الخليج أونلاين-
كشفت سلسلة برقيات نشرها موقع "ويكيليكس" دوافع الإمارات العربية لحصار دولة قطر عبر سلسلة تحذيرات وجّهتها أبوظبي لمسؤولين أمريكيين حرّضتهم فيها على الدوحة وقناة الجزيرة، حتى قبل فرض حصار يونيو 2017 بوقت طويل.
وتؤكد تلك البرقيات أن الإمارات كانت باستمرارٍ هي القوة الدافعة وراء حملة القمع التي طالت جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث قال الكاتب أندرو شابيل، في تقرير لشبكة الجزيرة الإخبارية، إن تحذيرات الإمارات تلك لم تكن نابعة من مجرد دوافع أمنية.
فهذه اللغة التي استخدمتها دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، كما يقول شابيل، تتسق مع التصريحات المنسوبة لولي عهد أبوظبي والتي كشفتها برقيات ويكيليكس بين عامي 2010 و2011.
برقيات ويكيليكس المسرّبة تضمّنت، بحسب شابيل، تصريحات لمحمد بن زايد عن مسائل لم يتناولها في العلن، لكنها تنم عن الدينامية السياسية المتغيرة في منطقة الخليج.
وتوحي اللغة المنسوبة لولي عهد أبوظبي في تلك البرقيات بأن دوافع الإمارات من الحصار لم تكن نابعة كلها من هواجس أمنية تجاه قطر؛ بل رغبة في قمع المعارضة ببلده أيضاً.
ومن المفارقات أن بن زايد لم يدلِ حتى الآن بأي تصريح علني عن الأزمة الخليجية الراهنة، تاركاً لشقيقه وزير الخارجية عبد الله، وغيره ممن ينوب عنه، التحدث باسم الحكومة.
ومنذ أن أصبح بن زايد الحاكم الفعلي بعد إصابة رئيس البلاد، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بنوبة قلبية عام 2014، باتت الإمارات ضمن كبرى خمس دول مستوردة للسلاح.
وتواجه الإمارات انتقادات متزايدة؛ لدعمها الانقلابات العسكرية في عموم المنطقة وأيضاً لدعمها مليشيات وجماعات انفصالية في ليبيا واليمن، فضلاً عن التراجع المخيف في ملف حقوق الإنسان داخل البلد الذي كان أول من أنشأ وزارة للسعادة!
- إسبارطة الصغيرة
ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الإمارات هي ثاني أكبر مشترٍ للسلاح الأمريكي في الشرق الأوسط بعد السعودية، حتى إن وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أطلق عليها لقب "إسبارطة الصغيرة"، في إشارة إلى المدينة اليونانية التي اشتُهرت بنزعتها العسكرية المهيمنة.
الإمارات، التي بالكاد يتجاوز عدد مواطنيها مليون نسمة، أضحت القوة العسكرية الإقليمية الجديدة بنشرها قواتها للقتال في أفغانستان واليمن، وشنها المزعوم لغارات في ليبيا، وإقامتها قواعد عسكرية في جمهورية أرض الصومال وإريتريا.
وقد برز هذا الأمر في احتلال أبوظبي الأخير لجزيرة سقطرى اليمنية قبالة القرن الأفريقي، والتي أُجبرت على الانسحاب منها بعد نحو أسبوعين من السيطرة.
البلد الذي اشتهر لسنوات بتقديم الدعم الإنساني، أضحى تحت حكم محمد بن زايد، حليفاً رئيساً للولايات المتحدة، وسوف يقدم دعماً محورياً لواشنطن حال اندلاع أي مواجهة عسكرية مع إيران، كما يقول الكاتب.
في إحدى البرقيات المسربة (يعود تاريخها إلى فبراير 2009)، وعد بن زايد المسؤولين الأمريكيين قائلاً: "بمجرد أن يطلق الإيرانيون صواريخهم سنلاحقهم ونقتلهم".
- القضاء على الإخوان
ومع أن إيران ظلت الهاجس الأمني الأبرز لمحمد بن زايد حتى قبل ثورات الربيع العربي بوقت طويل، فإن اهتمامه وإخوانه انصب على "عدو لدود" آخر؛ هو جماعة الإخوان المسلمين، حسبما جاء في البرقيات المسربة.
ونقل الكاتب في تقريره، عن كورتني فرير مؤلفة كتاب "الإسلام الريعي.. تأثير الإخوان المسلمين في المَلِكِيَّات الخليجية"، أن الأنظمة الملكية والحكومات شبه الديمقراطية في المنطقة ظلت تنظر إلى مطالبات الجماعة بالسماح بالنشاط السياسي والشرعية الانتخابية على أنها تهديد لها منذ أن اكتسبت نفوذاً عبر صناديق الاقتراع.
وقالت المؤلفة: إن "البرقيات تعكس إلى أي مدى خلط بن زايد بين الجماعات الراديكالية العنيفة والحركات السياسية المعتدلة كالإخوان المسلمين".
وفي برقية أخرى تعود إلى نوفمبر 2004، أفاد مسؤولون أمريكيون أن ولي عهد أبوظبي قال إنه اكتشف وجود عناصر من الإخوان المسلمين بالجيش، وبيَّن لهم كيف أنه أخضعهم لعملية غسل دماغ.
وخاطب بن زايد الأمريكيين ممازحاً، في برقية في يوليو 2005، قائلاً "استخدمنا مكنسة" لتنظيف الإمارات منهم (الإخوان المسلمين).
وفي برقية أخرى مؤرخة في فبراير 2009، ذكر دبلوماسيون أمريكيون أن بن زايد يرى "بوضوح شديد" أن "التأثير الإيراني على جماعة الإخوان المسلمين بمثابة وسيلة لتحريض الجماهير العربية، ودمغ قادة المجتمع العربي التقليديين بأنهم عاجزون".
ونقلت إحدى برقيات عام 2007 عن ولي عهد أبوظبي قوله "الحمد لله على وجود حسني مبارك"، وتوقعاته بأن الإخوان المسلمين سيفوزون بأي انتخابات تُجرى في مصر.
وبدأت الإمارات استهداف المتعاطفين مع جماعة الإخوان أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعد أن تولى بن زايد مسؤولية جهاز الأمن عقب تعيينه رئيساً لهيئة أركان القوات المسلحة عام 1993.
وامتدت مصيدة الاستهداف لتشمل الحركات الاجتماعية غير العنيفة التي كانت سلطات الإمارات تلاحقها في الماضي، لا سيما حركة الإصلاح التي كان يُنظر إليها على أنها تشكل تهديداً سياسياً ووجودياً لارتباطها من الناحية العقائدية مع جماعة الإخوان.
وبعد وصول الجماعة للحكم في مصر عقب ثورة العام 2011، أدت الإمارات دوراً ملموساً في تأليب الجماهير على الرئيس محمد مرسي، وموّلت حملات إعلامية وسياسية كبيرة لزعزعة حكمه الناشيء، وانتهى الأمر بتقديم أبوظبي دعماً مالياً وسياسياً للانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في يوليو 2013.
- معاداة الجزيرة
وطبقاً لبرقيات مسرّبة، فإن بن زايد هاجم قناة الجزيرة بسبب ما وصفه بتأثيرها السلبي على الرأي العام العربي عقب الغزو الأمريكي للعراق. وحرَّض الولايات المتحدة على قصف مقر الشبكة بالدوحة، على الرغم من أن ذلك قد يكون من قبيل المزاح الثقيل.
وبحلول عام 2009، بات بن زايد أكثر ارتياباً تجاه قناة الجزيرة وقطر حتى إنه استخدم ألفاظاً قاسية بشأنهما في لقائه مع السفير الأمريكي (آنذاك) ريتشارد أولسن، والوفد المرافق له. وطلب منهم عدم تسجيل ملاحظات.
وكان إغلاق قناة الجزيرة من بين المطالب الـ 13 التي طرحتها دول الحصار في أول الأزمة، والتي رفضتها قطر شكلاً وموضوعاً وقالت إنها غير قابلة للنقاش أصلاً.
وفي برقية تعود إلى فبراير2009، اعتقد بن زايد أن قطر غدرت بمجلس التعاون الخليجي عندما عرضت مبادرات دبلوماسية على إيران، قائلاً إن الدوحة "جزء من الإخوان المسلمين"، وهما تهمتان رئيسيتان وردتا بقائمة التهم الموجهة ضد الدوحة في إطار الأزمة الخليجية الراهنة.
وكشفت بعض البرقيات المسربة أن مشكلة بن زايد مع الجزيرة ذات طابع شخصي، فهو يعتقد أن القناة كان لها تأثير سلبي على أسرته. وتحدث ولي عهد أبوظبي في ثلاثة اجتماعات على الأقل، خُصصت لمناقشة التطورات في حربيْ أفغانستان والعراق، عن قصة ابنه مع قناة الجزيرة.
وورد في إحدى البرقيات في أبريل 2004، أنه وصف ابنه بأنه "ذكي وطالب متفوق، لكنه بات في الآونة الأخيرة يعبر عن آراء معادية للغرب". وهو يعتقد أن تلك الأفكار نتاج مشاهدته قناة الجزيرة لأوقات طويلة.
ومضى بن زايد في هذا الصدد إلى القول: "إذا كانت الجزيرة تستطيع التأثير على حفيد زعيم معتدل كالشيخ زايد بهذه الطريقة، فتخيلوا ما يمكن أن تفعله مع غير المتعلمين أو مع من ينتمون للطبقات الدنيا".
ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي انتهجت الإمارات سياسة تمويل أو إنشاء منصات إعلامية تسعى من خلالها لتقليص تأثير القناة القطرية، التي كانت وما زالت سبباً رئيسياً في تحرك الشعوب العربية للمطالبة بحقوقها، بعد عقود من الصمت والاستسلام.