هاني زقوت - الخليج أونلاين-
حاول تركي آل الشيخ، منذ اللحظة الأولى لتعيينه رئيساً للهيئة العامة للرياضة السعودية، بقرار من العاهل السعودي، في سبتمبر 2017، خلق "هالة إعلامية" غير مسبوقة حوله؛ من أجل الإيحاء للسعوديين والخليجيين بأنه الرجل "المُنقذ" و"المُخلّص" لرياضة المملكة.
ونجح "آل الشيخ"، إلى حد كبير، في فرض هيمنته على جميع المؤسسات الرياضية ببلاده؛ من أندية واتحادات رياضية ووسائل إعلام على مختلف أنواعها؛ لكنه فشل فشلاً ذريعاً في ترويج "مزاعم" خارج نطاق السعودية، اتضح لاحقاً أنها غير صحيحة ولا تمت إلى الحقيقة بِصلة.
واصطدم "آل الشيخ"، الذي يعمل أيضاً مستشاراً في الديوان الملكي السعودي، بثقة قطر، التي نجحت في كسب جميع الجولات التي خاضها "المسؤول السعودي" معها.
"الخليج أونلاين" يستعرض في هذا التقرير أبرز المحطات التي حاول خلالها "آل الشيخ" تحدي الدوحة وإقحام الرياضة في الأزمة الخليجية التي افتعلتها الرياض وأبوظبي، لكنه سقط أمام الاستعداد القطري على الأصعدة كافة.
- الملاعب المحايدة
في ظل الأزمة الخليجية، التي اندلعت صيف العام الماضي، ولا تزال مستمرة حتى الآن، قدمت السعودية والإمارات طلباً رسمياً للاتحاد الآسيوي باعتماد الملاعب المحايدة في مواجهات أندية البلدين أمام نظيرتها القطرية، بالنسخة المقبلة من مسابقة دوري أبطال آسيا لكرة القدم.
المكتب التنفيذي للاتحاد الآسيوي صدّق أواخر نوفمبر 2017، على توصية لجنة المسابقات، ورفض إقرار الملاعب المحايدة، وهو ما أزعج السعودية والإمارات ودفعهما لتصعيد موقفهما، على هامش جولة وفد الاتحاد القاري الخليجية الأخيرة.
وأرسل الاتحاد الآسيوي للعبة وفداً رفيع المستوى، يرأسه الهندي برافول باتيل، إلى الدوحة والرياض وأبوظبي، خلال يناير الجاري؛ من أجل لقاء مسؤولي كرة القدم وممثلي الحكومات في الاتحادات الوطنية الأعضاء، وإيجاد حلول للمباريات التي تُقام في العادة بنظام الذهاب والإياب.
السعودية والإمارات خرجتا بتصريحات "مصرَّة" بعد جولة الوفد الآسيوي إلى البلدين، كما جاء على لسان رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم عادل عزت، ورئيس الهيئة العامة للرياضة في الإمارات محمد خلفان الرميثي.
ومع اقتراب موعد قرار الاتحاد الآسيوي للعبة حول "الملاعب المحايدة"، رفع "آل الشيخ" الراية البيضاء، معلناً استسلامه في القضية، من خلال تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
وكتب "أرفع مسؤول رياضي بالسعودية"، مساء الخميس 25 يناير الحالي: "كرئيس لهيئة الرياضة، موقفي أنه لا دخل لها بالسياسة، ولا أجد ما يمنع من المشاركة في قطر، فالشعب القطري امتداد لنا، وكلهم متابع وعاشق لرياضتنا ودولتنا وقادتنا".
ووفقاً لمراقبين، استبق "آل الشيخ" القرار النهائي للاتحاد القاري للعبة؛ "من خلال النزول عن الشجرة"، بعد سلسلة من التهديدات التي أطلقها الاتحادان السعودي والإماراتي، على مدار الأشهر الماضية، بعدم اللعب في قطر، كما أشار نشطاء مواقع التواصل والشبكات الاجتماعية.
وبالفعل، رفض الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الطلب الذي تقدمت به السعودية والإمارات، مؤكداً عقب اجتماع عقده السبت 27 يناير الحالي، بمقره في العاصمة الماليزية كوالالمبور، استمرار النظام المعمول به حالياً، والخاص بإقامة المباريات بنظام الذهاب والإياب في كل بلد.
وصوَّت 14 عضواً بالمكتب التنفيذي للاتحاد الآسيوي، خلال الاجتماع، ضد طلب الإمارات والسعودية، مقابل موافقة 3 أعضاء، في حين امتنع عضو وحيد عن التصويت، في انتصارٍ مدوٍّ للدوحة وهزيمة مكتملة الأركان لأبوظبي والرياض.
- رفع الإيقاف عن الكرة الكويتية
ولم تكن قضية "الملاعب المحايدة" هي الأولى التي يخسرها "آل الشيخ" أمام قطر؛ إذ روّج على نطاق واسع ومنح الضوء الأخضر لوسائل إعلام بلاده، بتأكيد أنه "صاحب الفضل" في رفع الإيقاف عن الكرة الكويتية، والذي كان مفروضاً منذ أكتوبر 2015.
وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم قد رفع الإيقاف عن "الأزرق" الكويتي، مطلع ديسمبر الماضي؛ بعدما أقر مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) قانوناً رياضياً جديداً يُلبي المعايير والاشتراطات الدولية، ووافقت عليه الحكومة الكويتية بصفة الاستعجال؛ بفضل وساطة قطرية.
ومنذ اللحظة الأولى، أثنى مسؤولون كويتيون "بارزون" بالدور الكبير الذي أدته قطر في إنهاء معاناة الكرة الكويتية؛ وذلك على لسان وزير التجارة والصناعة ووزير الدولة للشباب الكويتي خالد الروضان، فضلاً عن تصريحات واضحة لمستشاره أحمد الجاسم، الذي وجه شكراً خاصاً إلى قطر على مساهمتها الكبيرة في مفاوضات رفع الإيقاف عن الكرة الكويتية.
وانسحب الأمر إلى مقرر لجنة الشباب والرياضة بمجلس الأمة الكويتي، أحمد الفضل، بقوله إن ما قدمته قطر لرفع الإيقاف عن الكويت وسامٌ على صدر كل كويتي، لافتاً إلى أنه "لولا الدعم القطري ما كنّا وصلنا لهذه النهاية السعيدة في ملف رفع الإيقاف".
ولم يتوقف دور قطر عند هذا الحد فحسب؛ بل وافقت على التنازل عن استضافة النسخة الثالثة والعشرين من بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم (خليجي 23)، ومنحت حق التنظيم للكويت؛ احتفاءً برفع الإيقاف الدولي وعودة النشاط الكروي إلى البلاد.
ورغم كل ما حدث، أصرّ "آل الشيخ" على أنه "صاحب الفضل" في إنهاء معاناة الكرة الكويتية، قبل أن يستشيط غضباً؛ بعدما زار وفد كويتي رفيع المستوى، برئاسة الوزير الكويتي "الروضان"، قطر في 21 يناير الحالي، التقى خلالها أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وضم الوفد الرياضي الكويتي، إضافة إلى "الروضان"، المدير العام للهيئة العامة للرياضة حمود فليطح، ورئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم أحمد اليوسف الصباح، ونائبه، فضلاً عن كوكبة من الشخصيات الرياضية الكويتية.
أمير قطر يبحث تعزيز العلاقات الرياضية مع الكويتhttps://t.co/Opf4OLN3Ur pic.twitter.com/4yDGo4Ibu3
— الخليج أونلاين-رياضة (@KLJONLSports) January 21, 2018
ووجَّه الوفد الكويتي الكبير شكراً خاصاً لأمير قطر على ما قدمته بلاده من دعم ومساندة للرياضة الكويتية، أسهما بشدة في رفع الإيقاف الدولي، إلى جانب موافقتها على التنازل عن حقها في تنظيم "خليجي 23" لصالح الكويت.
وعلى هامش الزيارة، قدّم نجم "الأزرق" الكويتي الأسبق سعد الحوطي، "هدية" لأمير قطر؛ تمثلت بقميص المنتخب الكويتي الذي شارك في نهائيات كأس العالم التي أقيمت بإسبانيا عام 1982.
كل ما جرى لم يُعجب "آل الشيخ"؛ فشن هجوماً غير مسبوق في الأعراف الخليجية على الوزير الكويتي "الروضان"، ووصفه بـ"المرتزق"؛ بعدما انكشفت "مزاعمه" التي روّج لها بأنه يقف خلف قرار "الفيفا" إنهاء معاناة الكرة الكويتية.
الروضان؛ باختصار؛ هو: الإرتزاق تحت مظلة المناصب وضد الحقائق المثبتة.
— تركي آل الشيخ (@Turki_alalshikh) January 22, 2018
لن يضر هذا المرتزق علاقات السعودية التاريخية بشقيقتها الكويت، وماقاله لا يمثل إلا نفسه، وكما قال شاعر مضر: والنفوس ان بغيت تعرفها ارم الفلوس.
وردَّ مغردون خليجيون على إساءة "آل الشيخ" غير المسبوقة في عُرف وتقاليد الدول الخليجية؛ من خلال تدشين وسم حمل عنوان: "#محشوم_خالد_الروضان"، كما أعربت الكويت بعد ذلك عن "رفضها واستهجانها" هذه التصريحات من مسؤول سعودي، ووصل الأمر إلى وزارة خارجية البلدين، في مسعى لتطويق الأزمة المتصاعدة.
- مونديال الشطرنج بالرياض
وإضافة إلى ذلك، حاول "آل الشيخ" فرض الوصاية على الوفد القطري، المشارك في بطولة العالم للشطرنج، التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض، في الفترة ما بين 26 و30 ديسمبر الماضي.
وأعلن الاتحاد القطري للشطرنج، آنذاك، تعذُّر مشاركة لاعبي المنتخب الأول للرجال والنساء في بطولة العالم للشطرنج السريع والخاطف؛ لاشتراط اللجنة المنظمة للبطولة على القطريين عدم رفعهم عَلم بلادهم خلال المنافسات، ما يعد إجحافاً صارخاً وانتهاكاً لجميع القوانين الدولية والرياضية.
وعلى هامش حفل افتتاح البطولة العالمية، شن "آل الشيخ" هجوماً على الدوحة، و"زعم" أنه تم منح القطريين التأشيرات وسُمح للعَلم القطري بأن يُرفع، وهو ما نفاه الاتحاد القطري للشطرنج جملةً وتفصيلاً، مرفقاً سلسلة المراسلات بينه وبين الاتحاد الدولي للعبة والتي تُثبت "كذب" "أرفع مسؤول رياضي سعودي".
وتحت وطأة ضغوط الاتحاد الدولي للشطرنج، أُجبرت الرياض على تأمين "التأشيرات" للاعبين القطريين، ورفع العَلم القطري، لتعلن الدوحة لاحقاً مشاركتها في المنافسات، بعد "رفضها الرضوخ للشروط السعودية".