ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

تحت الحصار.. كيف فازت قطر بالحرب الدبلوماسية؟

في 2018/02/02

فوربس- ترجمة مازن المري-

يبدو أن جهود قطر الدبلوماسية للتحايل على الحصار الاقتصادي والسياسي تعمل بالفعل، في ظل تأكيد الولايات المتحدة على دعمها للدوحة، في الوقت الذي ما تزال تدعو فيه جميع الأطراف للتوصل لحل توافقي.

فُرض هذا الحصار على قطر من قبل البحرين ومصر والإمارات والسعودية في يونيو/حزيران العام الماضي، مع كون الدولتين الأخيرتين هما المحرك الذي وقف خلف هذا، وقد اتهموا قطر بدعم الإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة.

أما قطر فقد أعلنت رفضها للاتهامات وسارعت لتعميق روابطها مع دول أخرى في المنطقة مثل إيران وعمان وتركيا، بالإضافة إلى دول بعيدة مثل الولايات المتحدة.

جهد بدأ يؤتي ثماره

يبدو أن هذه الجهود بدأت تؤتي ثمارها، مع الحوار الاستراتيجي الذي انعقد هذا الأسبوع في واشنطن الذي أكد فيه كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية على العلاقات الوثيقة بين البلدين.

فقد قال وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» في بداية هذا اللقاء يوم 30 يناير/كانون الثاني، إن «قطر هي شريك قوي وصديق قديم للولايات المتحدة، نحن نقدر العلاقات بين قطر والولايات المتحدة ونأمل أن تعمق المحادثات اليوم علاقاتنا الاستراتيجية».

تفاهمات ثنائية جديدة

تفاوضت الدوحة على سلسلة من الصفقات مع الولايات المتحدة منذ الصيف الماضي، والتي كانت تهدف لمعالجة بعض الانتقادات التي وجهت إليها؛ وتضمنت مذكرة تفاهم تم توقيعها في يوليو/تموز الماضي لمكافحة الإرهاب، تشمل تبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب.

اتفقت الولايات المتحدة وقطر أيضاً في سلسلة اللقاءات التي تمت في يناير/كانون الثاني هذه السنة، على اتفاقية طيران ستقوم الخطوط القطرية بموجبها على الإفصاح عن بيانات مالية مفصّلة والعقود مع الشركات الأخرى المملوكة للدولة في الأعوام القادمة.

وقد كان هذا لمواجهة انتقادات شركات الطيران الأمريكية الكبرى بخصوص مزاعم عن مساعدات حكومية غير عادلة تقدم للشركة، وقوبلت الاتفاقية بترحيب كبير من شركات الطيران الأمريكية التي رأتها خطوة قوية نحو شفافية تجارية.

وقعت الحكومتان القطرية والأمريكية أيضاً على مذكرة تفاهم حول مكافحة الاتجار بالبشر في الاجتماع الأخير، بالإضافة إلى إعلان مشترك حول المصالح الأمنية المشتركة، كما إنهم أعلنوا التزامهم بعقد حوار استراتيجي سنوياً.

دعم للدفاع والاقتصاد الأمريكي

سارعت قطر أيضاً إلى إعلان دعمها للاقتصاد الأمريكي، فقد قال وزير الخارجية القطري الشيخ «محمد بن عبدالرحمن آل ثاني» في واشنطن هذا الأسبوع، إن بلاده تستثمر 100 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك 10 مليارات دولار في البنية التحتية، وهو المجال الذي يصفه «دونالد ترامب» دائماً بالأولوية.

العلاقات الدفاعية أيضاً عنصر مهم في العلاقة، وقد وصف وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» نظيره القطري «خالد بن محمد العطية» قائلاً إنه «صديقي»، مشيراً إلى العلاقات العسكرية القديمة التي تربط البلدين، والتي تشمل قاعدة «العُديد» الجوية التي تعد المحور الإقليمي للقوات الجوية الأمريكية، وتستضيف 11 ألفا من الأمريكيين، وقد عرضت قطر أن توسع القاعدة وتدفع تكاليف ذلك، كما أن شراء قطر كمية ضخمة من المعدات الدفاعية الأمريكية قد قوّى العلاقات.

ومن جهة أخرى، توصلت قطر لاتفاقية مع منظمة العمل الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن رأت أن وكالة الأمم المتحدة كانت على حافة رفع شكوى ضدها بسبب عدم حماية حقوق العمال المهاجرين.

موقف الأطراف الأخرى

وقد اتجهت أطراف دولية أخرى، بما في ذلك الدول الأوروبية الكبرى، إلى الاصطفاف خلف جهود الوساطة التي تبذلها الكويت لحل النزاع، وبالرغم من كون هذه الجهود لم تؤدِّ لإنجازات حتى الآن، لكن الآخرين لا يميلون للانحياز إلى أي من الجانبين.

صممت الدول التي بدأت الحصار على مواصلته، وكانوا حريصين على عدم انتقاد محاولات الكويت أو الولايات المتحدة للوساطة، لكنهم انتقدوا التدخلات الأخرى، كما رفضوا أو قللوا من شأن أي تصريحات تتعلق بالمسايسة من جانب الدوحة على اعتبارها غير كافية.

وقد أصدرت الدول الأربعة بياناً مشتركاً لها في 30 يناير/كانون الثاني، وصفت فيه تقريراً حديثاً عن قطر بواسطة بعثة فنية من قبل المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بأنه «وصف مضلل للأزمة السياسية»، وأضافت إنه يعكس «انحيازاً واضحاً» تجاه قطر.

الحروب الثقافية

كانت هناك أخطاء لا داعي لها من هذه البلدان أيضاً، ففي الإمارات على سبيل المثال، تم إجبار متحف «اللوفر أبوظبي» الذي افتتح مؤخراً، على إزالة خريطة للخليج تحذف اسم قطر، وتترك مكانها مساحة من المياه في المكان الذي يفترض للبلد أن تكون فيه.

اعترف المتحف في بيان له بأن الخريطة «احتوت على عدد من التفاصيل غير الدقيقة»، وتعهد باتخاذ «الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك ثانية».

وقد كان هذا الحادث محرجاً للمتحف، الذي افتتح مؤخراً في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ويقول إنه يهدف لأن يكون «متحفاً عالمياً» يتجاوز الثقافات الفردية والحضارات.

وتصبح مثل هذه المراكز الثقافية نفسها أرضاً للصراع بين دول الخليج المتنافسة، في ظل تنافس كل دولة لتتفوق على جيرانها من ناحية الإبداع في الهندسة المعمارية أو المجموعات المعروضة داخلها.

يبدو أن قطر بدأت هذه العملية بمتحف الفن الإسلامي، الذي افتتح على كورنيش الدوحة في 2008، وتم تصميمه على يد المهندس المعماري الأمريكي الصيني «آي إم بي».

أما متحف «اللوفر» فهو يدخل معايير معمارية جديدة على المنطقة، بقبة شبكية معدنية ضخمة تبدو كأنها تطفو فوق المتحف دون أعمدة، ويبدو المتحف كأنه يطفو على مياه الخليج، بتصميم المهندس المعماري الفرنسي «جان نوفيل»، الذي يعد المتحف الوطني في قطر أحد أعماله البديعة الأخرى، ومن المقرر أن يفتتح قريباً، بتصميم يبدو كأقراص متشابكة.

تحول من «ترامب»

كان هناك عنصر مهم أيضاً لقطر في جهودها الرامية نحو حشد التأييد الدولي؛ ألا وهو تغير موقف «ترامب»، فقد بدا أن الرئيس الأمريكي أيد الجهود العدائية لقطر سابقاً عندما زار الرياض في أول رحلة خارجية له كرئيس، حين قال في تغريدة له في مطلع يونيو: «أثناء زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط قلت إنه لم يعد من الممكن دعم الأيديولوجيات المتطرفة، وأومأ الزعماء مشيرين لي كي أنظر لقطر».

ولكن في الآونة الأخيرة، أشاد «ترامب» بدور قطر في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك المكالمة التي أجراها مع أمير قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» مطلع يناير/كانون الثاني، وقال متحدث باسم البيت الأبيض أن «ترامب» «شكر الأمير على العمل القطري لمكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، بما في ذلك كونها واحدة من قلائل الدول التي مضت قدماً في مذكرة تفاهم ثنائية».

ومع هذا، يبدو أن «تيلرسون» هو الذي يقود جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية لحل النزاع، ويبدو أن التصريحات التي أدلت بها واشنطن في الأيام الأخيرة تظهر بوضوح أن الإدارة تود ببساطة أن ترى تسوية النزاع عاجلاً وليس آجلاً، بغض النظر عن مطالب الرياض وأبوظبي من الدوحة.
فقد قال «تيلرسون» في 30 يناير/كانون الثاني، في كلمات بدت موجهة أكثر نحو البلدان التي بدأت الحصار: «مع اقتراب النزاع الخليجي من إكمال ثمانية أشهر، ما تزال الولايات المتحدة قلقة اليوم كما كنا في بداياته، هذا النزاع له عواقب سلبية مباشرة سياسياً وعسكرياً على أولئك المتورطين فيه، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، نحن نشعر بالقلق إزاء الخطاب الدعائي المندلع في المنطقة، ومن المهم لكل الأطراف أن تقلل من حدة خطاباتها، وأن تمارس ضبط النفس لتجنب المزيد من التصعيد، والعمل نحو التوصل لحل».