وكالات-
الأزمة الخليجية التي تطل على عامها الثاني، ظلت منذ اندلاعها قائمة دون التوصّل لحل، رغم جهود وساطة متعددة الجوانب بدأتها الكويت بشكل رسمي، بمباركة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
وإلى جانب الوساطة الكويتية، ثمة جهود بذلتها دول عدة في إطار وساطة ثنائية، أو دعم للوساطة الكويتية.
وكانت الجهود الأمريكية هي الأكثر إثارة للاهتمام من قبل أطراف الأزمة، من منطلق إدراك الجميع لقوة تأثير واشنطن خلافا لغيرها من الدول، وبالأخص الجهود التي يدعمها الرئيس «دونالد ترامب» شخصيا.
ومنذ بداية الأزمة في 5 يونيو/حزيران 2017، ظل موقف «ترامب» متناقضا ومتذبذبا من الأزمة، بوقوفه إلى جانب دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر).
وبحلول يوليو/تموز 2017، أصدر «ترامب» تعليماته لوزير خارجيته (آنذاك) «ريكس تيلرسون»، بدعم الوساطة الكويتية، بعد جولات من المباحثات بالعاصمة القطرية الدوحة، وعواصم أخرى، وإيفاد مبعوثين أمريكيين في أكثر من مرة.
كما أن زيارة أمير الكويت «صباح الأحمد الجابر الصباح»، إلى واشنطن، ولقائه «ترامب» في 7 سبتمبر/أيلول 2017، شكّلت محطّة فارقة في مسار أزمة وصفها «الصباح» بالمعقدة، رغم «تفاؤله بحلها قريبا جدا».
ففي تلك الزيارة، أعلن «ترامب» احترامه لوساطة الكويت ودعمه لها، مع استعداده شخصيا للتوسط بين قطر والإمارات والسعودية.
وعقب مغادرة «تيلرسون» منصبه، في مارس/آذار الماضي، الذي خلفه فيه «مايك بومبيو»، بات مركز القرار في البيت الأبيض أكثر انسجاما وتوافقا في الرؤى بشأن ملفات الشرق الأوسط، مع إعطاء الأولوية للحرب على الإرهاب.
وبدا واضحا أن «ترامب» اعترف صراحة بالدور القطري في مكافحة الإرهاب، كما أن مشاركة الدوحة في مناورات «درع الخليج 1» في السعودية، يصب في ذات الاتجاه الأمريكي، الذي يقترب كثيرا نحو اليقين بسلامة الموقف القطري من تهم «دعم الإرهاب وتمويله».
وتكتمل رؤية واشنطن في سلامة الموقف القطري بمشاركة الدوحة الولايات المتحدة ودول الخليج العربية مجتمعة، في إقرار عقوبات جديدة، في 17 مايو/أيار الجاري، على قيادات وكيانات مرتبطة بـ«حزب الله» اللبناني؛ الحليف الأوثق لإيران طيلة عقود.
ومن المفيد الإشارة إلى أن العقوبات الأمريكية الخليجية المشتركة، بما فيها قطر، على قيادات «حزب الله»، تأتي في اليوم نفسه الذي تحدث فيه «بومبيو» هاتفيا مع نظيره القطري، «محمد بن عبدالرحمن آل ثاني»؛ لبحث إنهاء الأزمة الخليجية.
ورأت الخارجية الأمريكية في الموقف الخليجي الموحد من «حزب الله»، مساهمة كبيرة في إحلال الأمن الدولي من خلال «تعطيل» إيران ونفوذ حزب الله في المنطقة، عبر العقوبات التي استهدفت مجلس شورى الحزب وقياداته.
وبالتوازي مع الحراك الأمريكي الجديد، سلمت الوساطة الكويتية رسائل من أميرها إلى قادة الدول الخليجية المعنية بالأزمة، أكدت فيها على خطورة تأخير الحل، وبقاء التدخلات الإقليمية والدولية التي يمكن لها أن تستنزف الجسم الخليجي.
وترى الكويت أن انتظار الحل الدولي، في إشارة إلى قمة أمريكية خليجية متوقعة في سبتمبر/أيلول المقبل، وعدم حلّ الأزمة في إطار البيت الخليجي، سيؤدي إلى رفع تكلفة الحل، وتحميل مجلس التعاون لدول الخليج العربية أعباءً إضافية.
ويبدو أن الوساطة الكويتية تسير في حقل ألغام بالغ الخطورة؛ نظرا لتعقيدات المشهد السياسي بالمنطقة، وزيادة حدة الاستقطابات الإقليمية والدولية، ونُذُر تصاعد وتيرة الصراع المحتمل بين واشنطن والدول الحليفة من جهة، وإيران والدول والقوى الحليفة لها من جهة أخرى.
ومنتصف مايو/أيار الجاري، أكد «بومبيو» رغبة ترامب في تخفيف حدة الخلاف داخل «مجلس التعاون الخليجي»؛ تمهيدا لحل الخلاف بالتزامن مع جهود الوساطة الكويتية المتجددة، من خلال الدخول في حوار بناء بين جميع أطراف الخلاف الخليجي قبل عقد القمة الأمريكية الخليجية، وفق تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية «هيذر نويرت».
ومع ذلك، لم تكن الأزمة الخليجية ضمن أولويات متقدمة في استراتيجيات الوزير الأمريكي، في حين يُعتقد أن أزمة الملف النووي والطموحات الإيرانية في امتلاك الصواريخ الباليستية وتطويرها، تأتي في المقام الأول متقدمة على حل الأزمة الخليجية.
وسبق لـ«بومبيو» القيام بجولة في المنطقة بعد ساعات من تعيينه بمنصبه الجديد، شملت بعد مقر حلف شمال الأطلسي، كلاً من السعودية و(إسرائيل) والأردن.
إذ التقى، في 29 أبريل/نيسان الماضي، نظيره السعودي عادل الجبير، والعاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، وولي عهده «محمد بن سلمان»، وأجرى معهم مباحثات على انفراد، تصدرتها مسألة الحشد ضد إيران، دون إجراء مباحثات معمقة تتعلق بالأزمة الخليجية.
ومن منطلق أهمية وحدة «مجلس التعاون» في الاستراتيجيات الأمريكية لمواجهة تهديدات الجماعات الإرهابية وإيران، اقتصر حديث «بومبيو»، عقب مباحثاته في الرياض، على التأكيد على أن «وحدة مجلس التعاون» أمر مهم ونحتاج لإنجازها.
حديث انبثق من واقع أن الخلافات البينية بين دول «مجلس التعاون»، واستمرار الأزمة بين قطر ودول الحصار، من شأنه تعزيز نفوذ إيران بالمنطقة، بما في ذلك اليمن وسوريا، في الوقت الذي تسعى فيه بلاده لتحجيم هذا النفوذ المتنامي.
ومطلع مايو/أيار الجاري، جدد وزير خارجية الإمارات «أنور قرقاش»، تأكيد بلاده على أنه لن تكون هناك أي وساطة غير خليجية لخروج قطر من أزمتها.
وفي إشارة إلى تحركات وزير الخارجية الأمريكي، واحتمالات ممارسة واشنطن ضغوطا على قادة الدول المعنية بالأزمة، أشار «قرقاش» إلى أنه «لن تنفع أي ضغوط»، مطالبا قطر بالتفاوض «في إطار مطالب جيرانها التي تعبر عن هموم حقيقية».
تصريحات «قرقاش جاءت متزامنة مع أنباء نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز" الأمريكية، مطلع الشهر الجاري، نقلا عن مسؤولين أمريكيين، ورد فيها أن «بومبيو طالب السعودية أثناء زيارته لها في مستهل جولته بالمنطقة، بإنهاء الحصار المفروض على قطر.
وعموما، قد لا تبدو واشنطن تتبنى مشروعا جديا لإنهاء الأزمة، وجعلها ضمن أولويات سياستها الخارجية حتى مع تعيين «بومبيو» ومستشار الأمن القومي «جون بولتون»، لتعزيز الانسجام في الدائرة المحيطة بـ«ترامب»، والمعنية بصناعة القرار ورسم السياسات الخارجية.
فواشنطن ستحرص على الدوام على وضع الأزمة ضمن دائرة آمنة، ومنعها من الخروج عن السيطرة للحفاظ على بنية سليمة لمجلس التعاون، وهذا ما يتصدّر أولوياتها.
فهي تعمل على أن يشكل مجلس التعاون إطارا عمليا في مواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة عموما، وفي منطقة الخليج بشكل خاص، باعتبارها منطقة هامة للمصالح الحيوية الأمريكية، والتي يمكن أن تتضرّر باستمرار الأزمة، وتصاعد حدة التوترات بين دول المنطقة.
وبناء على ذلك، ستحافظ واشنطن في استراتيجياتها العريضة، على نوع من الحياد بين طرفي الأزمة، وعدم الانحياز بشكل واضح إلى أي واحد منهما.
كما ستعطي واشنطن الأولوية دائما لمواجهة إيران بالمنطقة على حساب الأزمة، والعمل الجدي على حلها، مع أنه من المؤكد أنها تملك ما يكفي من الأدوات التي يمكن توظيفها لإنهاء الأزمة بالوقت الذي تريد.
لكن الولايات المتحدة لا تزال تبني آمالا على حل الأزمة في إطار البيت الخليجي، وهي آمال تبددها سياسات أطراف الأزمة التي تزيدهم تمسّكا بما يرون أنها ثوابت لا يمكن التنازل عنها.