وكالات-
حذر الأكاديمي العماني والخبير في الشؤون الاستراتيجية، «عبدالله الغيلاني»، من «تفاقم التصدع الاستراتيجي في الدولة الخليجية» إذا استمر تصعيد الأزمة مع قطر، ولم يستبعد أن تجد دولتا الوساطة الكويت وعُمان نفسيهما في «المربع القطري».
ويحل رمضان العام الجاري وسط أزمة خليجية هي الأسوأ، بدأت في 5 من يونيو/حزيران 2017، بعدما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر وفرضت عليها حصارا بدعوى «دعمها للإرهاب»، وهو ما تنفيه الدوحة.
وفي مقابلة مع وكالة «الأناضول»، تحدث الخبير والأكاديمي العُماني في حوار مؤخرًا عن مستقبل الأزمة الخليجية وواقعية حلها وتعقيداتها وتأثيرها على باقي دول الخليج التي تحاول القيام بالوساطة مثل الكويت وسلطنة عمان.
ورأى أن «الأزمة الخليجية ليست من قبيل الخلافات السياسية الطبيعية ذات المستوى المتوسط، فهذا يحدث بين النظم السياسية، وأنه أمر معتاد ومقبول، لكن حينما يكون خلاف على مصالح عليا أو على إدارة نزاع معين هنا يكون الأمر مختلفا».
وأوضح أن «الأزمة تحديدا تختلف تماما عن كل هذه النزاعات، وعن كل هذه الخلافات، فهي أزمة تستهدف سيادة دولة مستقلة ذات قرار مستقل».
وقال «الغيلاني» إن «قطر الدولة بدأت تنهج نهجا مستقلا ترى أنه يخدم مصالحها العليا، والدول الأخرى السعودية والإمارات لم تكن راضية عن هذا النهج أو عن هذا الاستقلال في الخيار القطري».
وأشار إلى أن «هذه الأزمة ليست جديدة بل قديمة جدا.. وبدا واضحا أن قطر مستهدفة ليس على المستوى التكتيكي أي على مستوى خياراتها التكتيكية، وإنما مستهدفة على مستوى السيادة الوطنية».
وأضاف: «هنا بدأ النزاع يتسع ويكبر ويتضخم حتى وصلنا إلى أزمة 2014، ثم أزمة 2017، طبعا الربيع العربي أو الثورة العربية التي نشبت في 2011، سلطت المزيد من الأضواء على هذه القضية، وعجلت بانفجار هذه الأزمة إذ أن قطر تبنت موقفا مغايرا تماما».
اختلاف الرؤى
ورأى الأكاديمي الخليجي أن «السياسة القطرية لم تكن موجهة، ولم تكن تتقصد مناهضة السياسات السعودية والإماراتية، وإنما قراءة قطر لهذه الظاهرة كانت مختلفة وأنها استحقاق تاريخي، هذه القراءة القطرية وما ترتب عليها لم يرق للسعودية والإمارات».
وأوضح أن «قراءة السعودية والإمارات لهذا الحدث كانت مختلفة تماما، فهم اعتبروا أن هذه الثورة العربية فيها تهديد مباشر لأنظمة الحكم الوراثية في المنطقة، ومن هنا بدأ الافتراق وبدأ الاختلاف الكبير حتى وصلنا إلى ما نحن فيه».
مآلات الأزمة مع التصدع خليجي
وأعرب «الغيلاني» عن أسفه أن من أبرز مآلات هذه الأزمة أنها «أدت إلى تصدع استراتيجي في الدولة الخليجية، فهي اليوم ضعيفة مهلهلة متراجعة، وصارت موقعا لابتزاز المشروعات، المشروع الإيراني، والمشروع الأمريكي، والتجاذبات الأخرى في المنطقة».
وأردف: «صارت دول الخليج عرضة للابتزاز، الولايات المتحدة الآن تبتز الدولة الخليجية بمبيعات الأسلحة عبر ضخ الأموال من خلال الضغط السياسي».
وأشار إلى «تراجع المسارات الديمقراطية النسبية التي بدأتها الدولة الخليجية مبكرة».
وتابع: «الشرخ الكبير على المستوى الاجتماعي، فالخلاف وصل إلى العظم، لم يكن خلافا بين أنظمة سياسية، وإنما وصل إلى مستوى الشعوب فصار هناك حالة اشتباه اجتماعي بين المكونات الشعبية في هذه المنطقة».
وأعقب: «هذه كلها حقيقة خسائر فادحة للجميع، يعني بقطع النظر عمن حقق انتصارا فعليا ومن هُزم، ومن تقدم ومن تأخر، ولكن الدولة الخليجية والشعب الخليجي في المجمل سيخرج من هذه الأزمة بخسائر، وبالتالي نحن ندعو إلى إيجاد حلول لهذه المشكلة».
حلول على أساس المصالح
وتطرق إلى إمكانات الحلول قائلا: «أنا أولا ضد الخطاب الوعظي في هذه المسألة، يعني الحديث عن المحاسنة والملاينة، والدخول إلى هذه المسألة من باب الجوار والقرابة والرحم.. في الصراعات السياسية هذه كلها لا تجدي».
وأضاف: «أتصور أن ميزان القوى الآن بعد مضي نحو عام على هذه الأزمة اتضح لدول الحصار أن قطر مستعصية على الاختراق، يعني ما كانوا يراهنون عليه من إضعاف الدولة القطرية وتراجعها واستسلامها، هذه مسألة أصبحت من الماضي».
وتابع: «بالتالي هذه الحقيقة السياسية الماثلة ينبغي أن تكون في الحسبان بالنسبة إلى دول الحصار، قطر في المقابل أيضا عليها أن تدرك أنها محاطة بمحيط إقليمي له حساباته، فعليها أن تستوعب هذه الحسابات ضمن سياستها الخارجية».
واستدرك بالقول: «لا أدعو إلى تراجع قطر عن منهجها مطلقا، يعني قطر تسير في المسارات الصحيحة سواء على خدمة مصالحها أو انحيازا إلى هذه الشعوب المظلومة، ولكن أدعو إلى شيء من التوازن في ميزان القوى الآن، يسمح للطرفين بأن يخطو الخطوة التالية وهي الجلوس معا».
ولفت إلى أنه «على المستوى الاستراتيجي، استطاعت قطر أن توجد بدائل عبر تحالفها مع تركيا، واقتراب نسبي من إيران، وتوثيقها لعلاقاتها بالحليف الغربي الولايات المتحدة تحديدا».
وأكد أنه «على دول الحصار أن تفقه هذه المسألة، وأن تدرك أن في هذه اللحظة من التاريخ على الأقل لا يمكن اختراق قطر ولا يمكن تجاوز هذه الحقائق التاريخية».
وزاد: «الجميع اليوم يخسر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي، وبالتالي المنصف أو العاقل يدعو إلى ضرورة تجاوز هذه المسألة بعيدا عن العواطف».
الكويت وعمان بمرمى دول الحصار
ولدى سؤاله، هل يمكن لدول خليجية أخرى أن تتعرض لما تعرضت له قطر، أوضح أن «الموقف الرسمي المعلن للكويت وسلطنة عمان هو الحياد، وهذا لأسباب دبلوماسية محضة».
وتابع محذرا: «لكن في تقديري عبر قراءتي للرأي العام الكويتي، هناك ما هو أكثر من قلق ربما هناك شعور يقترب من اليقين أن ما حدث لقطر من عدوان سياسي يمكن أن يحدث لسلطنة عمان والكويت».
وبين أن «هذه المسألة لم تعد استهدافا مباشرا لقطر ككيان سياسي، وإنما تأتي ضمن مشروع إقليمي كلي، وهذا المشروع إذا كان يتواجد اليوم في القرن الإفريقي وفي اليمن وفي شمال أفريقيا، وفي مناطق أخرى، فطبيعي جدا ألا يستبعد من مداراته ومن تأثيراته ومن استهدافاته عمان والكويت».
وأردف: «مسألة الهيمنة أو إعادة تشكيل هياكل السلطة وبالتالي تحقيق نفوذ في مراكز صناعة القرار، هذا هدف استراتيجي بالنسبة إلى هذا المشروع، وبالتالي قطعا ستكون عمان والكويت ضمن دوائر الاهتمام».
ورجح أن موقف الكويت وسلطنة عمان «سيتوقف على مسارات التصعيد إذا جنحت دول الحصار إلى مزيد من التصعيد، ومزيد من التضييق والحصار والنفي لقطر، ربما تجد الكويت وعمان نفسيهما في نفس المربع القطري».
وأردف: «بالتالي فإن هذا قد يُحدث انشطارا في مجلس التعاون، يصبح ثلاث دول مع وثلاث دول ضد، على المستوى العملي أظن هذا قائما الآن، عشية مؤتمر القمة الخليجي الذي عقد في الكويت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أُعلن عن نشأة اللجنة الإماراتية السعودية المشتركة، وقد فسر هذا على أنها بديل لمجلس التعاون».
وزاد: «أنا أتصور مسألة هذا الاصطفاف الذي أشرت إليه أستبعده في اللحظة الراهنة، ولكنه ممكن ويتوقف على درجة التصعيد التي ممكن أن تجنح إليها دول الحصار».
السياسة الخارجية العمانية الحذرة
وحول السياسة الخارجية العمانية يقول إنها «حذرة جدا لا تعرض نفسها للأضواء الإعلامية، لا يظهر بها أن تغيرا جذريا ربما يحدث في مسارات السياسة الخارجية العمانية التي درجت عليها لعقود طويلة».
وواصل: «رغم أنها تعرضت لكثير من الضغوط والاستفزاز، لكنها بقيت محافظة على هذه الروح الحذرة في التعامل مع الشأن الخارجي».
واختتم: «هذا لا يعني أنها لا تلعب أدوارا مقدرة في الملفات الإقليمية، ولكن تقوم بهذه الأدوار دون أن تستجلي أضواء على الأدوار التي تقوم بها».