جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوتشرز-
بعد أشهر من الصمت النسبي من المملكة العربية السعودية، كانت نهاية هذا الأسبوع صاخبة. وللمرة الثانية منذ تعيينه وريثا للعرش في يونيو/حزيران الماضي، أعلن ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» عن تغيير وزاري كبير، يركز هذه المرة على الوزارات المتعلقة بالثقافة والحياة الإسلامية والتنمية الاجتماعية.
وقبل يوم واحد فقط، ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن ولي العهد بعث برسالة إلى الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» يهدد فيه بمهاجمة قطر، إذا حصلت الدوحة على أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع من طراز «إس-٤٠٠». وأخيرا وليس آخرا، نشر موقع «نيوز١» الإخباري الإسرائيلي مقالا عن خطط السعودية لتطوير قدرات إنتاج أسلحة نووية، بمساعدة من باكستان أو (إسرائيل).
وتشير هذه القصص إلى الضغوط الداخلية والخارجية الشديدة التي تواجهها المملكة، حتى مع الارتفاع الأخير في أسعار النفط. ويعد التعديل الوزاري دليلا آخر على محاولة «بن سلمان» كسب ولاء البيروقراطية السعودية. وكانت أولى اللقطات في هذه الحملة موجهة إلى العسكريين ورجال الأعمال الذين يشكلون معارضة محتملة للنظام، واليوم يتوجه «بن سلمان» إلى بعض الوزارات المسؤولة عن تنفيذ الإصلاحات التي تتعلق بها حياته ومستقبل بلاده.
خطط السعودية تأتي بنتائج عكسية
وقد تمكن «بن سلمان» من تثبيت أفراد موالين له على مستويات عديدة في الهيكل السياسي والعسكري والديني في المملكة، والأكثر إثارة للدهشة هو أنه فعل ذلك دون أي رد فعل عنيف ضد حكمه. وربما ينتظر معارضوه الوقت المناسب، أو ربما يكون هناك إجماع داخل النخبة الحاكمة على الاتجاه الذي يجب أن تتخذه البلاد.
ولا يزال موقف «بن سلمان» غير مستقر للغاية، ولكن كل خطوة يتخذها تسمح له بتعزيز سلطته أكثر من ذلك. وسيحتاج إلى كل الدعم الذي يمكنه الحصول عليه أثناء محاولته تحويل المملكة من دولة دينية قبلية إلى دولة ناضجة بحداثة القرن الحادي والعشرين.
لكن تقرير «لوموند» حول التهديد السعودي بمهاجمة قطر ليس مشجعا. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، بدأت السعودية هجوما دبلوماسيا منسقا ضد الدوحة لتركيع قطر، التي كانت تتمتع بعلاقات دافئة مع منافسي الرياض الرئيسيين، إيران وتركيا.
ولم تكن الرياض تنوي السماح لقطر بممارسة سياسة مستقلة في الخليج، الذي تعتبره السعودية منطقة نفوذ لها. لذلك أقنعت السعودية حلفاءها، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر واليمن، للتوقيع على خطة لعزل قطر اقتصاديا وماليا.
لكن الخطة جاءت بنتائج عكسية. فلم تركع قطر، ولم تغلق قناة الجزيرة، ولم تتوقف الولايات المتحدة عن استخدام قطر كمقرها الأمامي للقيادة المركزية الأمريكية. وفي الواقع، أصبح اقتصاد قطر أقوى بعد أن اندلعت الصدمة الأولية، وتعمقت علاقتها مع تركيا، حتى أن قطر قد وافقت في مارس/آذار على السماح لتركيا بإنشاء قاعدة بحرية في البلاد.
كما لم تتوقف قطر عن التعامل مع إيران على أساس براغماتي، واستعادت العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع طهران بعد شهرين من محاولة السعودية الفاشلة لتركيعها. وفي الواقع، أظهرت الاستراتيجية السعودية ضعف السعودية بشكل أساسي، وليس قوتها.
وإذا كان تقرير «لوموند» صحيحا، فإن المملكة تضغط الآن على القضية مرة أخرى. وإذا حصلت قطر على نظام «إس-٤٠٠» الروسي، فإن ذلك سيساعد على إلغاء الميزة العسكرية الحقيقية الوحيدة للمملكة على جيرانها، وهي قوتها الجوية الهائلة، التي تم بناؤها خلال أعوام من الاستحواذ على المعدات العسكرية الأمريكية.
ولقد شهدت المملكة بالفعل ما يمكن أن تعنيه المشاركة الروسية في الشرق الأوسط للمصالح السعودية. وكان تدخل موسكو في سوريا هو السبب الأساسي في بقاء نظام «بشار الأسد»، الأمر الذي أفسد آمال السعوديين والأتراك في استبدال «الأسد» لصالح زعيمٍ سني، ولا تريد المملكة من روسيا أن تدعم نظاما شرق أوسطيا آخر معاديا للمصالح السعودية، لا سيما نظام يشارك السعودية حدودها.
لكن السعودية تلعب لعبة خطيرة هنا، وهي لعبة قد لا تكون قادرة على الفوز بها. فمن ناحية، لا يمكن للرياض أن تبدو أضعف بكثير مما هي عليه بالفعل فيما يتعلق بقطر، لذلك لا يوجد سوى القليل مما يمكن خسارته من هذا التهديد. لكن تنفيذ التهديد نفسه سيكون خطيرا؛ لأن الرياض قد تجد نفسها لا تثير التوترات مع إيران فحسب، بل قد تجبر تركيا، التي تمتلك بالفعل قاعدة عسكرية في قطر، بالإضافة إلى القاعدة البحرية التي تم الاتفاق عليها، على معارضة التحركات السعودية بشكل مباشر.
سباق الأسلحة النووية
وتقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن السعودية قد تسعى للحصول على أسلحة نووية إذا تبين لها أن إيران فعلت الشيء نفسه، لكن ذلك يستند في الغالب إلى التخمين والاستدلال. ولا يوجد أي دليل على أن باكستان تقوم بتخزين قنابل نووية لنقلها إلى السعودية في حال بدء سباق تسلح جدي، وهي فقط تقارير غير مؤكدة.
علاوة على ذلك، لا يعتمد العنوان الرئيسي الذي جذب معظم الاهتمام، أن (إسرائيل) قد تنقل معلومات نووية إلى السعودية، على الأدلة، وإنما على ما يصفه المؤلف بأنه «افتراض معقول» على أساس مصلحة (إسرائيل) في إقامة علاقات أوثق مع المملكة.
وكان وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» قد صرح لشبكة «سي إن إن»، في مايو/أيار الماضي، بأن البلاد ستواصل العمل على برنامج الأسلحة النووية بشكل مطلق إذا ما استأنفت إيران برنامجها الخاص بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني.
وبما أن معظم المؤشرات تشير إلى أن إيران لم تكن تنوي أبدا التخلي تماما عن برنامجها للأسلحة النووية على المدى الطويل، حتى لو كانت مستعدة لتعليق تخصيب اليورانيوم على المدى القصير، فإن سباق التسلح النووي بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط هو مسألة وقت فقط.
ومن بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط التي تتنافس على التفوق الإقليمي، فإن السعودية هي الأضعف إلى حد بعيد، وتعد الأسلحة النووية بمثابة هدف هائل. وبمعنى آخر، على الرغم من أننا لا نستطيع تأكيد صحة التقرير الإسرائيلي، إلا أننا لا نستطيع أن نجد الكثير من الأخطاء في المنطق الأساسي وراء التنبؤات الموجودة بالتقرير.
وعلى الرغم من أن السعودية قد تعرضت لعقبات في الأعوام الأخيرة، إلا أنها لا تزال دولة غنية بالبترول مع قدرات عسكرية تقليدية محدودة، ولها تاريخ في الاعتماد على الوكلاء للقيام بمهامها. ولا شك أن الرياض لا تزال تفضل هذه الاستراتيجية، كما يتبين من التقارير الأخيرة في وسائل الإعلام التركية، التي تشير إلى أن السعودية والإمارات تعملان على إنشاء ميليشيا عربية جديدة في شمال شرق سوريا، قد تكون موالية للمصالح السعودية.
وتكمن المشكلة بالنسبة للسعودية في أن هذه الاستراتيجية فشلت على الدوام في إحداث تحسن في موقعها الاستراتيجي العام. وفي جميع الاتجاهات، تواجه المملكة أعداء أقوى منها. ويمكن لولي العهد أن يشتري لحكومته كل ما تريد، ولكن حتى لو استطاع أن يحول المملكة، وهي مهمة شاقة في حد ذاتها، فإن بلاده ليست قوية بما يكفي لجعل قطر تنأى بنفسها عن المنافسة.
وبهذا المعنى، توفر هذه التقارير الثلاثة نافذة على التحديات الوشيكة التي تواجهها المملكة العربية السعودية، وهي وجهة نظر لا تبعث على السرور.