 2004، وتهدف إلى المساهمة في الأمن على المدى الطويل، سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي، من خلال عرض تعاون عملي في مجال الأمن.
فيما يأتي توقيع الاتفاقية بين قطر وحلف شمال الأطلسي، في الوقت الذي تتواصل الأزمة الخليجية للشهر السابع على التوالي، بمقاطعة كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة، وفرض حصار عليها، وهو ما تعتبره قطر محاولة للسيطرة على سيادتها وقرارها الوطني.
وليس من سبب آخر، سوى تهديد دول الحصار، يدعو الدوحة لتوفير غطاء حماية دولي، بحسب ما يذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي القطري، جابر الحرمي، الذي يرى أن توقيع الاتفاقية يؤكد ثقة هذه المجتمع الدولي بقطر.
الحرمي في حديث لـ "الخليج أونلاين" قال إن وجود تعاون بين الدوحة والناتو "تأكيد لشفافية قطر، ومن جانب آخر يؤكّد مكانتها وحضورها ومصداقيتها في المجتمع الدولي".
وبحسب رأيه يشير المحلل السياسي القطري إلى أنه "برغم كل الادعاءات من قبل دول الحصار، التي حاولت إلصاق تهمة الإرهاب بقطر، فإن دول العالم اليوم تتسابق لكي تُبرم اتفاقيات وتتعاون مع قطر، وتقوم بزيارات للدوحة، ضاربة بعرض الحائط كل الادعاءات التي تقدّمت بها دول الحصار"، مستطرداً بالقول: إن "هذا دليل واضح أن هذه الدول تكنّ كل الاحترام لقطر، وتوليها التقدير والأهمية في منطقة الخليج والشرق الأوسط".
الحرمي يؤكد أن تعرّض قطر لـ "تهديدات حقيقية عسكرية" هي ما أجبرها على أن تحصّن نفسها عسكرياً، مشيراً إلى أن هذه التهديدات "أعلن عنها (أمير الكويت)، الشيخ صباح الأحمد، في المؤتمر الشهير بواشنطن مع الرئيس الأمريكي، عندما قال إن الوساطة الكويتية استطاعت أن تحبط عملاً عسكرياً ضد قطر".
وكان أمير الكويت، الذي يؤدّي دور الوساطة بين قطر ودول الحصار، منذ اندلاع الأزمة في يونيو 2017، كشف خلال مؤتمر صحفي عُقد في 7 سبتمبر 2017، بواشنطن، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن نجاح الوساطة الكويتية في وقف تدخّل عسكري عقب اندلاع الأزمة الخليجية، وقال إن الخيار العسكري مستبعد حالياً.
- تهديد قديم يتجدد
جابر الحرمي وصف محاولة "العمل العسكري" الذي كشف عنها أمير الكويت بأنها "مغامرة مجنونة"، مؤكداً أن بلاده "لديها القدرة على الدفاع عن نفسها".
ومؤخراً تحرّكت الدوحة دولياً لتسجيل شكوى ضد الإمارات؛ على خلفيّة اختراق مجالها الجوي من قبل طائرات مقاتلة إماراتية، بحسب الدوحة.
وأكّدت لولوة راشد الخاطر، المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية، في بيان مفصّل، الاثنين 15 يناير 2018، أن "الادعاء يأتي بعد يوم واحد من حادثة اختراق طائرة عسكرية للنقل الجوي، من نوع C-130، تابعة للإمارات العربية المتحدة، أجواء دولة قطر، في تمام الساعة 3:10 مساء بتوقيت الدوحة، الذي تنوي دولة قطر اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنه"، ما يشير إلى 3 حوادث اختراق إماراتية حتى الآن.
وبحسب ما أوضح الحرمي، فإن التاريخ يسجّل وجود مخطط لمحاولة الانقلاب على الحكم في قطر من قبل دول الحصار، مشيراً إلى أن بلاده "لم تتعرّض لتهديد واستفزاز خلال السنوات الأخيرة إلا من قبل دول الحصار".
التهديد الذي يتحدّث عنه الحرمي هو قديم متجدّد، وفق تعبيره، مبيّناً أن هذا التهديد حصل "في الأزمات السابقة؛ سواء في عام 1996 عندما كانت هناك محاولة انقلابية تعتزم الدول الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين، بدعم من مصر، لتغيير الحكم في قطر، بالإضافة إلى تهديدات في أعوام 2013 و2014، وغيرها من فترات التأزيم التي كانت تختلقها هذه الدول".
وخلص إلى القول: إن "قطر تعي جيداً أن هناك تهديدات تتعرّض لها من قبل هذه الأطراف".