الخليج أونلاين-
رغم اتهامات دول الحصار لها بدعم الإرهاب ومواصلتهم محاصرتها منذ 10 أشهر، وُجّهت الدعوة لدولة قطر لحضور القمة العربية التي استضافتها السعودية هذا الأسبوع، ثم دُعيت إلى مشاركة في تمرين "درع الخليج 1"، المقام على أرض المملكة أيضاً، وهو ما عكس بوضوح تناقض تصريحات الدول المقاطعة وتعاملاتها.
مزاعم دعم الدوحة للإرهاب استُغلّت، منذ الـ 5 من يونيو 2017، بفرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً خانقاً على قطر، رغم نفي الأخيرة المستمرّ لهذه الاتهامات. وقد فشلت المساعي الدبلوماسية التي تقودها الكويت لرأب الصدع بين الأشقاء.
المتابعون لتصعيد الأزمة المتواصل من قبل دول الحصار فوجئوا بطلب سعودي وجّهته الرياض للجامعة العربية؛ تمثّل بدعوة الدوحة لحضور قمة الظهران العربية.
وكان لافتاً أن رفرف العلم القطري في شوارع مدينة الظهران، شرقي السعودية، قبيل وخلال انعقاد القمة الأخيرة.
فقد لبّت قطر الدعوة، منتصف الشهر الجاري، بترؤّس مندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، سيف البوعينين، وفد بلاده في القمة العربية الـ 29، التي أُقيمت في الظهران، الأحد 15 أبريل 2018، بعد دعوة وجّهها أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، للقيادة القطرية، وقال إنها جاءت بناء على طلب سعودي.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، قالت، الأربعاء 4 أبريل 2018، إن بلادها تلقّت دعوة رسمية لحضور القمة. وأكّدت في حينها أن "قطر ستشارك في القمة، لكنها لم تحدد مستوى المشاركة".
ورغم أهميتها عربياً، لم تدرَج الأزمة الخليجية على جدول أعمال القمة، وهو ما عكس سعي دول الحصار لإطالة أمدها ووضع الدوحة تحت مزيد من الضغط، خاصة أن الأخيرة أظهرت صموداً ونجاحاً كبيرين في مواجهة الأزمة على كافة الصُّعد.
- عساكر قطر في الأراضي السعودية
بدا واضحاً إذن عدم قناعة الرياض وحلفائها بمقاطعة قطر وأسبابها، بل إن جيش قطر شارك بعتاده بالتمرين العسكري الأبرز في المنطقة.
كشف ذلك بيان للجيش القطري، الأربعاء 18 أبريل 2018، قال فيه إن رئيس الأركان، الفريق غانم الغانم، حضر فعاليات اليوم الختامي للتمرين، والذي أُقيم الاثنين الـ 16 من أبريل، تلبية لدعوة نظيره السعودي، الفريق أول فياض الرويلي.
وهذه المشاركة العسكرية لقطر في مناسبات تنظّمها السعودية هي الأولى منذ اندلاع الأزمة. وقد بدأت الأحد 18 مارس 2018، فعاليات المناورة العسكرية المقامة برعاية وزارة دفاع السعودية، والتي تعدّ أضخم مناورة في المنطقة من حيث عدد القوات والدول المشاركة، وأيضاً من حيث تنوّع خبراتها ونوعيّة أسلحتها، حسبما ذكرته وكالة "واس" الرسمية.
وجرت فعاليات التمرين في منطقة الجبيل (شرقي السعودية)، بمشاركة عدد من الضباط القطريين، بقيادة العميد ركن خميس الدبلان. وقد اشتمل على عدة مراحل؛ بدءاً بتمرين مراكز القيادة، ثم التمرين الميداني، واختُتم بتمرين الحرب النظامية وغير النظامية بالذخيرة الحية، إضافة إلى طابور للعرض العسكري، الذي شاركت فيه الدول الـ 25 المشاركة بالتمرين، ومنها دولة قطر.
ويهدف التدريب إلى رفع الجاهزية العسكرية للدول المشاركة، وتحديث الآليات والتدابير المشتركة للأجهزة الأمنية والعسكرية، وتعزيز التنسيق والتعاون والتكامل العسكري والأمني المشترك.
مشاركة قطر في رفع جاهزية قواتها جنباً إلى جنب مع نظيراتها الخليجية جاءت رغم محاولة دول الحصار القيام بعمل عسكري ضد الدوحة مع بدء الأزمة، وهو ما كشفه أمير الكويت، الشيخ صباح الصباح، وهو ما يضع تساؤلات كثيرة على طاولة الأسباب الموضوعية لافتعال الأزمة، خصوصاً من الرياض وأبوظبي.
لكن يبدو أن تصريح وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، الذي أشار فيه إلى أنه لا يرى مشكلة في أن تمتدّ الأزمة لعامين قادمين، كان يعكس ما تضمره الصدور، وربما كان رسالة غير مباشرة للدوحة لكي تخضع للضغوط، لكن هذا لم يحدث، ولن يحدث، بحسب تأكيدات القيادة القطرية، التي قالت مراراً إن خطوات جيرانها تهدف للسيطرة على سيادتها وقرارها الوطني.
- الإمارات تستورد الغاز القطري
الإمارات المشاركة أيضاً بالتمرين العسكري بجانب قطر والسعودية، ورغم كونها أهم مخطّطي افتعال الأزمة مع الدوحة، واصلت التعامل مع الأخيرة بشكل طبيعي باتفاقيات ذات طابع اقتصادي تنتفع منها دولة الإمارات.
ففي 13 مارس 2018، وقّعت قطر للبترول اتفاقية امتياز مع كل من المجلس الأعلى للبترول في إمارة أبوظبي -بالنيابة عن حكومة أبوظبي- وشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، والشركة المتحدة للتنمية البترولية المحدودة (شركة يابانية)، وشركة البندق المحدودة باعتبارها الشركة المشغّلة، وذلك لمواصلة تطوير وتشغيل حقل البندق النفطي البحري المشترك.
وهذه الاتفاقية هي الأولى التي توقّعها شركة حكومية إماراتية مع شركة قطرية منذ بدء الحصار. ووفق بيان لشركة قطر للبترول؛ تحلّ اتفاقية الامتياز الجديدة محلّ الاتفاقية الأصلية لاستغلال حقل البندق، الموقّعة في مارس 1953، بين حاكم أبوظبي وشركة دارسي للاستكشاف المحدودة، التي تم تعديلها أكثر من مرة منذ ذلك التاريخ.
وكانت كل من دولة قطر وإمارة أبوظبي قد وقّعتا، في مارس 1969، اتفاقية أخرى تنصّ على أن حقل البندق مملوك مناصفة بينهما.
وأكّد سعد شريدة الكعبي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للبترول، حرص "قطر للبترول" على الوفاء بالتزاماتها انسجاماً مع سمعتها العالمية كشركة نفط وطنية موثوق بها، وكمزوّد عالمي للطاقة يمكن الاعتماد عليه تحت كل الظروف وفي جميع الأحوال.
وقال الكعبي: "نحن سعيدون لتوقيع اتفاقية الامتياز التي تضمن استمرار تطوير وتشغيل حقل البندق النفطي لسنوات عديدة قادمة".
وجاء توقيع الاتفاقية الجديدة بعد انتهاء مدة الاتفاقية الأصلية، في 8 مارس 2018، حيث ستحكم متابعة تشغيل وتطوير الحقل.
كما تواصل قطر ضخّ الغاز إلى جيرانها وعلى رأسهم الإمارات، فهناك خط أنابيب تحت سطح البحر تديره شركة "دولفين للطاقة"، يمتدّ على مسافة 364 كيلومتراً؛ من محطة "راس لفان" في قطر إلى أبوظبي.
ويحمل خط الأنابيب ذلك نحو ملياري قدم مكعب من الغاز يومياً، وأغلب تلك الكمية تلبّي نحو 30% من احتياجات الإمارات من الطاقة.
هذه الإجراءات تعزّز -بحسب مراقبين- عدم قناعة دول الحصار نفسها بما تسوقه من اتهامات لحكومة قطر، التي تبدو غير منساقة وراء الرغبات السعودية والإماراتية التي باتت تضرب بالقضايا العربية والإسلامية الراسخة عرض الحائط.
- تزامن مع موقف أمريكي جديد
رغم أن الرئيس الأمريكي لم يعترض في بادئ الأمر على حصار الدوحة، "لكن يبدو أن البيت الأبيض قد غير موقفه"، بحسب ما يؤكّد سايمون هندرسون، وهو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
هذا الشهر، حمّل ترامب الإمارات مسؤولية تأخّر حل الأزمة. وقال مسؤول أمريكي لصحيفة "نيويورك تايمز"، الثلاثاء 10 أبريل 2018: إن "ترامب يرى أن الإمارات مسؤولة عن المماطلة بحل أزمة الخليج"، وإن السعودية والإمارات "قالتا إنهما سترفضان دعوة لقمّة خليجية أمريكية هذا الشهر".
وزار أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الولايات المتحدة هذا الشهر؛ تلبية لدعوة وجّهها له الرئيس ترامب، في فبراير الماضي، ضمن مساعي واشنطن لحل الأزمة، وتمهيداً لعقد قمة خليجية- أمريكية يُفترض أن تكون في مايو القادم، لكنها تأجّلت 5 أشهر أخرى.
ولفت المسؤول، الذي لم تفصح الصحيفة الأمريكية عن هويته، إلى أن الرياض وأبوظبي "تعتبران أن قمة خليجية- أمريكية تستلزم إنهاء حصار قطر"، وهو ما لا ترغب فيه دول الحصار، بحسب المسؤول.
ودفع ترامب باتجاه تسوية الأزمة الخليجية؛ لأنها أدّت إلى تشتيت التركيز بمنطقة تعصف بها النزاعات، وفق المسؤول الأمريكي. وقد أكّد ترامب ضرورة إنهاء الخلاف الخليجي، في اتصال له بأمير دولة قطر، والعاهل السعودي، مساء الثلاثاء 2 أبريل 2018.
وقال البيت الأبيض في بيان له، إن ترامب أشاد بالتزام أمير قطر بالمساعدة في إعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي، مؤكّداً ضرورة إنهاء الخلاف.
وفي الـ 12 من أبريل الجاري، قال مسؤولان أمريكيان مطّلعان: إن ترامب "طالب العاهل السعودي خلال اتصاله الأخير بأن تنهي المملكة وشركاؤها العرب الأزمة مع قطر بشكل سريع"، وإن الأمر "أحدث انقساماً بين حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة".
وذكر المسؤولان اللذان تم إطلاعهما على المحادثة وطلبا عدم الكشف عن هويّتيهما، لوكالة "رويترز"، أن ترامب يريد تسوية الخلاف من أجل استعادة الوحدة بين دول الخليج العربية وتوحيد الجبهة أمام إيران.
وقال أحد المسؤولين إن ترامب أصرّ على حل الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي الست خلال ثلاثة أسابيع؛ لأسباب من بينها قرار وشيك بشأن إيران.
ووصف مسؤول آخر نبرة ترامب مع الملك سلمان بأنها كانت "قوية"، ولم يتّضح كيف ردّ العاهل السعودي.
وينصبّ تركيز الرئيس ترامب دوماً على إيران وبرامجها النووية والصاروخية التي تهدّد دول الخليج جميعاً وكذلك "إسرائيل"، وفق المسؤول الذي أكّد أن خصومة السعوديين والإماراتيين مع قطر "لا منطق لها".
وأوضح نصّ مكتوب للمكالمة بين ترامب والملك سلمان، أصدره البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي "أكّد أهمية حل النزاع الخليجي واستعادة وحدة مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ للتصدّي لنفوذ إيران الخبيث وهزيمة الإرهابيين والمتطرفين". لكنه (النص) لم يتطرّق إلى نبرة ترامب القوية أو يتحدث عن مهلة أمريكية لحل النزاع.
كما بحث ترامب الخلاف الخليجي في اتصال هاتفي، جرى يوم 6 أبريل 2018، مع ولي عهد أبوظبي، الأمير محمد بن زايد، وفي اجتماع بالبيت الأبيض مع أمير قطر، في الـ 10 من الشهر نفسه.
ورأت كبرى الصحف الأمريكية تحوّلاً لافتاً في موقف الرئيس الأمريكي إزاء الأزمة الخليجية، وذلك في تعليقها على اللقاء الذي جمع ترامب بأمير قطر.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن الزيارة "الودية" لأمير قطر إلى البيت الأبيض شكّلت تحوّلاً ملحوظاً في موقف ترامب الذي كان يصوّر قطر مع اندلاع الأزمة الخليجية على أنها جزء من المشكلة.
بالمقابل شكّل ترحيب ترامب بالأمير دليلاً آخر على نجاح الجهود المكثّفة التي بذلتها الدوحة لنقل الحقيقة إلى واشنطن، والتأكيد أنها شريك أساسي بمكافحة الإرهاب.