محمد عبدالله- الخليج الجديد-
بينما تدرس السعودية حفر قناة على طول حدودها مع قطر وإلقاء نفايات نووية قريبا منها، وصل وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» إلى الرياض، قبل أيام، في أول رحلة خارجية له بصفته الدبلوماسي الأعلى في البلاد مع رسالة بسيطة وهي: «كفى»، بحسب ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
وفي 5 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات مع قطر، وإغلاق منافذها البرية والبحرية معها ومجالها الجوي أمام الطائرات القطرية، بدعوى دعم الدوحة للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بشدة.
ويبدو أن صبر واشنطن على ما تراه «خلافا مزعجا داخل مجلس التعاون الخليجي» قد نفد، حيث أخبر «بومبيو» وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» أنه يجب إنهاء الخلاف، وفقا لمسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية.
ومن الواضح أن مواجهة إيران وإحلال الاستقرار في العراق وسوريا، وهزيمة بقايا تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإخماد الحرب الكارثية في اليمن، يُنظر إليها في واشنطن على أنها أولويات عاجلة بشكل متزايد لا يمكن معالجتها بشكل كامل دون استجابة عربية موحدة وأكثر قوة.
يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه مصادر قريبة من البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» يسعى لإنهاء الأزمة الخليجية قبل موعد اتخاذ قراره بشأن الاتفاق النووي مع إيران في 12 مايو/آيار الجاري.
وطلب «ترامب» من وزير خارجيته «بومبيو»، عندما كان لا يزال مديرا لـ«وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إيه)، تكثيف التحرك لدى دول الخليج للمساعدة في طي صفحة الخلافات بينها قبل موعد إعلان قراره المرتقب بشأن الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الكبرى، بحسب المصادر ذاتها.
وقالت المصادر الأمريكية إن «ترامب» أرسل إلى قادة الخليج رسالة قبل نحو 20 يوما، تتضمن التأكيد على أن «مواجهة النظام الإيراني بصورة أفضل تتطلب التجانس والوحدة داخل مجلس التعاون مع تحالفات قوية مع مصر والأردن ودول أخرى صديقة».
وذكرت الرسالة بالالتزامات الأمريكية المادية والبشرية التي قدمتها دعما لأمن الخليج منذ عام 2001 وحتى اليوم، محذرة من أن تلك الالتزامات قد لا تستمر في حال لم تتخذ دول الخليج مجتمعة موقفا موحدا ضد إيران.
وشددت الرسالة على ضرورة صدور مبادرة خليجية لإنهاء النزاع وإظهار الموقف الموحد قبل القمة الخليجية الأمريكية، وأن يصدر بيان يتضمن إنهاء الحصار وفتح الحدود البرية والمجالات الجوية وعودة العلاقات الدبلوماسية على أن يظهر كل طرف مقادير معتبرة من التوافق وحل المشاكل استشعارا بخطورة ما يخطط للمنطقة.
وترى الولايات المتحدة أن بحث كل الملفات والتفاصيل وعلاجها سيأخذ وقتا طويلا، في الوقت الذي تحتاج فيه واشنطن إلى الوحدة الخليجية لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، لذا سعت لإعلان موقف عام بإنهاء الأزمة على أن تبحث التفاصيل اللاحقة تدريجيا مع كل ما تحتاجه من ضمانات.
تراجع أفريقي
ويبدو أن دول الحصار بدأت تفقد نفوذها الكامل على الدول الأفريقية التي دعمت قرار الحصار، حيث رجحت مصادر دبلوماسية في الدوحة أن تشهد الأسابيع القليلة المقبلة عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة مع جيبوتي.
وفي وقت سابق، دعت جيبوتي، في بيان لوزارة الخارجية، إلى «حل الخلاف القائم عن طريق الحوار وعبر تكاتف الدول العربية»، مؤكدة تمسكها بالحفاظ على العلاقات الطيبة مع جميع الدول العربية.
من جهتها، أعلنت تشاد، في فبراير/شباط الماضي، تراجعها عن قرار قطع العلاقات مع قطر، حيث شهد شهر أغسطس/آب 2017 إغلاق سفارة قطر في العاصمة التشادية إنجامينا، جراء الأزمة الخليجية، بعد أن كانت قد استدعت سفيرها لدى الدوحة في يونيو/حزيران 2017.
وتعد تشاد ثاني دولة تتراجع عن إجراءاتها ضد قطر، في أعقاب قرار دول الحصار الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) قطع علاقاتها مع قطر ومحاصرتها، حيث أعلنت السنغال في شهر أغسطس/آب من العام الماضي، إعادة سفيرها إلى الدوحة بعدما كانت قد سحبته للتشاور.
وقالت الحكومة السنغالية في بيان حينها «إن إعادة السفير تهدف إلى التشجيع على استمرار المبادرات الجارية وفي سبيل التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة بين دولة قطر والدول المجاورة لها، وبروح التضامن الإسلامي، معربة عن استعدادها للمساهمة في كل الجهود في هذا الاتجاه».
وباستثناء موريتانيا، التي أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، فشلت الضغوط التي مارستها دول الحصار في إقناع العديد من الدول في القارة الأفريقية في قطع علاقاتها مع قطر، حيث قاومت الصومال بشدة هذه الضغوط رغم الظروف الصعبة التي تعيشها.
تململ أردني
ويبدو أن الأردن في طريقه لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع قطر وخاصة مع مرور العلاقة بين الأردن والسعودية بحالة تتراوح بين الفتور والتوتر المكتوم، لا سيما بعد تباين وجهات نظر الرياض وعمان حيال تطورات القضية الفلسطينية وصفقة القرن وقضية القدس، علاوة على سعي دوائر سعودية إلى التأثير على العلاقات الاستراتيجية الأردنية الأمريكية.
ومن الشواهد على الاقتراب الأردني ناحية الدوحة الزيارة التي قام بها وفد أمني قطري، أمس الإثنين، إلى العاصمة الأردنية عمان، لبحث تبادل الخبرات في المجالات الأمنية.
فقد أفادت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية «بترا» أن مدير الأمن العام الأردني اللواء «فاضل الحمود»، بحث مع مدير عام مكافحة المخدرات في دولة قطر العميد «أحمد الكواري» والوفد المرافق له أوجه التعاون وتبادل الخبرات الشرطية.
ونقلت الوكالة عن اللواء «الحمود» قوله، خلال اللقاء: «نسعى دوما لرفع مستوى التنسيق والتعاون مع كافة الأجهزة المعنية بمكافحة المخدرات في مختلف الدول الشقيقة والصديقة خصوصا في المجالات التدريبية وتبادل الخبرات الأمنية».
وأكد أن مديرية الأمن العام الأردنية لن تتوان عن تقديم خبراتها الشرطية بما يخدم كافة الأجهزة الأمنية للأشقاء والأصدقاء.
وتأتي الزيارة بعد يوم من وصول وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأردني «عادل الطويسي»، إلى الدوحة، أول أمس الأحد.
وألقى الوزير الأدرني محاضرة في معهد الدوحة للدراسات العليا، بعنوان «التعليم العالي في الأردن مسيرة نحو العالمية».
وتعد هذه أول زيارة من مسؤول أردني إلى قطر، بعد الأزمة الخليجية، حيث قرر الأردن فور اندلاع الأزمة تخفيض تمثيله الدبلوماسي مع قطر، وتقييد نشاط قناة «الجزيرة»، وتعطلت الصادرات الأردنية إلى قطر، التي كانت تتم عبر أراضي السعودية، إذ أغلقت الأخيرة المعبر البري الوحيد مع قطر عقب الحصار.
وفي 26 مارس/آذار الماضي، أعلنت الهيئة العامة للطيران المدني القطرية (حكومية)، توقيع مذكرة تفاهم مع نظيرتها الأردنية، لزيادة حقوق النقل بين البلدين.
وتاتي التطورات الإيجابية من ناحية الأردن تجاه قطر بعد أن دعا نواب أردنيون عبر مذكرة نيابية، بإعادة النظر في قرار تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، مطالبين بعودة سفير قطر في الأردن، «بندر بن محمد العطية» إلى عمّان.
ويعد تراجع عدد من الدول عن قرار قطع العلاقات مع الدوحة دليلا على ضعف تأثير دبلوماسية دول الحصار، وفشلها في دعم حججها واتهاماتها التي ساقتها ضد قطر طوال الشهور الماضية، فيما يبدو أنه لم يتبقى من حصار قطر سوى أن تجد دول الحصار طريقة مناسبة لإعلان إنهائه دون أن يمس ذلك غرورها وكبرياءها.