الخليج أونلاين-
وصلت حالة الحصار على قطر إلى درجة مرتفعة من الغليان بعد عام من ظهوره للعلن؛ لتتجه على إثره الدوحة إلى أسمى سلطة قضائية في العالم؛ للمطالبة بالتحكيم ووضع حدّ لما وصفته بالانتهاك "المدمر" لحقوق مواطنيها.
وعلى المتقدم إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في قضية تهمه، الانصياع لقراراتها، وهو ما تدركه الدوحة جيداً، التي قدمت إلى المحكمة كماً من "الانتهاكات" متهمة حكومة أبوظبي بارتكابها.
والاثنين، 11 يونيو الجاري، أعلنت الحكومة القطرية، في بيان لها، أن الدعوى تنص على أن الإمارات قادت إجراءات "أدت إلى تأثير مدمر على حقوق الإنسان، بالنسبة للقطريين والمقيمين في قطر".
فقد سنت الإمارات سلسلة من التدابير التي ترمي إلى التمييز ضد القطريين، ومن ذلك طردهم من البلاد ومنعهم من الدخول أو المرور عبرها، كما طالبت مواطنيها بمغادرة قطر، وأغلقت المجال الجوي والموانئ البحرية.
وبحسب ما ذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) قدمت دولة قطر أيضاً، طلباً بالإجراءات المؤقتة تطلب فيه من محكمة العدل الدولية اتخاذ إجراء فوري لحماية القطريين من أي ضرر مستقبلي لا يمكن إصلاحه.
وأكدت الحكومة القطرية أن مسؤولي دولة الإمارات شاركوا في حملة إعلامية واسعة النطاق ضد قطر والقطريين، محرضين على خطاب الكراهية بشكل مباشر، وقد ذكرت هجمات الإمارات على حرية التعبير في تقرير صدر في ديسمبر 2017 من قبل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان كجزء من "حملة تشهير وكراهية واسعة ضد قطر".
كما تدخلت الإمارات في العقارات المملوكة للقطريين، وقامت بالتمييز ضد الطلاب القطريين الذين يتلقون تعليمهم فيها، وجرّمت أي خطاب يُنظر إليه على أنه "دعم" لقطر، وأغلقت مكاتب قناة "الجزيرة" القطرية لديها، وحظرت الدخول إلى المحطات والمواقع الإلكترونية القطرية.
ودعت قطر محكمة العدل الدولية إلى "أن تأمر الإمارات باتخاذ جميع الخطوات اللازمة للامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، من خلال وقف الإجراءات التمييزية وإلغائها واستعادة حقوق القطريين"، وطالبت أيضاً الإمارات بتقديم تعويض كامل عن الأضرار التي لحقت بها.
وتواصل منظمة العفو الدولية دعوة دول الحصار إلى رفع جميع القيود التعسّفية المفروضة على حرية تنقّل المواطنين، ومن ذلك حقّ مواطني قطر والمقيمين فيها في الوصول إلى أماكن الشعائر المقدّسة في السعودية.
وفي أبريل الماضي، طالب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دول الحصار بضرورة اتخاذ كل التدابير لوقف الانتهاكات، وضمان منع تكرارها ضد المواطنين والمقيمين في قطر.
وتأتي الدعوى القطرية الجديدة تزامناً مع دخول الأزمة الخليجية عامها الثاني، التي بدأت عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع الدوحة، وفرضت عليها حصاراً بحرياً وجوياً، بدعوى دعم الإرهاب.
وهذا الأمر تنفيه قطر بشدة، إذ تقول إنها تواجه أكاذيب وافتراءات للسيطرة على قرارها الوطني.
ومنذ بدء الحصار تلقت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان آلاف الشكاوى؛ ما دفع مجلس الوزراء القطري إلى تدشين مقر لاستقبال دعاوى المواطنين القطريين المتضررين وشكاويهم.
- محكمة العدل الدولية والتزاماتها
ويطلق على محكمة العدل الدولية: المحكمة العالمية، وهي أعلى وكالة قضائية في هيئة الأمم المتحدة.
وتوفر المحكمة وسائل سلمية لحلّ النزاعات القانونية الدولية، وتعالج فقط القضايا التي تتقدم بها دول أو منظمات دولية معينة.
وتستند قراراتها إلى مبادئ القانون الدولي ولا تقبل الاستئناف، وتستمع المحكمة إلى عدد قليل نسبياً من القضايا.
وتعهدت أكثر من أربعين دولة بقبول قضاء هذه المحكمة ضمن حدود متفاوتة.
وعادة فإن الدول لا تعرض قضاياها على المحكمة إلا إذا كانت مستعدة للقبول بقراراتها.
ومحكمة العدل الدولية التي أُسست في عام 1945، لها نشاط قضائي واسع، وهي تنظر في القضايا التي تضعها الدول أمامها، فضلاً عن أنها تقدم الاستشارات القانونية للهيئات الدولية التي تطلب ذلك.
وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية تحكم في الخلاف بين جهتين أو دولتين حول قضية ما، فإن قرارها النهائي غير ملزم للدولة التي وقع عليها الحكم بوجوب التنفيذ.
حيث تقر الأسرة الدولية أن القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك الفتاوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية، غير ملزمة النفاذ من قبل الدولة أو الدول الصادرة ضد هذه القرارات أو تلك الفتاوى؛ لعدم وجود سلطة تنفيذية عالمية قادرة على فرض التنفيذ بالقوة، إلا في حالة ما إذا اتفقت الدول المتنازعة سلفاً على القبول بالقرارات.
لكن يبقى للدولة التي وقف قرار المحكمة إلى جانبها، أنها نالت تأييداً من أعلى قضاء في العالم، وهو دليل على امتلاكها الحق، وهو ما تدركه قطر جيداً؛ إذ إنها ومنذ حصول الأزمة الخليجية تسلك طرقاً قانونية لمواجهتها، بحسب ما أكد مسؤولون قطريون في مناسبات عديدة سابقة.
- لماذا الإمارات من بين دول الحصار الأربع؟
يقول عضو مجلس إدارة جمعية المحامين القطرية، الحقوقي حواس الشمري: إن "محكمة العدل الدولية ولاية اختيارية، تشترط رضا جميع الجهات المتنازعة على أن تنظر المحكمة في النزاع القائم بين هذه الجهات المتنازعة وتفصل فيه، والرضا لا يشترط أن يكون صريحاً أو مكتوباً بل يكفي أن يكون ضمنياً".
وأضاف لـ"الخليج أونلاين": "ولما كانت كل من قطر والإمارات قد وافقتا على اختصاص محكمة العدل الدولية بموجب المادة 22 من اتفاقية القضاء على التمييز العنصري (CERD) في البت في النزاعات المتعلقة بالاتفاقية؛ فإن الرضا لدى الأطراف المتنازعة متوافر".
وأوضح أن بقية دول الحصار؛ السعودية والبحرين ومصر، لم توافق في الاتفاقية على اختصاص محكمة العدل الدولية حول البت في النزاعات تلك.
ومن هنا- يقول القانوني القطري في حديثه لـ"الخليج أونلاين"- فإن الدوحة وجهت الاتهام إلى أبوظبي، بأنها، وبالتحديد في الخامس من يونيو 2017، فرضت على دولة قطر حصاراً غير قانوني براً وبحراً وجواً، واتخذت حزمة إجراءات تنتهك حقوق الإنسان فيما يخص تعاملها مع المواطنين القطريين، والمقيمين على أرض دولة قطر.
واستطرد قائلاً إن ما فعلته الإمارات "يعد خرقاً بموجب الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD)؛ وهو ما جعل منظمات حقوق الإنسان المستقلة تنتقد تصرفات دولة الإمارات، ومن بينها هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلون بلا حدود".
عضو مجلس إدارة جمعية المحامين القطرية، بين أن الإجراءات التي اتخذتها الإمارات ضد المواطنين القطريين، التي تعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان، تتمثل في "طرد المواطنين القطريين ومنعهم من الدخول إليها أو العبور عبر أراضيها وبشكل جماعي، وفرضها على مواطنيها مغادرة دولة قطر، ومنعهم من السفر إليها، وإغلاقها مجالها الجوي وموانئها أمام قطر".
وأضاف أن من بين الإجراءات التي اتخذتها الإمارات "تدخلها في العقارات المملوكة لمواطني دولة قطر على أرضها، وطردها للطلبة القطريين الذين يتلقون التعليم بها من أراضيها، وحجبها عنهم أوراقهم؛ لحرمانهم من التحويل إلى جامعات في بلاد أخرى، فضلاً عن أنها جرّمت أي خطاب ينظر إليه على أنه متعاطف مع قطر أو مواطنيها".
علاوة على ذلك- يقول الشمري- فإن "مسؤولين بارزين بالإمارات يشاركون في حملة إعلامية واسعة على قطر والقطريين؛ تهدف للتحريض على خطاب الكراهية".
ومضى يقول: إن "هذه الإجراءات غير القانونية تنتهك أبسط معايير حقوق الإنسان التي أقرتها الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وتجسدت في تمزيق الروابط الأسرية وفِي تفريق العائلات، وساهمت أيضاً في حرمان القطريين الذين يتلقون التعليم والعلاج في الإمارات من حقهم في التعليم والعلاج، وساهمت في حرمان القطريين والمقيمين على أرض قطر من ممتلكاتهم في الإمارات وتجارتهم المرتبطة فيها".
وذكر الشمري أن "كل هذه الإجراءات تؤكد انتهاك الإمارات للاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD)".
وختم موضحاً: "وحيث إن الإمارات من الدول الملتزمة بهذه الاتفاقية، فإنها ملزمة بالخضوع لاختصاص محكمة العدل الدولية في نظر النزاع، الذي باشرته دولة قطر على الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، التي نأمل أن يعيد الفصل في هذا النزاع من قبل المحكمة الاعتبار للحقوق الإنسانية للمواطنين القطريين والمقيمين على أرض قطر، التي انتهكتها الإمارات بإجراءاتها اللاإنسانية".