الخليج أونلاين-
كما كان شهر مايو من عام 2017 مصيرياً في الخليج العربي، فإن مايو 2018 يبدو أنه سيكون مصيرياً أيضاً، وسط أنباء تتردّد في العاصمة الأمريكية واشنطن عن قمة أمريكية - خليجية، تُعقد في مايو المقبل، من المتوقّع أن تضع حدّاً للأزمة الخليجية القائمة منذ يونيو الماضي.
صحيح أن حصار قطر وقع في في الخامس من يونيو 2017، لكن الحملة الإعلامية غير المسبوقة من إعلام دول الحصار ضد قطر بدأت في الـ 27 من مايو، بعد أيام من انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للرياض، حيث تمّت فبركة تصريحات مكذوبة لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، رغم نفي الحكومة القطرية لها قبل بدء الحصار.
وكانت آخر قمّة خليجية في الولايات المتحدة في العام 2015؛ بهدف الحصول على دعم أمريكي لوجستي حرصاً على استقرار الخليج وأمنه، بعكس ما وصل إليه الحال اليوم بسبب عبثيّة دول الحصار بافتعال أزمة غير مبرَّرة.
- آن الأوان
الحوار القطري - الأمريكي الاستراتيجي، الذي جرى قبل أيام في واشنطن، يبدو أنه فتح الباب لحلّ الأزمة الخليجية، خاصة أن العالم بات يشدّد انتقاده لدول الحصار، وكيف أنها باتت تؤثّر في الاقتصاد العالمي وفي الحرب على الإرهاب.
ولوحظ بوضوح أن الخطاب الرسمي الأمريكي خلال الحوار كان قريباً جداً من وجهة النظر القطرية، وخلا من أي إشارة سلبية لها، بل كانت الإشادات واضحة بدورها وتقدُّمها في مجال مكافحة الإرهاب، وتمويله والاتّجار بالبشر، وذلك على لسان وزيري الخارجية والدفاع؛ ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس.
ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر، تحدّث عن تحوّل في موقف البيت الأبيض من الأزمة الخليجية، مشيراً إلى أن "واشنطن سيكون لها أثر بالغ في وضع حدٍّ لتطوّرات الأزمة، مع توقّعات بانتهائها من خلال قمّة مرتقبة".
وقال الأنصاري لـ "الخليج أونلاين"، إن واشنطن تتحرّك حالياً في إطار إنهاء الأزمة الخليجية، وتُجري اتصالات مع أطرافها، مبيّناً أن البيت الأبيض بدأ بمخاطبة القادة الخليجيين لحضور القمّة المرتقبة، في مايو المقبل، مضيفاً أن "واشنطن أكّدت وجود اتفاق مبدئيّ من قبل الأطراف الخليجية لحضور القمّة، التي توقّع أن يحضرها من الجانب القطري أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني".
وأشار الأنصار إلى ضرورة حضور أطراف الحصار؛ السعودية والإمارات والبحرين، نافياً علمه بأهمية حضور مصر للقمة.
وأكّد أن الرأي الذي اتخذه البيت الأبيض هو مع إنهاء الأزمة، وأن لواشنطن نيّة حقيقية في هذا الأمر، لافتاً النظر إلى أن أمريكا "مقتنعة بالرواية القطرية حول الأزمة الخليجية".
- جهود مستمرّة
ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية، أبدت الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من مناسبة استعدادها للتدخّل بين "الفرقاء الخليجيين" من أجل التوصّل إلى حلٍّ ينهي الأزمة التي تقترب من دخول شهرها الثامن.
هذا الاستعداد ترجمته الزيارات المتكرّرة والمختلفة التي أجراها مسؤولون أمريكيون للدول الخليجية المتخاصمة، خلال الأشهر التي أعقبت الأزمة، وكلام الرئيس دونالد ترامب نفسه أنه مستعدّ لجمع القادة الخليجيين المتخاصمين في كامب ديفيد لحل الأزمة.
كما عملت واشنطن على منع عملٍ عسكري عدائي من السعودية والإمارات ضد قطر، وهو ما أكّده أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب، بالبيت الأبيض، في سبتمبر الماضي، عندما قال: "إن المهم أننا أوقفنا عملاً عسكرياً".
كلام أمير الكويت أكّدته لاحقاً صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، حيث تحدّثت، في يناير 2018، عن تحذير شخصي وجَّهه وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى الإمارات والسعودية، من مغبّة القيام بأي عمل عسكري ضد قطر، على خلفيّة الأزمة الخليجية التي بدأت في الخامس من يونيو العام الماضي، وهو ما كرّره لاحقاً ترامب في اتصال مع القادة السعوديين.
وتُشير التحرّكات الأخيرة القطرية - الأمريكية، والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين، إلى أنه آن الأوان لحل الأزمة التي لم تكن المنطقة بحاجة لها، خاصة أن السخط العالمي بات صوته مرتفعاً من تداعياتها، ووسط دعوات غربية مستمرّة للحوار لتجاوزها وتفادي تأثيراتها التي أقرّ مسؤولون بأنها أثرّت في حركة التجارة العالمية من جهة، والحرب على الإرهاب من جهة أخرى.
ومما يرجّح قدرة الولايات المتحدة على حلّ الأزمة ما أكّده وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، خالد العطية، خلال الحوار الاستراتيجي مع واشنطن، أواخر يناير الماضي، حيث ذكر أن "ترامب قادر على حلّ الأزمة الخليجية بمكالمة هاتفية واحدة"، لكنه استدرك بالقول: "لا نقبل أي إملاءات، ولكن منفتحون على مناقشة أي نقطة يعتقدون أنها مبعث قلق لهم"، في إشارة إلى دول الحصار الأربع.
- استعداد قطري مشروط وتهرّب من المقاطعين
لكن رغم هذه التحرّكات لا يبدو أن هناك أي ردّة فعل من جانب دول الحصار تجاه الجهود الأمريكية، على الأقل هذا ما يظهر علناً، لكن في المقابل يخفت شيئاً فشيئاً صوت إعلامهم بسبب الدحض المستمرّ للاتهامات الموجّهة إلى قطر، خاصة تلك التي تتعلّق "بدعمها للإرهاب".
وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال الخميس (1 فبراير)، إن بلاده مستعدّة للمشاركة في القمة الخليجية الأمريكية، المزمع عقدها في مايو المقبل، شريطة أن تكون لدى دول الحصار رغبة في الحوار وليس بـ "الإكراه"، مؤكّداً أن العلاقات لن تعود لما كانت عليه قبل الأزمة.
وشدّد آل ثاني على أن بلاده "لا يمكنها العودة إلى نفس نوع العلاقات قبل الـ 5 من يونيو 2017"، (الذي أعلنت فيه كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض حصار على قطر)، مؤكّداً أن "هناك الكثير من الثقة التي فُقدت".
قبل أنباء عقد قمة كامب ديفيد بساعات، لم يبدِ الوزير القطري تفاؤله بنهاية سريعة للانقسام الخليجي، على الرغم من جهود الوساطة الأمريكية، مؤكّداً في الوقت ذاته أن هذا الخلاف "لن ينتهي بالبلطجة؛ بل عندما يدرك كل بلد أن حقوقه ومسؤولياته تتساوى مع الدول الأخرى".
الوزير القطري بيّن في حوار مع صحيفة "الواشنطن تايمز" الأمريكية، نُشر في الأوّل من فبراير 2018، أن بلاده دعت مراراً إلى حوار شامل مع السعودية ودول الحصار الأخرى، "إلا أنهم لم يكونوا مستعدّين، وحتى عندما دعا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى قمّة في كامب ديفيد تعاملنا مع الدعوة بشكل إيجابي، ولكن الأطراف الأخرى رفضت الدعوة".
وكان موقف قطر مؤيّداً لدعوة ترامب، الصيف الماضي، لقمّة خليجية في كامب ديفيد لحلّ الأزمة، كما لم تتوقّف قطر المحاصرة عن إبداء استعدادها للحوار، وهو ما شجّع الجهود الكويتية والأمريكية على الاستمرار في تحرّكات رأب الصدع على مدار أشهر الأزمة، وضرورة التوصّل إلى حلٍّ يحفظ منطقة الخليج من التقسيم، وذلك خلال زيارات كان يُجريها مسؤولون قطريون للدول التي أرادت أداء دور الوساطة.
وسبق أن أكّد أمير الكويت الرغبة القطرية، في تصريحات سابقة عقب لقائه ترامب، في سبتمبر، في استعداد الدوحة للجلوس على طاولة الحوار، وقال: "تلقّينا رداً من قطر وهي مستعدّة للحوار".
ويبقى الانتظار سيّد الموقف لما ستنتج عنه الجهود الأمريكية السرية منها والعلنية، على أمل أن تشرق شمس حلّ الأزمة التي هزّت الخليج العربي ويجمع الخبراء على أنها "عبثية".