جيمس دورسي - أوراسيا ريفيو- ترجمة أسامة محمد -
هناك خطة سعودية لتحويل قطر إلى جزيرة بحفر قناة محيطية طولها 60 كيلومترا عبر الحدود البرية للدولتين من شأنها أن تستوعب كومة من النفايات النووية فضلا عن قاعدة عسكرية.
وإذا تم تنفيذها، فإن تلك القناة تشير إلى اعتقاد المملكة بأن العلاقات بين الدولتين الوهابيتين الوحيدتين في العالم لن تعود في وقت قريب. ويرتبط بهذا أن فرص عودة مجلس التعاون الخليجي الست الذي يضم عمان والكويت والبحرين إلى جانب قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى دوره كهيئة إقليمية متكاملة صارت فرصا ضئيلة خاصة مع تقارير غير مؤكدة بأن الإمارات تعتزم اتباع خطى المملكة وبناء موقع للنفايات النووية خاص بها في أقرب نقطة مع حدودها مع قطر.
وبدا أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية «أنور قرقاش» يؤكد الخطة السعودية من خلال قوله على تويتر أن: «السكوت القطري على مشروع القناة دليل على خوفهم وارتباكهم».
وهذه رسالة مفادها أن مفاهيم الأخوة الخليجية ضحلة في أحسن الأحوال. ومن شأن القناة العميقة التي يبلغ عرضها 200 متر والتي يبلغ عمقها 20 مترا أن تمحو حدودا مغلقة منذ فرض المقاطعة، ومن غير المرجح إعادة فتحها في أي وقت قريب.
وسوف يتم حفر القناة على بعد كيلومتر واحد من الحدود القطرية، وستكون قادرة على استيعاب السفن التجارية. ومما يزيد الطين بلة أن نفايات القمامة النووية والقاعدة العسكرية ستكون إلى جانب القناة التي تمس الحدود القطرية.
وتهدف الخطة التي ستمول من قبل مستثمرين سعوديين وإماراتيين، وتنفذها الشركات المصرية التي ساعدت في توسيع قناة السويس، إلى إنشاء خمسة فنادق وميناءين ومنطقة تجارة حرة.
وسيكون المشروع الذي تبلغ تكلفته 750 مليون دولار جاهزا تزامنا مع تشغيل المملكة أول اثنين من المفاعلات النووية الـ16 المزمع إنشاؤها بحلول عام 2027 وتقوم السعودية بمراجعة مقترحات لبناء المفاعلات من مقاولين أمريكيين وصينيين وفرنسيين وكوريين جنوبيين ويتوقع منح عقود المشاريع في ديسمبر/كانون الثاني المقبل.
رمز للانقسام
وينطلق الجانب السعودي من حقيقة أن القناة لن تدمر فقط حدود قطر البرية بل ستخلق رمزا صارخا للانقسام الإقليمي بدلا من التكامل. كما أنها سوف ترسم خطا فاصلا بين تفسيرين للوهابية، وهي وجهة نظر سنية متشددة سُنّت من قبل «محمد بن عبد الوهاب» وهو واعظ من القرن الثامن عشر، في وقت تعهد ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» بإعادة المملكة إلى شكل «معتدل» من الإسلام.
وتتناقض الوهابية الأكثر تحررا في قطر بشكل واضح مع الوهابية التي يسعى الأمير «محمد» إلى إصلاحها حيث قدم ولي العهد العام الماضي بعض التغييرات من خلال رفع الحظر على قيادة المرأة، ومنح المرأة الحق في حضور الفعاليات الرياضية للذكور في الملاعب، وإدخال أشكال حديثة من وسائل الترفيه مثل الموسيقى والسينما والمسرح.
ونتيجة لذلك، فإن الخطة السعودية لفصل المملكة عن قطر تقطعها عن النموذج الأكثر منطقية لخطة الأمير «محمد» لإبعاد المملكة عن التمسك بأكثر أشكال الوهابية تقييدا والتي شكلت التاريخ السعودي منذ أواخر القرن الثامن عشر كما شكلت الأساس الشرعي لإنشاء الدولة السعودية الحديثة.
كانت قطر دوما دولة وهابية أكثر تحررا من السعودية، فلم يكن لدى قطر مؤسسة دينية قوية مثل تلك الموجودة في المملكة العربية السعودية، والتي قام الأمير «محمد» مؤخرا بإضعافها. ويمكن لغير المسلمين ممارسة إيمانهم في بيوت العبادة الخاصة. وأصبحت قطر راعية للفنون وأنشأت شبكة تلفزيون الجزيرة المثيرة للجدل المملوكة للدولة والتي أحدثت ثورة في المشهد الإعلامي في المنطقة وأصبحت واحدة من أهم محطات البث العالمية باللغة الإنجليزية في العالم.
وكانت ميزة قطر أنها نجحت في التغيير دون الإغراق التام للمبادئ الدينية المحافظة التي شكلت أنظمة الثقافة والمعتقد. كما أن لديها رؤية، مثل الذي يسعى الأمير «محمد» إلى تحقيقها، لمجتمع وهابي محافظ أقل تقييدا وأقل اختناقا يمنح الأفراد فرصا متساوية بغض النظر عن الجنس.
وقد قال «عبدالحميد الأنصاري»، عميد كلية الشريعة بجامعة قطر، وهو أحد قادة التحول في النموذج القطري لصحيفة وول ستريت جورنال في عام 2002: «أعتبر نفسي وهابيا حداثيا. نحن نفهم الإسلام بطريقة مفتوحة ونأخذ التغيرات في العالم بعين الاعتبار».
ولا شك في أن حملة الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والديني للأمير «محمد» تشكل اعترافا بالتغييرات اللازمة لتحويل المملكة إلى دولة بمعايير القرن الحادي والعشرين إضافة إلى ضمان بقاء حكم عائلته الاستبدادي.
ومع ذلك، إذا تم بناء القناة، فإنها ستشير أن الصراع الجيوسياسي قد حل محل المذهب الديني باعتباره سائقا لسياسة الملك المنتظر. وهي رسالة تخبر بمسار يسوده الانقسام والاستقطاب بدلا من استثمار الأخوة والتعاون الإقليمي .