جيمس دورسي - إنترناشيونال بوليسي دايجيست-
من المتوقع أن تكون المواجهة المحتملة بين إيران والسعودية في أرض ملعب كرة القدم، من أبرز أحداث كأس العالم في روسيا هذا الشهر.
هذا من شأنه أن يزيد سخونة العديد من المعارك المتعلقة بكرة القدم، التي تنطوي على محاولات السعودية للسيطرة على إدارة الرياضة في الشرق الأوسط وآسيا على حساب إيران، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه حقوق قطر في استضافة كأس العالم 2022، واحتفاظها بحقوق بث كأس العالم مما يهدد بحرمان جمهور الخليج من مشاهدة المباريات التي تقام في روسيا.
ولكي تحدث المواجهة على أرض الملعب، يتعين على إيران -التي تعد أرفع فريق شرق أوسطي تأهل لبطولة عام 2018- والسعودية التي ينظر إليها على نطاق واسع بأنها منافس ضعيف الحظ أن تتخطيا دور المجموعات، ما قد يكون بعيد المنال عن كليهما.
ومع ذلك، حتى لو لم تحدث المواجهة، فإن وجود الفريقين معا في روسيا من المرجح أن يسلط الضوء على الحروب الخفية بين البلدين، بالإضافة إلى النزاع مع قطر التي ستستضيف كأس العالم في 2022، والتي لم تتأهل لبطولة هذا العام.
وتعد إيران ذات علاقة بالنزاع مع قطر، حيث يشهد هذا الأسبوع ذكرى مرور سنة على الحصار الدبلوماسي والاقتصادي الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، جزئيا بسبب علاقتها مع إيران.
معركة البث
شعر مشجعو كأس العالم في الخليج بأثر ذلك فعليا وسط حيرتهم حول ما إذا كانت دول المقاطعة ستسمح بمشاهدة بث المباريات على قناة «بي إن سبورتس» المتفرعة من شبكة الجزيرة القطرية، والتي تمتلك حقوق البث.
وتطالب دول المقاطعة بأن تغلق قطر «الجزيرة»، أو تحدّ على الأقل من تقاريرها وبرامجها الحوارية التي غالبا ما تتحدى سياسات دول مثل السعودية والإمارات.
تم حظر «بي إن سبورتس» في الدول المقاطعة على مدى العام الماضي، وفي حين سعت السعودية إلى تجاهل حقوق ملكية قطر من خلال إنشاء قناة تحمل اسم «بي أوت كيو»، وهي قناة تسطو على الحقوق بشكل غير شرعي، فقد تراجعت الإمارات عن حظرها المبدئي لبث قناة «بي إن سبورتس» لكنها أبقت على تشويش «الجزيرة».
وتُنقل قناة «بي أوت كيو» عبر عربسات، وهي شركة مزودة للأقمار الصناعية مقرها الرياض، وتعود ملكيتها للسعودية.
وفي ظل عدم قدرة قطر على مجابهة ما قامت به السعودية في المحاكم السعودية، فإنها قد حثت الفيفا على اتخاذ إجراءات ضد ما وصفته بقنوات القرصنة السعودية.
قررت قطر على ما يبدو أن تتحكم بالدفة في ذلك الجزء من العالم المجنون بكرة القدم، والذي تعد فيه الكرة أمرا حساسا سياسيا لأنها تثير العواطف العميقة مثل الدين والمشاعر القومية، فحجبت بث قناة «بي إن سبورتس» عن المشاهدين في الإمارات.
فقد قالت شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة «دو» التي تعرض القنوات القطرية في الإمارات، أن شبكة «بي أن» هي التي حجبت البث، وذكرت في بيان نهاية هذا الأسبوع على موقعها الإلكتروني: «نأسف للإعلان بأن عملاءنا غير قادرين مؤقتا على مشاهدة قنوات وحزم بي أن سبورتس نتيجة لقرار صادر من الشبكة».
ويبدو أن خطوة قطر كانت تهدف لإجبار الشركات الإماراتية الناقلة على قبول الشروط التجارية، ما سيمثل نجاحا سياسيا عبر خرق المقاطعة.
ويبدو أن استراتيجيتها هذه نفعت مع شركة «اتصالات» المنافسة لشركة «دو»، حيث أعلنت الأولى بعد مرور 24 ساعة على تصريح «دو» أنه يمكن للعملاء الاشتراك في خدمة «بي أن» لمشاهدة مباريات كأس العالم.
ومع ذلك، فإن النزاع يعكس خلافات عميقة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست حول الحملة ضد قطر، فقد سعت سلطنة عمان -التي تحافظ على علاقات وثيقة مع إيران- إلى إحباط جهود القرصنة السعودية من خلال حظر استيراد أجهزة استقبال قناة «بي أوت كيو»، بعد طلب قطري.
لكن حقوق البث الخاصة بقطر ليست سوى ساحة واحدة لمعارك كرة القدم التي تجلى فيها الصراع الخليجي.
ملاحقة قطر
وتعاونت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية بالاشتراك مع صحيفة «ذا صن» البريطانية للتشكيك في شرعية استضافة قطر لكأس العالم، بهدف ممارسة ضغط على الفيفا لحرمان قطر من حقوق استضافة كأس العالم.
فقد قالت صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية: «ليس سرا أن الفيفا فاسدة حتى النخاع، ويجب أن تخضع لضغوط متجددة لتجريد قطر من المنافسة وإجراء تحقيق داخلي. إن ملايين المشجعين الذين ينتظرون بفارغ الصبر كأس العالم عام 2022 يستحقون ما هو أفضل».
أما صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية فقد ذكرت أن مجلس الفيفا هذا الشهر قد يعيد التصويت على استضافة كأس العالم 2022، لكن الحقيقة إنه لا يوجد مؤشر مستقل دالّ على مثل هذه الخطوة.
وفي محاولة أخرى لتعقيد الأمور على قطر، فإن السعودية قد دعمت مقترحا لتسريع توسع كأس العالم ليضم 48 فريقا بدل 32، وهي الخطوة المقرر تنفيذها في عام 2026، بحيث يتم تطبيقها في عام 2022 بدلا من ذلك.
وإذا تم تنفيذ هذا، فإن قطر ستكون مجبرة على مشاركة استضافة بطولة 2022 بالتعاون مع آخرين في المنطقة، وقد عرضت إيران المساعدة بالفعل.
سحب البساط من الاتحاد الأسيوي
وتأتي التحركات السعودية الإماراتية على خلفية جهد سعودي من شقين لتحقيق قدر من السيطرة على إدارة كرة القدم العالمية.
يُعتقد أن شركة «سوفت بانك» العملاقة المستثمرة في التكنولوجيا العالمية –والتي تعد السعودية والإمارات أكبر مستثمريها– هي من تقف خلف عرض استثمار بقيمة 25 مليار دولار تم تقديمه لرئيس الفيفا «جياني إنفانتينو» من أجل إقامة بطولات عالمية جديدة لكرة القدم، وإذا تمت الموافقة على العرض، فسوف يمنح السعودية صوتا مهما في إدارة كرة القدم العالمية.
يأتي هذا في إطار جهد سعودي لتقويض موقف الاتحاد الأسيوي لكرة القدم المؤلف من 47 دولة بقيادة «سلمان بن إبراهيم آل خليفة»، وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة في البحرين وواحد من أقوى الرجال في إدارة كرة القدم العالمية.
وللقيام بذلك، فإن السعودية قامت من جانب واحد بتشكيل كتلة إقليمية جديدة، وهي اتحاد جنوب غرب آسيا لكرة القدم مما قد يعد انتهاكا محتملا لقواعد الفيفا والاتحاد الأسيوي.
وطار مسؤولو الدول الأعضاء المشاركين في تأسيس الاتحاد الجديد إلى جدة وهم بنغلادش والهند وباكستان والإمارات لحضور إنطلاق الاتحاد الجديد، عبر رحلات مدفوعة الأجر، وعروض هدايا ووعود بالتمويل لتطوير كرة القدم.
وسيكون مقر الاتحاد الجديد في جدة، ويرأسه رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم «عادل عزت»، مع كون قيصر الرياضة السعودية «تركي آل شيخ» –المقرب من ولي العهد السعودي– رئيسا فخريا له.
ومن شأن انطلاق هذا الاتحاد الجديد أن يضعف بشكل فعال الاتحاد الأسيوي لكرة القدم الذي تعد إيران عضوا بارزا فيه، ومن غير المحتمل أن ترغب إيران في الانضمام إلى الاتحاد الجديد، نظرا لأن السعودية ستعترض على ذلك.
وتتماشى محاولة السعودية لتحقيق هيمنة إقليمية على كرة القدم مع تعهد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بعزل إيران، لكن ما قد يعوق المحاولة السعودية، هو دول شرق آسيا، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية في الصدارة، فهذه الدول تعد مراكز قوة في الاتحاد الأسيوي، وهي تحافظ على علاقات اقتصادية ودبلوماسية وثيقة مع المملكة، لكنها حافظت في الوقت ذاته على بقائها بعيدا عن صراع السعودية مع إيران، ومن غير المرجح أن ترغب دول شرق آسيا في الانزلاق إلى معارك السعودية.