الخليج أونلاين-
حاملة رقم "29" تأتي القمة العربية المُقرر انعقادها في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية، الأحد المقبل (15 أبريل 2018)، في وقت تموج فيه المنطقة العربية بالمشاكل، وتزداد تعقيدات الحلول للخروج من هذه المشاكل بأقل خسائر ممكنة.
فسوريا لم يتوقف فيها نزيف الدماء منذ أبريل 2011، في مجازر بدأها نظام الأسد ضد شعبه، فشارك وما زال هو وحلفاؤه في قتل الشعب الرافض لبقاء النظام الحاكم في السلطة.
ومؤخراً ارتفعت حدة التهديدات الدولية بشأن نشوب حرب عالمية كبرى في سوريا، بعد التأكد من شن قوات الأسد هجوماً بقنابل كيميائية على دوما، آخر منطقة تخضع للمعارضة في غوطة دمشق الشرقية، في 7 أبريل 2018، قُتل على إثرها 78 مدنيّاً على الأقل وأُصيب المئات.
أما ليبيا فما زالت منذ اندلاع ثورة 17 فبراير 2011 في مفترق طرق؛ حيث لم تستقر الأطراف الليبية المتصارعة على أرضية مشتركة لإنهاء الانقسام السياسي الذي يُعتبر بالغ التعقيد، وتقف أطراف دولية خلف إدامته.
وفي اليمن تزداد الأوضاع سوءاً؛ فمنذ تَدخُّل السعودية على رأس تحالف عسكري في مارس 2015، بحرب مع الحوثيين، دخلت البلاد في أزمات صحية واقتصادية وتعليمية وإنسانية، وشهدت البلاد ظهور أوبئة وأمراض وفقر ما زاد من معاناة السكان، مع استمرار عمليات القصف التي تحصد أرواح المدنيين، في ظل اشتداد المواجهة بين قوات التحالف العربي والحوثيين.
في العراق قد يكون الوضع مختلفاً نوعاً ما هذه المرة، وقد لا يكون ضمن أجندات القمة العربية؛ فالبلاد وبعد مشاكل وأزمات وحروب مختلفة منذ غزوها في 2003، عرفت في الأشهر القليلة الماضية استقراراً ملحوظاً من ناحية الأمن، لا سيما بعد إعلان بغداد، نهاية العام الماضي، تحريرها كامل المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة.
أما فلسطين، القضية التي تلازم القمم العربية منذ القمة الأولى التي عقدت في أيار 1946، في مصر بدعوة من الملك فاروق، فما زال الإسرائيليون يقضمون أراضيها، ونيران أسلحتهم تحصد أرواح الفلسطينيين.
وتأتي القمة التاسعة والعشرون في وقت يشهد قطاع غزة، منذ 30 مارس الماضي، مسيرات وتجمعات مناهضة للاحتلال قرب السياج الحدودي الفاصل بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة؛ للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها عام 1948.
وواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي مسيرات العودة السلمية داخل حدود غزة بالسلاح، ما أدى إلى استشهاد 34 فلسطينياً، وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين.
وعلى الرغم من أن أزمات فلسطين وسوريا واليمن وليبيا والعراق كانت طرحت في قمم عربية سابقة، لكن أزمة أخرى دخلت منذ يونيو 2017 إطار الأزمات العربية.
الأزمة الخليجية التي يقل عمرها عن السنة، تعتبر القمة الحالية أول قمة عربية تمرّ بوجودها.
وفي أوائل يونيو من العام الماضي، قرّرت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر دبلوماسياً وتجارياً، وفرض حصار بري وجوي عليها.
هذه الإجراءات جاءت بزعم دعم قطر للإرهاب، وهي التهمة التي نفتها الدوحة مراراً وبشدة، ورفضت أيضاً أي مساس بسيادتها.
وتسببت أزمة الخليج بأضرار ليس فقط لقطر والدول الخليجية، بل شمل الضرر المنطقة، خاصة من الناحية الاقتصادية.
- أجندة القمة خالية من الأزمة الخليجية
القمة التاسعة والعشرون، ووفقاً للأجندة المعلنة، ستناقش قضايا هي الأبرز في المنطقة، بينها أزمات سوريا وليبيا واليمن، إلى جانب التطورات الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب.
ومن القضايا المهمة المطروحة للنقاش، القضية الفلسطينية والصراع العربي–الإسرائيلي ومستجدّاته، والتدخّلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية.
لكن ورغم أهميتها وخطورتها في آن معاً، فإن الأزمة الخليجية لن تناقش في هذه القمة.
ذلك ما أكده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الخميس (12 أبريل 2018)، إذ قال رداً على سؤال وكالة "فرانس برس"، إنّ حلّ الأزمة الخليجية سيكون "داخل مجلس التعاون الخليجي".
جواب وزير خارجية السعودية يشير في ظاهره إلى نيّة دول الحصار حلّ الأزمة الخليجية، وطيّ صفحة الخصام، لكن عند متابعة التصريحات الرسمية لتلك الدول، خاصة الرياض وأبوظبي، يتوضح أن الحقيقة خلاف ذلك.
ففي تطور مفاجئ على صعيد الأزمة الدبلوماسية بين الدوحة والرياض ضمن الأزمة الخليجية، كُشِف النقاب في 5 يونيو 2018، عن مشروع سعودي من شأنه أن يلغي فعلياً الحدود البرية بين الدولتين، ويحول خط الحدود الرسمي إلى منطقة عسكرية، ومدفن نفايات للمفاعل النووي السعودي.
ووفقاً لصحيفة الرياض كشفت مصادر سعودية، وصفتها بأنها مطلعة، النقاب عن مشروع قناة سلوى، الذي "سيتم تمويله من جهات سعودية وإماراتية استثمارية من القطاع الخاص، على أن تكون السيادة سعودية كاملة، في حين ستتولى شركات مصرية رائدة في مجال الحفر مهام حفر القناة المائية".
وأكدت الصحيفة، نقلاً عن المصادر: "سيتم إنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جزء من الكيلو الفاصل بين الحدود القطرية وقناة سلوى البحرية، بينما سيتم تحويل الجزء المتبقي إلى مدفن نفايات للمفاعل النووي السعودي الذي تخطط السعودية لإنشائه".
وأضافت: "سيكون محيط المفاعل النووي الإماراتي ومدفنه بأقصى نقطة على الحدود الإماراتية القريبة من قطر".
واستعانت الصحيفة بمن وصفتهم بـ"خبراء جيوسياسيين"، الذين كشفوا بدورهم عن الأهداف الخفية للمشروع، التي بدت محاولة لتعريض قطر لانتهاكات سيادية.
ووصف الخبراء المشروع بأنه "سيمنح المملكة جزءاً استراتيجياً من جزيرة سلوى، التي بدورها تضم الأراضي القطرية، إضافة إلى القاعدة العسكرية السعودية؛ وهو ما يعني أن قطر بعد هذا المشروع لن تكون جزيرة مستقلة كما هي مملكة البحرين مثلاً، بقدر ما ستكون جزءاً من جزيرة سلوى التي تشترك معها السعودية عبر قاعدتها العسكرية"، وفق الصحيفة.
- سيل الدماء لم يقرع أجراس الطوارئ العربية
قطر التي وقفت باستمرار تطالب بحقوق الفلسطينيين، والعمل على إزاحة نظام الأسد عن السلطة في سوريا لتجنيب السوريين مزيداً من الدماء والتشريد، ونادت بإيقاف دعم المناهضين للحكومة الشرعية في ليبيا الذي يدفع بعجلة عدم الاستقرار إلى الدوران، بالإضافة إلى تأييدها إيقاف القتال باليمن وإنقاذ الشعب هناك من المآسي التي يعيشها، كانت تلاحظ جيداً أنه وعلى الرغم من كل تلك الدماء التي تسيل لم تُقرع أجراس الطوارئ العربية.
علاوة على هذا تواجه في القمة الحالية عدم إدراج الأزمة الخليجية ضمن القضايا التي سيتم نقاشها، ما يعني الإبقاء على حصارها، في حين أن السعودية تحتضن قمة تسعى لحل المشاكل العربية! وهو ما يشير إلى تناقض واضح خَبرته الدوحة جيداً.
يضاف إلى ذلك كله، فإن عدم جدوى أي مقررات تخرج من الجامعة العربية، عبارة يتردد صداها بين الشعوب العربية، ولطالما أكدها قادة وسياسيون ومحللون عرب؛ وهو اعتقاد رسخته نتائج القمم العربية السابقة.
هذا ما تأكدت منه قطر؛ التي أشارت إلى عدم قناعتها بما ستتمخض عنه القمة العربية المقبلة، من خلال اعتمادها مشاركة عادية.
ففي الوقت الذي يشارك ملوك ورؤساء وكبار قادة العرب، تشارك دولة قطر بوفد يترأسه سيف بن مقدم البوعينين، مندوب البلاد الدائم لدى جامعة الدول العربية، بحسب بيان لوزارة الخارجية القطرية.