ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

جباية ترامب وجناية التطرف الخليجي

في 2018/05/03

مهنا الحبيل- الوطن القطرية-

هل تحدث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب مؤخراً، بروح وقناعات مختلفة، عن بقية رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، في منظورهم المهين لإقليم الخليج العربي، وأنه دكان استنزاف مؤمّم، يدفع فقط ما يُطلب منه، وليس شريكاً استراتيجياً، ولا سياسياً ولا حتى رديفا دوليا.

أم أن هذه الروح، هي قصة واجهة الهيمنة الأميركية، التي مثلّت سياسة واشنطن من عقود، منذ أن ورثت الانتداب الإنجليزي، الذي حدد خرائط المنطقة، غير أن واشنطن استبدلت الانتداب بالهيمنة الكلية، وبالتالي لم يتحقق للدول القُطرية كامل الاستقلال.

الحقيقة أن ترامب لا يمثل فارقاً، في المنظور الكلي، للتعاطي الأميركي في الخليج العربي، غير أن الاختلاف هو في وقاحته وحماقته، فالثانية عرّضت توازنات العالم، في حقل النفط الكبير، والجغرافيا الحيوية، لضفتي الخليج، إلى اضطراب واسع، إثر تشجيعه فوضى وانفجار العلاقات البينية، للمجلس الخليجي الحليف رسميا لواشنطن.

وشجعت حماقاته، فوضى عودة الغزو الجاهلي، سياسياً وعسكرياً، والتهديد به عبر طرف الأزمة المتطرف، ليحصد ما حصده منه، ومع ذلك لم يشبع، ولن يشبع في نهبه المتواصل، لثروات المنطقة، والجبايات الشبقة التي تسعى له، للحصول على دعمه كرئيس، للفكر المتطرف السياسي الرسمي في الخليج، أو لإسكاته للطرف الآخر.

ومن شواهد حماقات ترامب التي تحرج حلفاءه، أنه لا يستطيع أن يتوقف فترة زمنية، بين استلام كل جباية وجباية، وكأنه صاحب دكّان (حراج)، كما نسمّيه في العرف الخليجي، فيتبع التحريض لشراء سلعة أمنه المزعوم، مرة بعد مرة.

ولكن دخول الرئيس الفرنسي ماكرون اليوم، هو دلالة للعبة توازن المركز الغربي التاريخي، ومصالحه العميقة، فماكرون كمفوض من أوروبا القديمة، تسلّم الملف لضبط إيقاع أميركا، التي نعتها الرئيس جورج بوش الابن بأوروبا الجديدة، مذكرا للقارة العجوز، أن الجديدة هي من تضمن بقاء الإرث الاستعماري، ومصالحه، بعد أن غابت شمس بريطانيا عن الشرق.

وهي عملية تدخل ناعمة، يحتاجها أحمق البيت الأبيض، تعيد صياغة الموقف في استراتيجيات المنطقة، وتسحب زخم الحرب، عبر التفاوض العائد مع طهران، ولنلاحظ هنا أن الغرب يفاوض طهران باحترام، رغم كل ضجيجه على فارس، أما عرب الخليج فيرسل لهم فواتيره، يا له من خزي تاريخي.

غير أن ترامب يكذب بوقاحة لا متناهية، فما زعمه من 7 تريليونات، هي أموال معادة التدوير لصالح الاقتصاد الأميركي، فمنذ بدء حركة تصدير النفط عبر الشركات الأميركية، موبيل وشل في حقل الغوار بمنطقة الأحساء شرق السعودية.

والأحساء هو مسماها العربي والرسمي حتى 1979، قبل تغييره للمنطقة الشرقية، كمسمى ملائم للأميركيين والطبيعة الدولية للإقليم، وظلت امتدادات الشركتين في بقية دول الخليج العربي، والنفط يتدفق على شركات الجنوب الأميركي، بأسوأ وأجحف العقود.

ولم تتغيّر هذه المعادلة، إلا بعد كفاح الحركة الوطنية في الأحساء، والاضرابات التي قادها مناضلوها، ومنهم صاحب أطول اضراب عن الطعام، في الحركة العمالية في الخليج، عبد الرحمن بن عيد الناجم، وكفاح الفريق الثقافي العمالي المفاوض، الذي قاده السيد عبد الله الهاشم، من أبناء الاحساء رحمهم الله.

ولم يستطع الوزير العروبي، د. عبد الله الطريقي رحمه الله، من تعديل الاتفاقات، السعودية لصالح الدولة ذاتها، ولصالح العمال العرب، في مركز الشركة في مدينة الظهران، العاصمة الاقتصادية لمنطقة الأحساء، حيث كانت عاصمتها الإدارية والسياسية آنذاك، مدينة الهفوف، الا بعد تضحيات أولئك المناضلين، ومع ذلك استمرت أرامكو الأميركية، مهيمنة على التنقيب وحقول النفط، وحتى بعد سعودتها، تم ضمان هذه المصالح للأميركيين.

فأين هذه التريليونات المزعومة التي يزعمها ترامب؟

إن وقاحة الرجل، باتت تعيد حساب الفواتير التي سددها نفط المنطقة، لصالح خزينة الغرب، بأنها خسائر لواشنطن!

فهو ينفق ويُدير حروبه، من عائد حقول النفط التي ينهبها من الخليج العربي، ثم يحسبها على الدكان المؤمم، بكل وقاحة، أما من قبله في البيت الأبيض، فقد كانوا يعلمون بأن هذا الكنز المتدفق فرصة، فلا بأس من التوصيف بشراكة استراتيجية، تضمن تدفق هذه المصالح، حتى لا تفسد الأجواء العامة، ويضغط المزاج الشعبي الوطني، على منظومة دول المنطقة.

إنه تاريخ حالك في السواد، وكانت المفاجأة الصادمة، أن يتحوّل قائد الدبلوماسية السعودية، د. عادل الجبير، فور خطاب ترامب للتحريض على قطر، بموجب اعلان ترامب، الذي يشمل دول الخليج العربي وخاصة السعودية، وكأنه ناطق باسم البيت الأبيض.

فكيف يُقدم وزير خارجية، على أمر لا يتورط فيه دبلوماسي مبتدئ، للقيام بهذا الدور الخطير استراتيجيا على دولته، والمسيء لشخصية المملكة العربية السعودية الاعتبارية، وهو يُقدم اعترافاً ومباركة، للقاعدة التي أعلنها ترامب، في تطوير طريقة الدفع والاستنزاف.

ولا يوجد في الحقيقة، أيُ مساحة، على وضع هذا السلوك السياسي، في إطار دبلوماسي مفهوم، إن جنوح التطرف الخليجي الذي قاد الأزمة، بات يوصل الوضع إلى حافة انهيار كامل، ولماذا؟

لكي يُخرَج من الأزمة، بأي نصر سياسي بعد الحرج والاصطدام بحائطها، والسؤال هنا:

أليس من صالح الرياض أن تخرج من هذه المرحلة، التي دفعتها فيه امبراطورية أبو ظبي المزعومة، وتبدأ بمراجعة عقلية تقرأ هذه الخسائر الكارثية، ثم تصحح المسار بتصحيح العلاقة مع الدوحة، والتوجه لها ثنائياً لفك الاشتباك لصالح المملكة، كدولة مركزية مسؤولة قبل أي دولة أخرى.

ما الذي تجنيه اليوم الرياض، من خطف التطرف الظبياني لها، الذي أحاط بها إحاطة السوار بالمعصم، ماذا بعد هذا الاضطراب الواسع، في السياسة الخارجية، والخصوم المتكاثرون، والرأي العام العربي والإسلامي الغاضب، والحرب الأهلية التي تستعجلها أبو ظبي، بين الدولة والتيار الديني.

أي محلل استراتيجي يدرك، أن هناك مآلاً واحداً لمثل هذه السياقات، وهو سقوط الدولة السعودية والتقسيم، والمزيد من برك الدماء في المنطقة، فمتى يعيد ولي العهد السعودي حساباته، قبل أن يسبق السيف العذل.