الخليج أونلاين-
تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لحصار قطر الذي قلب موازين السياسة الخليجية، وأربك التحالفات الدولية التي تشكل دول الخليج العربي عصبها.
وتحاول السعودية والإمارات والبحرين ومصر الإبقاء على الحصار الذي بدأته في 5 يونيو 2017، لزعزعة قطر التي ترفض النيل من قرارها الوطني، في حين تقول الأخيرة إنها لن تتنازل عن سيادتها ولو استمر الحصار إلى الأبد.
لكن يبدو أن اليأس تسلسل إلى نفوس المحاصرين وبدؤوا يستسلمون إلى الأمر الواقع أن إرادة قطر لم تكسر، وأن حل الخلاف يكون بالحوار ولا شيء غيره، دون إغفال الموقف الأمريكي الذي يؤكد ضرورة حل الأزمة الخليجية بأسرع وقت ممكن.
-إقرار بالفشل
مؤخراً بعثت دول الحصار برسالة غير مباشرة إلى دولة قطر، مفادها أنها قد تتراجع عن شروطها الثلاثة عشر التي طرحتها في يونيو 2017، وتعيد العلاقات إلى ما كانت عليه قبل هذا التاريخ "إذا قطعت الدوحة علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين".
فخلال جلسة نقاشية نظَّمها مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي، الاثنين 14 مايو الجاري، بحضور رئيسة المركز ابتسام الكتبي، وعلي راشد النعيمي رئيس دائرة التعليم والمعرفة في الإمارات، ونبيل الحمر مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام، والإعلامي السعودي المقرّب من دوائر القرار في الرياض عبد الرحمن الراشد، وهم كبار منظري الحصار، أقروا بأن الحصار الاقتصادي المفروض على قطر منذ عام "فشل في تحقيق الغاية منه"؛ بسبب قوة الدوحة الاقتصادية والمالية، على الرغم من إشارتهم إلى أن الحصار سيؤثر على قطر اقتصادياً على المدى البعيد.
ووفقاً لصحيفة "البيان" الإماراتية الرسمية؛ فقد انتهى المشاركون في الجلسة إلى أن المقاطعة "كبدت قطر خسائر مالية واقتصادية كبيرة"، لكنهم أشاروا في الفقرة ذاتها إلى أن "قطر دولة ثرية؛ ولديها أصول أجنبية ثابتة، واحتياطي مالي كبير"، فضلاً عن وارداتها من الغاز والنفط.
وبحسب التوصيات التي ألقتها رئيسة المركز في نهاية الجلسة، فإنه "يمكن لقطر بهذه الأدوات أن تتغلب على آثار المقاطعة في الأجل القصير"، في إقرار ضمني بفشل الحصار في عامه الأول.
ومن بين السيناريوهات التي طرحتها الكتبي، والتي تمثل الرسالة غير المباشرة التي أرادت دول الحصار إرسالها من خلال هذا النقاش، التوصل إلى "مقايضة" بين الدول الأربع وقطر؛ تقوم على تقليص هذه الدول مطالبها مقابل قطع قطر علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين.
في المقابل، أضافت الكتبي: "ستقوم الدول الأربع برفع العقوبات، والعودة إلى علاقات ما قبل الأزمة تقريباً"، وذلك في إشارة إلى تراجع دول الحصار عن مطالبها الـ13 التي أعلنت قطر رفضها بشكل كامل.
وكان من أبرز هذه الشروط، قطع العلاقات مع جماعة الإخوان وإيران، وإغلاق قناة الجزيرة والقاعدة العسكرية التركية في قطر.
وتأتي هذه الرسالة في حين تواصل الدوحة تحليقها فوق آثار الحصار على المستويات كافة، وفي وقت تتعرض فيه السعودية والإمارات تحديداً، لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة لإنهاء هذه الأزمة، التي تؤثر على مكافحة الإرهاب وتمدد نفوذ إيران بالمنطقة.
وسبق أن حاولت دول الحصار حرف النظر عن الفشل الذي تعيشه استراتجيتها ضد قطر، خصوصاً مزاعم وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في يناير الماضي، التي قلل فيها من أهمية العلاقات والاتفاقيات التي تربط دولة قطر بدول الاتحاد الأوربي في مختلف المجالات، ليرد مدير المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية القطرية، أحمد بن سعيد الرميحي، عليه بأن "بلادك تعيش مأزق الـ13 مطلباً التي لم ولن يتحقق منها شيء".
وقال الرميحي: "الأوروبيون يدركون أيضاً حجم أكاذيبكم التي لم تنطلِ عليهم، وأنتم من يعيش في مأزق المطالب الـ13 التي لم ولن يتحقق منها شيء".
وهم يدركون ايضا حجم اكاذيبكم التي لم تنطلي عليهم ، وانتم من يعيش في مأزق ال 13 مطلب التي لم ولن يتحقق منها شيئاً
— أحمد بن سعيد الرميحي (@aromaihi) ٢٣ يناير ٢٠١٨
- خطوات كبيرة
ورغم أن الرئيس الأمريكي لم يعترض في بادئ الأمر على حصار الدوحة لكن لاحقاً غيرّ موقفه، خصوصاً عقب عقد المنتدى الإستراتيجي القطري - الأمريكي في فبراير الماضي والذي أكد حرص واشنطن على السيادة القطرية.
ترامب حمّل، في أبريل الماضي، صراحةً، الإمارات مسؤولية تأخُّر حل الأزمة، وقال مسؤول أمريكي لصحيفة "نيويورك تايمز"، الثلاثاء 10 أبريل 2018: إن "ترامب يرى أن الإمارات مسؤولة عن المماطلة في حل أزمة الخليج"، وإن السعودية والإمارات: "قالتا إنهما سترفضان دعوة لقمّة خليجية-أمريكية هذا الشهر".
وزار أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الولايات المتحدة في ذلك الشهر؛ تلبية لدعوة وجّهها له ترامب، في فبراير الماضي، ضمن مساعي واشنطن لحل الأزمة، وتمهيداً لعقد قمة خليجية-أمريكية كان من المفترض أن تكون في مايو الحالي، لكنها تأجّلت 5 أشهر أخرى.
وقال البيت الأبيض في بيان له، إن ترامب أشاد بالتزام أمير قطر بالمساعدة في إعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي، مؤكّداً ضرورة إنهاء الخلاف.
ضغوط ترامب هذه واعترافه الصريح بالدور القطري في مجال مكافحة الإرهاب، ظهرا جلياً في خطوتين كبيرتين على مستوى الشرق الأوسط، كانت واشنطن فاعلة فيهما.
حيث دُعيت قطر إلى مشاركة في تمرين "درع الخليج 1"، المقام على أرض السعودية في أبريل الماضي، وهو ما عكس بوضوحٍ تناقُض تصريحات الدول المقاطعة وتعاملاتها.
ويهدف التدريب إلى رفع الجاهزية العسكرية للدول المشاركة، وتحديث الآليات والتدابير المشتركة للأجهزة الأمنية والعسكرية، وتعزيز التنسيق والتعاون والتكامل العسكري والأمني المشترك.
مشاركة قطر في رفع جاهزية قواتها، جنباً إلى جنب مع نظيراتها الخليجية، جاءت رغم محاولة دول الحصار القيام بعمل عسكري ضد الدوحة مع بدء الأزمة، وهو ما كشفه أمير الكويت، الشيخ صباح الصباح، ما يضع تساؤلات كثيرة على طاولة الأسباب الموضوعية لافتعال الأزمة، خصوصاً من الرياض وأبوظبي.
الخطوة الثانية التي عكست الدور القطري الفاعل في مكافحة الإرهاب كان مشاركتها إلى جانب واشنطن ودول الخليج الأخرى في فرض عقوبات جديدة على قيادة مليشيا "حزب الله" اللبنانية، شملت أمينها العام حسن نصر الله ونائبه نعيم قاسم.
وسبق هذه الخطوةَ تسليمُ وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، رسالة لنظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شدد فيها على ضرورة حل الأزمة الخليجي؛ لكون النزاع يصبُّ في مصلحة إيران، بحسب ما ذكرته الخارجية الأمريكية، كما أشاد خلالها بومبيو بالجهود التي تبذلها الدوحة لمكافحة تمويل الإرهاب.
وزارة الخزانة الأمريكية ذكرت في بيان لها الأربعاء 17 مايو 2018، أن العقوبات فرضتها واشنطن وشركاؤها في مركز "استهداف تمويل الإرهاب"، الذي يشمل السعودية والبحرين والكويت وعُمان وقطر والإمارات.
واعتبر البيان أن "مجلس التعاون الخليجي أظهر مرة أخرى مساهمته الكبيرة في الأمن الدولي، من خلال تعطيل إيران ونفوذ حزب الله في المنطقة؛ من خلال استهداف مجلس الشورى التابع للحزب".
وفي هذا الإطار، وفي حين ينصبّ تركيز ترامب دوماً على إيران وبرامجها النووية والصاروخية ومليشياتها التي تهدّد دول الخليج جميعاً، بات العالم يدرك أن خصومة السعودية والإمارات المفتعلة مع قطر "لا منطق لها".