إحسان الفقيه- وكالات-
لا تعني قوة الولايات المتحدة الأمريكية الشيء الكثير من دون شركاء لها في مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية، التي تعاني من صراعات مسلحة في أكثر من بؤرة تنشط فيها جماعات وتنظيمات مصنفة أمريكيا على لائحة الإرهاب.
وأدى صعود تنظيم "داعش" وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا منتصف عام 2014، إلى تشكيل التحالف الدولي لمحاربة التنظيم بقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة دول عربية، بينها السعودية والبحرين والإمارات وقطر والأردن.
تلتزم قطر بمكافحة الإرهاب من منطلق عضويتها في التحالف الذي يحارب "داعش" وبقية التنظيمات المتطرفة، التي تمارس نشاطا إرهابيا عابرا للحدود الوطنية، وتقدم الدعم اللوجستي لعمليات التحالف.
كما تستضيف العاصمة القطرية الدوحة القيادة المركزية الأمريكية في قاعدة "العُديد"، التي يتم من خلالها تنسيق مهام الهجمات الجوية والمراقبة والاستطلاع في الحرب ضد الإرهاب بكل من سوريا والعراق وأفغانستان.
وقطر عضو مؤسس في "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب" الذي ينسق جهود ومبادرات ثلاثين دولة، بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وسبق لها أن استضافت الاجتماع التنسيقي السابع للمنتدى، في مايو / أيار 2015.
ويوجد في وزارة الداخلية القطرية لجنة لمكافحة الإرهاب، تضم ممثلين من أكثر من عشر وزارات ومؤسسات حكومية، لرسم سياسات مكافحة الإرهاب، وتلبية التزاماتها في محاربته، وفقا للمواثيق الدولية، وكذلك المشاركة في المؤتمرات الدولية حول الإرهاب.
وتتبع الحكومة القطرية حزمة من الإجراءات والتدابير لتعزيز جهود منظمة الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب، ومعالجة الأسباب التي تؤدي إلى ظهور تنظيمات إرهابية، وذلك عبر دعم المشاريع التعليمية وتوفير فرص العمل للشباب.
ولمزيد من التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، عرضت قطر استضافة قاعدة تدريب وتجهيز قوات المعارضة السورية المعتدلة، إلى جانب استضافة عشرة آلاف من عناصر الجيش الأمريكي في منشأتين عسكريتين تلعبان دورا مهما في جهود التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
وفي تقريرها السنوي حول جهود دول العالم لمكافحة الإرهاب لعام 2016، الصادر في يوليو/ تموز 2017، أي بعد الأزمة الخليجية بأكثر من شهر، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن قطر "شريك كامل ونشط في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، ولعبت دورا علنيا في التحالف، وقدمت دعما معتبَرا في تسهيل العمليات العسكرية بالمنطقة".
وقطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو/ حزيران 2017 علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها "إجراءات عقابية" بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الرباعي بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
وأفاد التقرير الأمريكي بأن قطر والولايات المتحدة احتفظتا بـ "شراكة قوية في الحرب ضد الإرهاب عام 2016، وتعاونتا معا لتعزيز تعاون إقليمي أكثر قربا في مجال مكافحة الإرهاب، وتنفيذ القانون وسيادته".
وظل السلوك القطري في التعامل مع الجماعات والتنظيمات الموصوفة بالإرهاب بالنسبة إلى الولايات المتحدة ودول المقاطعة الأربع محكوما بالتنسيق المسبق مع واشنطن.
وتتهم دول المقاطعة قطر برعاية منظمات تصفها بـ "الإرهابية"، واستضافة قياداتها، مثل حركتي طالبان الأفغانية، والمقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
لكن استضافة قيادات الحركتين كانت بطلب أمريكي، وفق تصريحات أدلى بها في يوليو / تموز 2017 لمجلة فرنسية، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الجنرال ديفيد بتريوس (أغسطس / آب 2011 ـ ديسمبر / كانون الأول 2012).
وهي تصريحات تعكس رؤية أمريكية تعتبر قطر شريكا أساسيا للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، وليست عدوا، وفق المنظور الأمريكي للأمن القومي.
بحضور ما لا يقل عن 55 من قادة الدول الإسلامية أثناء زيارته للسعودية في 22 مايو / أيار 2017، ركز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب له على أهمية الاتحاد في مواجهة الإرهاب والتطرف، مع إشارة واضحة إلى أن "قطر التي تستضيف القيادة المركزية الأمريكية، شريك استراتيجي حاسم" في مكافحة الإرهاب.
وتتهم دول المقاطعة الأربع قطر بتقديم دعم مالي وسياسي لجماعات وتنظيمات إرهابية، دون أن تقدم هذه الدول ما يثبت ذلك بأدلة قطعية تقنع المجتمع الدولي، الذي يتجه نحو مواصلة الانخراط في التنسيق المشترك والتعاون مع الدوحة لمكافحة الإرهاب ووقف تمويله.
وفي وقت مبكر من بدايات الأزمة الخليجية، وقع وزيرا خارجية قطر والولايات المتحدة في 11 يوليو / تموز 2017، "مذكرة تفاهم" لمكافحة تمويل الإرهاب، تعزيزا لنتائج القمة الأمريكية الخليجية في الرياض، مايو / أيار2017.
وتعد قطر أول دولة توقع مثل هذه المذكرة.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي، وقتها، ريكس تيلرسون، في الأول من أغسطس / آب 2017، التزام قطر "بتطبيق ما ورد في مذكرة التفاهم" مع الإعراب عن قلقه "إزاء الأزمة الخليجية، لأنها تقوض جهود مكافحة الإرهاب".
وتواصل قطر جهودها بالتنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، وشهدت واشنطن في 30 يناير / كانون الثاني الماضي جلسات حوار استراتيجي بين وزراء خارجية ودفاع قطر والولايات المتحدة.
وركز هذا الحوار على الأزمة الخليجية وجهود مكافحة الإرهاب، ونتج عنه توقيع اتفاقيات ثنائية لترسيخ العلاقات بين البلدين في المجالات الأمنية، ومواصلة الجهود المشتركة لضمان أمن واستقرار المنطقة.
ووصف وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، قطر بـ "الصديقة" التي ترتبط معها واشنطن بـ "شراكة دفاعية" قائمة منذ أمد بعيد، مؤكدا "دعم قطر الثابت لوجود والتزام واشنطن بأمن المنطقة، بما في ذلك مشاركة المعلومات وتدريبات مكافحة الإرهاب".
وكان من نتائج الحوار الاستراتيجي الأمريكي القطري نهاية يناير / كانون الثاني الماضي، اتفاق البلدين على تقوية الشراكة بينهما فيما يتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وبعد أسابيع من ذلك الحوار، عقدت قطر شراكة استراتيجية مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد زيارة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لمقر الحلف في بروكسل، في السابع من مارس / آذار الجاري.
وبذلك وضعت قطر نفسها في موقع الشريك الاستراتيجي في جهود الحرب ضد الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بفضل اتفاقية للتعاون العسكري والأمني بين الدوحة والحلف.
ومشيدا بتلك الاتفاقية قال أمير قطر: "دشنا استراتيجية عسكرية ثنائية لترسيخ الأمن والسلم في المنطقة، بما يعزز جهود قطر والحلف في التعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه العالم".
وبعد الأزمة الخليجية، تحركت قطر إلى دول ومنظمات غربية للتخفيف من آثار المقاطعة، وتوضيح وجهة النظر القطرية الرافضة لاتهامها بدعم الإرهاب وتمويله.
ومثلت دول الاتحاد الأوروبي عامة أهم محطات الحراك الدبلوماسي القطري في الشق السياسي، و"الناتو" في الشق الأمني والعسكري.
وتميز موقف دول الاتحاد الأوروبي التي ينتمي إليها معظم أعضاء "الناتو"، بموقف غير منحاز لأحد طرفي الأزمة الخليجية، ما شجع الدوحة على إجراء مباحثات مع مسؤولي تلك الدول.
وفي 16 فبراير / شباط الماضي دعت قطر دول الخليج العربي والمنطقة إلى "تنحية خلافاتها جانبا، وإبرام اتفاق أمني على شاكلة الاتحاد الأوروبي، من أجل إبعاد المنطقة عن حافة الهاوية"، كما جاء على لسان أمير قطر خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن.
لكن السعودية ردت على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، بأنها "غير مهتمة بالمشاركة في تحالف أمني إقليمي"، معتبرا أن قطر "لا تزال تدعم الإرهاب"، وداعيا إياها إلى "وقف هذا الدعم".
ستظل محطات تعاون قطر مع القوى الدولية الفاعلة لمكافحة الإرهاب تسير وفق سياقات مألوفة تبنتها الحكومة القطرية في ما يتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، وتحقيق الأمن والاستقرار حول العالم.
وأرست الدوحة ركائز هذه المحطات من خلال الحوار الاستراتيجي الأمريكي ـ القطري، ومذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة، واتفاقية التعاون مع حلف "الناتو"، إضافة إلى المشاركة القطرية الواسعة والفاعلة في معظم المؤتمرات المتعلقة بمكافحة الإرهاب.