ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

حكايتنا مع ريالات «آل سعود»

في 2018/07/17

محمد سيف الدولة- جريدة الشعب-

توقفت طويلا أمام حالة العداء للمملكة، الواضحة فى كثير من تعليقات المشاهدين العرب على مباراة الافتتاح فى كاس العالم بين روسيا والسعودية، فكتبت التدوينة التالية معقبا على هذه الحالة:

«لو كنت سعوديا، لاهتممت كثيرا بتحليل ودراسة وفهم وتدارك أسباب كل هذه الكراهية الشعبية العربية من المحيط للخليج، لمملكة آل سعود، التى كشفتها الانحيازات والتشجيعات والتعليقات العربية فى مباراة السعودية مع روسيا اليوم».

فجاءنى ضمن الردود، الرد التالى من حساب سعودى يعرف نفسه بانه: مُطبِّل للوطن .. راقص على جراح الخونة والطابور الخامس ـ الجيش السلماني الإلكتروني. أما تعليقه فكان كما يلى:

«كل اللي يكرهونا نُطف عجم وقرنّشع (لا أعلم من هم القرنشع) ولا لهم ذاك التأثير او الثقل السياسي او الإقتصادي لذلك اشوف كرههم مؤشر ايجابي، واكثر ما يميّزهم ان الريال يجيب اشرف شريف عندهم .. دولتنا تشتري ذممهم وشعبنا يشتري شرفهم».

لم أتعاطف بالطبع مع انحياز غالبية الجماهير العربية ضد فريق السعودية، لأنه مهما كان موقفنا من أنظمة الحكم والحكام والعائلات الحاكمة، فان أهل المملكة سيظلون اشقاء لنا، كما ان وضع كل الشعب فى أي من بلدان العالم فى سلة واحدة موقف عنصري كريه ومذموم، لذلك عنونت تدوينتى بما يلى: «نحب الشعوب ونكره حكامهم».

لكن جاء تعليق عنصر اللجنة الالكترونية السعودية (السلمانية)، ليجيب بدون قصد على أهم أسباب المشاعر العدائية لمملكته، حين قال «إن الريال يجيب أشرف شريف عندهم .. دولتنا تشتري ذممهم وشعبنا يشتري شرفهم».

وهو للاسف ليس تعليقا خاصا من أحد صبية محمد بن سلمان او مخبريه، وإنما هو موقف واسع الانتشار داخل العائلة الحاكمة تجاه الشعوب العربية الشقيقة، وأخشى أن تمتد جرثومته إلى آخرين من داخل الشعب السعودى نفسه.

ويتلخص هذا الموقف العنصرى فيما يلى: «نحن الاغنياء وانتم الفقراء، نحن الأسياد وأنتم الأجراء، تستجدون منا المنح والقروض والمساعدات وعقود العمل. فمن أصغر اصغركم الى كبير كبيركم لستم سوى سلع نستطيع أن نشتريها ونبيعها ونتصرف فيها كيفما نشاء. ومن يتمرد منكم أو يعترض، سنخرجه من جنة عطايانا».

هذه فى تصوري، هى فلسفة الرؤية التى يتبناها امثال هؤلاء تجاه باقى الشعوب العربية، وهي قريبة الشبه بعلاقات الاستغلال التى تمارسها الطبقات الرأسمالية على الطبقات العاملة المشهورة بـ«البروليتاريا»، وفقا للأدبيات الماركسية.

ولو كان الماركسيون العرب يؤمنون بالعروبة وبوحدة المجتمع العربى وبوحدة تناقضاته وصراعاته، لاعتبروا أن استئثار بضعة مئات من ملوك وأمراء السعودية والخليج بالثروات العربية دونا عن باقى الـ350 مليون مواطن عربى، كانوا سيعتبرونها أكثر أشكال الصراعات الطبقية حدة فى المنطقة العربية. وربما قدموا الاجتهادات والتحليلات والدعوات والشعارات عن وحدة الطبقة العاملة العربية، أو وحدة الشعوب العربية فى مواجهة هؤلاء.

ورغم أن حكام الخليج يعيشون على الأرض الطاهرة التى هى موطن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وأرض الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي الكريم ومهد ديننا الحنيف الذي حرم العبودية لغير الله، وحضّ على إعتاق الرقاب وتحريرها، إلا أنهم لا يزالوا يستغلون باقى خلق الله على طريقة ملاك العبيد فى العصور القديمة والوسطى.

فمن غيرهم فى العالم يعرف «نظام الكفيل»، الذي لا يعدو أن يكون أحد أشكال العبودية المبطنة، والذي كان له على امتداد عقود طويلة، بالغ الأثر فى صناعة الكراهية الشعبية العربية لأثرياء النفط فى السعودية والخليج.

ولدينا فى ذلك سجلات سوداء تتضمن ملايين الوقائع والحكايات التي يرويها العائدين الى ديارهم من المتعاقدين المصريين والعرب وغيرهم عن أشكال العنصرية والإذلال والمعاناة التى يعانون منها على ايدى كفلائهم فى المملكة والخليج.

وما يفعلونه مع المواطنين العرب يفعلوه أيضا مع حكام الدول العربية الفقيرة، فمن منا ينسى ذلك المشهد المهين لكل من لديه ذرة من الكرامة، والمسيء إساءة بالغة لصورة الشعوب العربية والاسلامية لدى بقية شعوب العالم، حين هرول واحتشد كل هذا العدد من الملوك والرؤساء فى مايو 2017 للقاء وإرضاء ومبايعة ترامب، هذا المقاول الأميركي العمومي، وكأنهم عمال تراحيل جمعهم له مقاول الأنفار السعودي.

وما زلت أتذكر تصريح محمد بن سلمان متفاخرا كالطاووس فى عام 2015 بان المملكة العربية السعودية هى الدولة الوحيدة فى العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية التي استطاعت فى المائة سنة الأخيرة (هكذا) ان تؤسس وتقود تحالفا عسكريًا وتحشد له كل هذا العدد من الدول العربية والإسلامية في إشارة الى التحالف الاسلامى الدولى الذى اعلنته السعودية فى 15 ديسمبر 2015 ويضم 41 دولة من بينها مصر.

إنهم يقدمون انفسهم اليوم للأميركيين وللعالم كله، بصفتهم قادة الأمتين العربية والإسلامية وحاملو رايتها والمتحدثون باسمها والمتحكمون بقراراتها وبوصلتها.

وكيف لا يفعلون ذلك وهم يرون أكبر وأقوى دولة عربية في المنطقة والتى يبلغ تعداد شعبها ثلث الأمة العربية تقريبا وهى تتنازل لهم عن جزء من أراضيها فى تيران وصنافير مقابل بضعة مليارات من الدولارات.

أصبحت العائلات المالكة فى السعودية والخليج اليوم وأمثالهم من الأنظمة العربية التابعة المستبدة أشد خطرا على مستقبل الأمة العربية وحريتها وما تبقى من استقلالها، من كثير من أعداء الأمة التاريخيين. فالعدو المتخفى والمستتر أشد خطرا ألف مرة من العدو الظاهر، خاصة اذا تحالفا معا.

أكبر مثال على ذلك ما نراه اليوم مما يدفعونه من قرابين وأثمان فادحة للاحتفاظ بالحماية الأميركية لعروشهم وثرواتهم، بدءا بتصفية القضية الفلسطينية والتطبيع والتحالف مع العدو الصهيونى، ومرورا بقيادتهم للحروب الأميركية بالوكالة وتمويلهم للمرتزقة والميليشيات وأمراء الحروب.

وانتهاء بدفع الإتاوات بمئات المليارات تحت أقدام ترامب، وإغراق الأسواق بالنفط تنفيذا لتعليمات السيد الأميركى، بدلا من توظيفه كسلاح ردع بمواجهة الضغوط الأميركية والغربية، على غرار ما حدث خلال حرب اكتوبر 1973.

وحتى حين قامت ثورة 25 يناير بمصر فإنها اصطدمت بعنجهيتهم منذ اللحظات الأولى حين اشترطوا خروجًا آمنًا لمبارك ثم انهمرت الشروط والقيود والأموال كالطوفان، إلى أن نجحوا في إجهاض الثورة.

أتتذكرون حين حاصر شباب الثورة السفارة الصهيونية عام 2011، ثم تسربت بعض العناصر المشبوهه لمهاجمة السفارة السعودية المجاورة بإيعاز من اجهزة الامن بغرض الإساءة للثورة وشبابها وتشويه حصارهم البطولي للسفارة.

فما كان من السفير السعودى وقتها إلا أن أغلق السفارة واوصد ابوابها وعاد إلى بلاده غاضبا، فى رسالة لا تخفى مغزاها من انكم انتم الذين تحتاجون السعودية، أما نحن فلا حاجة لنا بكم.

فاذا بغالبية القيادات السياسية حينذاك تهرول إلى السعودية لاسترضائه ومصالحته واستجداء عودته إلى القاهرة.

بل لقد كشفت لنا الثورات العربية فيما بعد، عن حجم النفوذ والسطوة التى يتمتعون بها فى المنطقة كلها، والتي انتصرت على إرادة الشعوب العربية وقواها الثورية والوطنية مجتمعة بكل تاريخها ونضالاتها واحزابها وتنظيماتها وكوادرها ومفكريها.

فلقد نجحوا بأموالهم ونفوذهم فى اجهاض أو احتواء أو افساد أو انحراف أو عسكرة الثورات العربية واحدة تلو الأخرى ربما باستثناء وحيد هو تونس التى لا تزال تقاوم حتى اليوم.

لقد انتصر الريال على النضال وانتصرت الثروة على الثورة كما كان يقال منذ نهاية حرب 1973.

وهى الحقيقة المرة التى أضافت عقبة كبرى جديدة أمام اى مشروع مستقبلى للاصلاح او للتغيير الثورى فى بلاد العرب. وبدون حلها، لا خلاص لنا ولا أمل فى المنظور القريب، وهى عقبة الهيمنة المالية النفطية على القرار العربى الرسمى وعلى كافة انظمة الحكم ومؤسساتها فى غالبية الدول العربية.

ولم يقتصر تدخلهم على اقطار الثورات العربية، وانما امتد الى بلدان مثل لبنان الذى تحكمه معادلة محاصصة خاصة منذ عقود طويلة، تحافظ على توازنه واستقراره وتجنبه السقوط مرة أخرى فى أتون الحرب الاهلية، فاذا بهم يخطفون رئيس الوزراء اللبنانى، ويمارسون اقصى انواع الضغوط المالية والاقتصادية، فى خطة لا تخفى على أحد تستهدف تفجير الوضع الداخلى.

حتى الرياضة المصرية لم تنجُ من اعتداءات اثرياء النفط، فنجد مسئولا سعوديا يقوم باختراق مجال الكرة المصرية بادرا ملايين الجنيهات، وحين يختلف مع ادارة النادى الاهلى يصدر بيانا مهينا يتفاخر فيه بكم الاموال التى وهبها له على طريقة ((كله بفلوسى)).

ثم يتمادى فى الثأر والانتقام، فيقوم بشراء أحد النوادى المصرية ويضخ فيه ملايين أخرى نكاية فى النادى الاهلى وفى تاريخ الكرة المصرية وعراقتها، ويجد للاسف من القامات الكروية الكبرى من يقبل عطاياه ويساعده فى تحقيق أغراضه.

وفى مجال الاعلام، ورغم انه من النادر جدا ان نجد مثقفا او كاتبا او مفكرا، ينتمى الى العائلات المالكة، له وزن او قيمة فكرية كبيرة، الا ان اموال السعودية والخليج تحتكر وتسيطر على غالبية منابر الاعلام العربى المرئى والمقروء، وتوظف قطاعات واسعة من الاعلاميين والصحفيين والكتاب والمثقفين العرب فى صحفها وقنواتها وبرامجها الفضائية.

وهو ما ينطبق كذلك على مجال الانتاج والتوزيع التلفزيونى والسينمائى، الذى يلتزم على الدوام بتوجهات وتعليمات ومحاذير المال السعودى والخليجى. وليس ما حدث لمسلسل "ارض النفاق" سوى مثال واحد فقط على ذلك.

ان أمتنا وشعوبنا الحرة الكريمة التى تحمل حضارة عظيمة، تؤمن بان الارزاق بيد الله، وانه لا اله الا هو، فاذا بمن يحكمون اليوم هذه الارض الطيبة التى أنزل الله فيها رسالته، يقولون لنا إن الارزاق والمصائر والمصالح بأيديهم هم.

فكيف يمكن ان تحبهم أو تحترمهم الشعوب العربية؟ وكيف يمكن أن تأمن شرهم؟