ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

الأزمة الخليجية تعزز أجندة الإصلاح السياسي والاجتماعي في قطر

في 2018/02/28

ترجمة شادي خليفة - كريستين سميث ديوان - لوفير-

تظهر أدلة متزايدة على أن أزمة الخليج أبعد ما تكون عن الحل. وفي الواقع، شهدت الأسابيع الأخيرة المزيد من علامات التصعيد، حيث اتهمت قطر والإمارات العربية المتحدة بعضهما البعض باتهامات بشأن انتهاكات عسكرية للمجال الجوي واعتراض الطائرات المدنية لكلا البلدين. وقد بحثت الولايات المتحدة توطيد علاقاتها الوثيقة مع اللاعبين على كلا الجانبين من الانقسام الخليجي، كما يتضح من الحوار الاستراتيجي مع قطر في يناير/كانون الثاني. ولكن في حين أن هناك احتمال لعقد إدارة «ترامب» قمة خليجية، إلا أن هناك القليل من الرغبة في التوصل إلى حل توفيقي من جانب الخصوم في الخليج.وبدلا من ذلك، يسعى لاعبو الخليج الرئيسيون إلى اتخاذ ترتيبات بديلة، ولا سيما الإعلان المحسوب عن إقامة شراكة استراتيجية جديدة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وقد أكد أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني»، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، في كلمة أمام مجلس الشورى، على قبول صريح لما أسماه «مرحلة جديدة في العلاقات بين دول الخليج». وتؤثر التحديات التي تواجه قطر من قبل مجموعة المقاطعة (السعودية - الإمارات - البحرين - مصر) على السبل الدبلوماسية والاقتصادية؛ حيث تدفع قطر للحفاظ على تحالفات رئيسية وبناء شراكات استراتيجية جديدة، مع إجراء تعديلات حاسمة على البنية التحتية الاقتصادية والسياسات في البلاد. ومن الناحية الجيوسياسية، عملت قطر على تعزيز علاقاتها الوطيدة وتفاهماتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مع موازنة المقاطعة الرباعية من خلال تنسيق أوثق مع تركيا. ومن بين المبادرات الاقتصادية البارزة، المنطقة الصناعية الجديدة في قطر، وميناء «حمد» وعدد من المشاريع الجديدة لتعزيز الأمن الغذائي والمائي.

أما الآثار الاجتماعية والسياسية المحلية فتتلخص في كيفية تأثير النزاع والمقاطعة المستمرين على علاقات القيادة القطرية مع مواطنيها ومقيميها. وثمة تعديلان ملحوظان يستحقان النظر فيهما، وهما الإعداد الجاري لانتخابات مجلس الشورى، ونشر مشروع قانون لمنح الإقامة الدائمة. وعلى الرغم من صدور تقرير مؤخرا عن «هيومن رايتس ووتش» يقترح أن الأزمة تحفز بعض الإصلاحات التقدمية الكبرى، فإنه من غير المرجح أن تتخذ قطر إجراءات مثيرة محفوفة بالمخاطر في بيئة الأزمة الحالية.

فتح انتخابي طال انتظاره

وقد صاحبت المقاطعة الدبلوماسية التي قامت بها دول الحصار إجراءات إضافية تهدف إلى تعطيل التوازن السياسي داخل قطر. وعلى مدار العام الماضي، كان على الإمارة أن تتصدى للمبادرات التي استهدفت وحدتها الملكية والقبلية وتقويض شرعيتها الدينية. وكانت المملكة العربية السعودية مصدر معظم هذه الحملات التي تحركها وسائل الإعلام، وقد ساعد في ذلك علاقات المملكة مع الأفراد المعارضين من أسرة الأمير في قطر، فضلا عن القبائل العابرة للحدود، إلى جانب سلطتها الدينية. وقد اضطرت القيادة القطرية إلى تفادي وساطة معارض ملكي حاول تسهيل عبور الحجاج القطريين إلى مكة وهددت بتجريد اسم عائلته عن المسجد الرئيسي في قطر. وفي مقطع فيديو تم تعميمه على نطاق واسع، ندد أحد المعارضين القطريين بأمير قطر أمام آلاف من رجال القبائل الذين تجمعوا على الحدود السعودية القطرية.

وكانت إحدى الوسائل لتجنيب قطر هذه الإجراءات، وتعزيز الروابط بين القطريين وقيادتهم، هي من خلال توسيع الحقوق السياسية. وفي الواقع، كانت هناك شائعات بأن قطر ستنفذ أخيرا الخطة التي نوقشت لفترة طويلة (وتأخرت لفترة طويلة) بالسماح بإجراء انتخابات على ثلثي مجلس الشورى. إلا أن خطاب الأمير الأخير أمام هذه الهيئة لم يصدر إعلانا واضحا، بل أكد للمجلس أن الحكومة تواصل التحضير للانتخابات، بما في ذلك صياغة التدابير التشريعية التي سيتم تسليمها إلى المجلس خلال العام.

وسيكون تنفيذ الانتخابات بمثابة محاولة جريئة لمواجهة حملة الحصار التي سعت صراحة إلى فصل الشعب القطري عن قيادته. وسيكون السماح للجمهور بالذهاب إلى صناديق الاقتراع تعبيرا عن الثقة بأن الأمير الشاب يحظى بتأييد شعبه. ولكنها ستكون أيضا خطوة محفوفة بالمخاطر، بالنظر إلى الشكوك حول هذه الخطط للتمكين التشريعي والمشاركة السياسية الشعبية.

وكانت الخطة الأولية للانتخابات جزءا من مجموعة الإصلاحات التي قام بها الأمير السابق «حمد بن خليفة آل ثاني» بعد الإطاحة بوالده عام 1995. ولقد شهد ذلك الوقت تحديات ومخاطر مماثلة، وكانت الإصلاحات وسيلة من أجل جذب الاهتمام الدولي والدعم الشعبي. ورافق الوعد بالانتخابات فتحا أوسع نطاقا، واعتناقا لفكرة تمكين المرأة وتوسيع الحريات الإعلامية، بما في ذلك إنشاء قناة «الجزيرة». ولكن بمجرد أن أصبح حكم الأمير «حمد» آمنا، تضاءل حماس حكومته للديمقراطية. وظلت الانتخابات تقتصر على المجالس البلدية، ودورها استشاري فقط.

وعلى مدى العقد الماضي، بالنسبة لوزارة الداخلية، التي تشرف على الانتخابات، ظهرت أفكار عن المسائل التي أسهمت في التأخير المتكرر لانتخابات مجلس الشورى. وقد صارعت الحكومة مع كيفية بناء الدوائر الانتخابية، التي من شأنها أن تسفر عن توازن «عادل» للتمثيل القبلي. وتنظر الحكومة في الروح السياسية للقبائل، وخاصة تلك التي هي غير قريبة من أسرة آل ثاني الحاكمة، وهو ما اتضح في اعتماد قانون الجنسية في قطر لعام 2005. وعلى عكس اتجاه القانون في دول مجاورة مثل الكويت، التي عجلت بالدفع السياسي بالقبائل المجنسة، بدلا من ذلك، يحد القانون القطري صراحة من الحقوق السياسية للقبائل البعيدة، ويحرمها من التصويت في أي برلمان منتخب في المستقبل.

وتعد الحقوق السياسية المتباينة بين المواطنين، وصعوبة تنظيم التوازن القبلي، شاهدا على المخاطر السياسية لفتح الإمارة على انتخابات كيان يتمتع دستوريا بسلطة استجواب الوزراء، خاصة في اللحظة التي تجري فيها محاولات خارجية لتسييس العضوية القبلية. وقد تختار قطر أخذ الطريق الأسهل وهو طريق الإمارات العربية المتحدة بدلا من الكويت، وأن تنظم التمثيل في مجلس الشورى من خلال التعيين وليس الانتخاب. وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، عين الأمير 4 نساء في المجلس.

مقدمة لـ«البطاقات الخضراء»

وفي الوقت الذي تواصل فيه قطر النظر في انتخابات مواطنيها، فإنها تقدم أيضا خططا لتوسيع نطاق الحقوق لمجموعة مختارة من السكان غير القطريين، الذين يشكلون أكثر من 85% من السكان. وفي أغسطس/آب عام 2017، أقرت قطر بمشروع قانون يقضي بإنشاء إقامة دائمة، أو ما يشبه «البطاقات الخضراء» (الجرين كارد) في الولايات المتحدة. أما الأشخاص المؤهلون للإقامة الدائمة فيشملون أبناء الأمهات القطريات، وأولئك الذين قدموا خدمة وطنية استثنائية، مع المواهب الخاصة التي تحتاجها الدولة. ومن شأن إقامة دائمة أن تمنح أصحابها كامل مزايا نظام الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، فضلا عن الأولوية في توظيف الدولة بعد المواطنين القطريين.

وتعد قطر أول دولة خليجية تنشئ هذه الفئة القانونية الجديدة بشكل صريح، على الرغم من أن دولة الإمارات قد سمحت لأبناء الأمهات الإماراتيات بتقديم طلب للحصول على الجنسية، وشجعت على نظام تأشيرات جديد لجذب المواهب الاستثنائية. وقد تكون دول الخليج -التي تسعى إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي وتنويع اقتصاداتها على نحو أعمق- بحاجة إلى النظر في طرق جديدة لاجتذاب ومساعدة المساهمين الأجانب في الاقتصاد. وفي الواقع، أشار المعلق القطري «محمد صلاح المسفر» إلى أن الإقامة الدائمة قيد المناقشة في قطر قبل بدء أزمة الخليج.

ومع ذلك، فإن الحذر الذي تتخذه بلدان الخليج من هذه الخطوة المنطقية يتجلى في حساسيتها الكبيرة مع مواطني الخليج. ويعد فتح المواطنة لأطفال الأمهات القطريات خطوة جريئة وشعبية، تتصدى مباشرة لمعضلة العائلات القطرية التي يتزوج عدد كبير منها مع مواطنين خليجيين آخرين. ولقد خضعت مقاطعة قطر للاختبار الاقتصادي -وربما السياسي- لولاء هذه العائلات الخليجية. ومع ذلك، في حين أن فتح الإقامة الدائمة للأجانب الاستثنائيين قد يعزز العلاقات مع المقيمين الأجانب المستثمرين، إلا أنه قد يثير قلقا مع الدوائر الرئيسية للمواطنين القطريين. وفي قطر، كما هو الحال في دول الخليج الأخرى، يحرص العديد من المواطنين على الاحتفاظ بالفوائد السخية التي يحصلون عليها من الدولة، ويقلقون من تأثير المقيمين الأجانب على الثقافة والقيم المحلية.

التقدم الحذر

وتدلل الإجراءات التي اتخذتها دولة قطر مؤخرا، كما أبرزها خطاب الأمير أمام مجلس الشورى، على تصميم الإمارة الصغيرة على التكيف مع البيئة الخليجية المتغيرة، من خلال تعزيز تحالفاتها الخارجية واستقلالها الاقتصادي وأسسها السياسية. ومع ذلك، في حين قد تسرع أزمة الخليج عملية إعادة الهيكلة الجيوستراتيجية وإعادة الهيكلة الاقتصادية، فإن أي تعديلات على العقد الاجتماعي الحساس بين الحاكم القطري والمواطن ستمضي بحذر.