فايننشيال تايمز-
قالت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية أن قطر تواجه واحدة من أكبر تحدياتها الخارجية، مؤكدة أن محاولات قطر تجاوز الحصار المفروض عليها منذ عام تقريبا قد نجحت.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدوحة تنفق 200 مليار على البنية التحتية، وتفتح خطوطا جديدة للتجارة، متسائلة عما إذا كان هذا الوضع قابلا للاستمرار.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته صحيفة «القدس العربي»، إلى أن الصدع بين حلفاء الولايات المتحدة أدى إلى مواجهة بعضهم، ما أثر على خطط واشنطن مواجهة الإرهاب وإيران، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تقوم بنشاط واسع للتوصل إلى تسوية، إلا أن هناك من لا يعتقد بقرب حل للأزمة، خاصة أن الرياض وأبو ظبي راضيتان عن حصار قطر.
وتذكر الصحيفة أن قطر تحاول مواجهة الحصار وأثره الاقتصادي، من خلال استثمار 200 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية، من طرق وخطوط سكك حديدية، بالإضافة إلى أن الحكومة وجهت 50 مليار من الصندوق السيادي لحماية النظام المصرفي وسعر الصرف.
وينقل التقرير عن المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي «جهاد أزعور»، قوله: «استطاعت قطر التكيف من خلال عدد من الإجراءات للتعويض عن مخاطر التجارة والتمويل».
يضيف «أزعور»، «لكنه ليس الوضع الأمثل، فإن أي فرق تجاري مع الدول الجارة يؤثر على مواقف الاستثمار».
التأثير على النمو الاقتصادي
وبحسب التقرير، فإن الحصار أثر على النمو الاقتصادي، وأدى إلى زيادة كلفة الاستيراد الخارجي، بحيث أجبر الحكومة على سحب 340 مليار دولار من حساباتها الخارجية لدعم النظام المالي، الذي لا يزال عرضة لنقص العملة الصعبة، كما يقول التجار المحليون.
وتشير الصحيفة إلى أن أسهم قطر من الثروة السيادية في بعض الشركات الخارجية مثل «تيفاني أند كوك» و«كريدت سويس» انخفضت؛ من أجل حرف المال للإجراءات المحلية الطارئة، منوهة إلى أن الحكومة القطرية أصدرت في الشهر الماضي صكوكا بقيمة 12 مليار دولار.
ويلفت التقرير إلى أن مطالب الرباعي المحاصر الأولى، التي اشتملت على إغلاق قناة «الجزيرة»، والقاعدة العسكرية التركية في البلد، خفضت إلى ستة مطالب، منها مواجهة التطرف، وعدم التدخل في شؤون الجيران، مشيرا إلى أن قطر تنفي هذه الاتهامات، وترفض أي قيود على سيادتها.
وترجح الصحيفة أن يزيد قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترام» الأسبوع الماضي الخروج من الاتفاقية النووية من مصاعب قطر، التي تعتمد في خطوط النقل على جارتها إيران، بالإضافة إلى عُمان والكويت، اللتين تحاولان تطوير العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.
ويورد التقرير نقلا عن مسؤولين قطريين، قولهم إن مستوى التبادل التجاري مع إيران هو في الحد الأدنى مقارنة مع مستوى التجارة الإيرانية مع إمارة دبي.
ونقلت الصحيفة عن المتحدثة باسم الخارجية القطرية «لؤلؤة الخاطر»، قولها إن «الإمارات تسيطر على نسبة 90% من التجارة بين دول مجلس التعاون الخارجي وإيران وحتى بعد حصار قطر»، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري زاد بعد الحصار، لكنه يظل أقل من تبادل الإمارات.
ويجد التقرير أن «قطر وقد تجاوزت الحصار، فإنها تقوم الآن بتعزيز النمو، وملء رفوف المحلات ومراكز التسوق المنتشرة في المناطق الحضرية، فالعجز بنسبة 1.6 من الدخل الإجمالي المحلي العام الماضي سيتحول إلى فائض بنسبة 2.8% عام 2018، خاصة أن أسعار النفط تقترب من 80 دولارا للبرميل».وتكشف الصحيفة عن أن مستويات النمو في القطاعات غير النفطية تصل إلى 4% هذا العام، أفضل من المستويات التي تتمتع بها الدول الجارة لقطر، منوهة إلى أن النمو الاقتصادي المحلي ظل على ما كانت عليه قطر في الماضي، حيث وصل النمو في الفترة ما بين 2000- 2014 إلى نسبة 12%، وهي المرحلة التي زاد فيها عدد السكان من 600 ألف نسمة إلى 2.5 مليون نسمة.
وينوه التقرير إلى أن زخم النمو كان يتباطأ قبل الحصار، حيث بدأ ينتقل إلى قطاع الخدمات والتجزئة والضيافة، وقال مستشار غربي: «لم يتأثر سوى 15% بسبب الحصار.. الباقي هو عملية تصحيح كانت ستحدث».
وتذكر الصحيفة أن الحكومة القطرية، التي تعد أكبر مصدر في العالم للغاز المسال، تقوم بتوسيع عقودها لتزويد طويل الأمد مع بنغلاديش وفيتنام، وأعلنت عن شركات جديدة مع القطاع الخاص لمناطق لوجيستية، ومشاريع بنى تحتية.
وينقل التقرير عن وزير المالية «علي شريف العمادي»، قوله إن تغيير القانون للسماح للأجانب بالاستثمار في قطر دون كفيل محلي، وامتلاك عقارات، قد يجعل من بلاده مكانا جاذبا للاستثمار، مشيرا إلى أنه دون الاعتراف بالمفارقة حول عزلة قطر، وتحولها إلى مركز تجاري، يقول العمادي إن الخطوط الجوية ومينائها الجديد قد يغذي النمو.
وتورد الصحيفة أن مسؤولين يتحدثون عن إعادة تسمية البلد إلى «قطر العالمية»، وتوسيع مداها أبعد من شركائها التقليديين، حيث يقول «العمادي»، «سنكون إحدى أكثر الدول التنافسية في المنطقة في مجال الاستثمار المباشر».
وأشار إلى أن بلاده اجتذبت 774 مليون دولار من الاستثمار المباشر عام 2016، أقل من مليار عام 2015، وأدنى بكثير من 3.6 مليارات قبل الأزمة، والمعدل ما بين 2006- 2007.
ويفيد التقرير بأنه على المستوى المحلي، فإن الشعب توحد وراء الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، وزينت صوره المرسومة بالرصاص البنايات كلها تقريبا، وتحول الأمير الشاب (37 عاما) إلى بطل شعبي، لافتا إلى أن هناك الكثير من العاملين الأجانب يعلقون صوره، ويشجعون قطر على هزيمة الحصار.
وتنقل الصحيفة عن الطالبة في جامعة جورج تاون في قطر، «هيا الوليد آل ثاني»، قولها: «وحد الحصار البلد كله: مواطنين ومقيمين وطلابا.. حتى لو حلت المشكلة فلن نزور هذه الدول ولسنوات ولن نثق بها، كيف يمكننا الذهاب؟».
ويشير التقرير إلى أن قطر عانت من الوضع ذاته عام 2014، عندما قامت السعودية والبحرين والإمارات بسحب السفراء، مستدركا بأنه رغم الاتفاق الذي أدى إلى تسوية المشكلة، إلا أن القطريين حضروا مخزونا غذائيا استراتيجيا؛ تحضيرا لليوم الذي يحول فيه الجيران بلدهم إلى جزيرة.
وتذكر الصحيفة أن حالة من الفزع حصلت بعد الحصار، أدت إلى إفراغ رفوف المحلات التي تم ملؤها مرة أخرى، مشيرة إلى أن قطر تقوم من خلال ميناء حمد، الذي يعمل بقدراته الكاملة منذ عام 2016، بإعادة تشكيل خطوط الإمدادات، وفتحت عشرة خطوط مع دول مختلفة، من عمان وتركيا إلى الهند والصين.
ويورد التقرير نقلا عن التجار في سوق الدوحة القديم، قولهم إنهم يستطيعون الحصول على احتياجاتهم من هذه الخطوط، إلا أن الكثيرين لا يزالون يعتمدون على شحن البضائع من دبي عبر عمان المحايدة بشكل زاد من الأسعار، لافتا إلى أنه على المستوى الوطني، فإن التضخم زاد في مجال الشحن والطعام، مع أن فتح خطوط جديدة يعني انخفاضه.
وتقول الصحيفة إن «الأمن الاقتصادي» أحيا الفكرة التي لم تكن متداولة حول «»بديل المستورد«»، أي استبدال المستورد بمنتجات محلية، فالبقالات التي كانت تمتلئ بالخضراوات والألبان السعودية تمتلئ الآن بالحليب والألبان المنتجة محليا، والفواكه من إيران، والخضراوات من بنغلاديش، فيما يقوم القطريون بتربية المواشي وإنتاج الخضراوات وبيعها في أسواق المزارعين في المدينة.
ويكشف التقرير عن أنه في تحول آخر حول الاكتفاء الذاتي، فإن مؤسسة مالية تحضر لطرح صناديق أسهم خاصة، حيث قال وزير التجارة والاقتصاد «محمد آل ثاني»: «يمكننا الخروج من التهديد.. نعلم أننا ننتصر ونخسر».
وتستدرك الصحيفة بأن المسؤولين السعوديين والإماراتيين يعتقدون أنهم قادرون على مواصلة الحصار بأثر قليل عليهم، مشيرة إلى أنه مع اقتراب عام 2022، فإن الضغوط ستزيد للتوصل إلى تسوية بين الأطراف، إلا أن الحديث القوي من الدوحة يمنح انطباعا بأن الحل بعيد.
ويذكر التقرير أن ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» وصف الحصار في مارس/آذار، بأنه أمر «لا قيمة له»، فيما تقول الإمارات الداعم القوي للحصار، إن «الأزمة أجبرت قطر على التركيز على اقتصادها، وعدم التدخل في محاور النزاع في ليبيا وسوريا».
وتلفت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، الذي وقف مع دول الحصار في البداية، اقتنع بالدفع باتجاه الحل، وقام وزير خارجيته «مايك بومبيو» بزيارة إلى الرياض في أبريل/نيسان، كي يدفع للتسوية.
وأشارت إلى قول «الخاطر»، «نحن مستعدون لمعالجة مظاهر القلق، لكننا بحاجة لجيراننا لمعالجة مطالبنا.. فأن يقرروا في ليلة وضحاها محاصرتنا وطرد مواطنينا.. يجب عليهم احترام سيادتنا».
وتختم الصحيفة البريطانية، تقريرها بالإشارة إلى أن القطريين يؤكدون أن الشراكات الجديدة هنا لتبقى، وليست لديهم نية للعودة إلى الشراكات القديمة مع دول الخليج، حيث يقول «العمادي»، «سنواصل عمل ما هو مفيد لاقتصادنا».
وفي 5 يونيو/حزيران 2017، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت عليها حصارا بريا وجويا، بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بشدة.