شيخة الجاسم- البيت الخليجي-
يمثل عنوان هذه المقالة التهمة التي ألصقت بدولة قطر من قبل الدول الأربع المقاطعة (السعودية/الإمارات/ البحرين/ مصر) لها منذ عام ونيف. فما المقصود بالإرهاب؟ ومن هم الإرهابيون؟ وأين تقف الأزمة الخليجية الآن؟ وما هي المخارج الممكنة لها؟
الإرهابيون، من وجهة نظر دول المقاطعة، هم الإخوان المسلمون لأنهم ببساطة “يطمحون” لتغيير شكل الحكم في هذه الدول وغيرها. بالطبع، طموح الإخوان مشروع، باعتبارهم مواطنين أحرار يرغبون في تطوير مجتمعاتهم. إلا أن هذا الطموح يشكل خطراً على الأنظمة والأسر الحاكمة حاليا، ولهذا السبب، دائما ما يُتهم الإخوان بالإرهاب. ولو نظرنا بموضوعية للجرائم الإرهابية التي هزت مجتمعاتنا الخليجية لوجدنا أن الفكر السلفي وليس الإخواني هو مصدرها، وبالتالي اتهام الإخوان المسلمين بالإرهاب يبدو ركيكا، ولكن هذا هو نهج السياسة، فمن غير المعقول أن يتهم الإخوان بالرغبة في التغيير لأن ذلك حق مشروع في الأنظمة الديموقراطية وليس تهمة.
ثنائية السلف والإخوان
من بعد أحداث الربيع العربي، بدأ الخلاف السلفي الإخواني يطفو على السطح. السلف يتخذون موقفا صديقا من الحاكم أو كما يسمونه “ولي الأمر”، يطيعونه ولو كان ظالما ويناصحونه سرا ولا يخرجون عليه. بينما الإخوان يتخذون موقف الندية من الحاكم، ويرون أن المجتمعات العربية جاهزة الآن لأن تقيم دولة الإسلام بحسب مفهومهم، ويستغلون النظام الديموقراطي للوصول للسلطة وتغيير أنظمة الحكم متى ما أمكن ذلك، أو يثورون على النظام كما حصل في الربيع العربي حيث كان الإخوان اللاعب الأهم فيه.
عمل الإخوان المسلمون على مدى العقود الماضية على تهيئة أجيال يحملون فكرهم الداعي إلى إقامة دولة الخلافة، ونجحوا في صنع القيادات والجماهير الداعمة لهم. ورأوا في حركات الربيع العربي الفرصة الذهبية لهم إلا أن نتيجة هذه الثورات والحركات أثبتت أموراً أخرى، منها؛ أن الأنظمة الحاكمة أقوى بكثير مما تصوروا، وأن العلاقات الدولية والأموال والصفقات الإقليمية تستطيع أن تعزز من سلطة الأنظمة القائمة.
وعلى اية حال فإن فشل الحركات الإخوانية في الخليج نبه الأنظمة الحاكمة لخطورتهم. وهو ما دعا إلى اتهامهم بالإرهاب لتشويه صورتهم في نظر العامة، وشن الحروب ضدهم للتخلص منهم وضمان البقاء في الحكم. وفي المقابل، نلاحظ زيادة الظهور الإعلامي لشيوخ السلفية.
قطر والإخوان
تحكم قطر أسرة طموحة لأن تجعل لهذه الدولة الصغيرة وجوداً مؤثراً على الساحة العالمية. واحتضانها المقرر لبطولة كأس العالم 2022 أحد الأدلة على ذلك. كما أن قناة الجزيرة الإعلامية وإن اختلف الكثيرون مع طرحها، هي صناعة قطر.
نعلم بأن قطر احتضنت رموز الإخوان المسلمين. والراجح؛ هو أن هذا الاحتضان ليس حباً أو تأييداً أو تبنياً لهذا الفكر بقدر ما أن النظام القطري ذكي في صياغة مراهناته ورأى أن احتضانه لهذا التوجه وهذه الجماعة في هذا التوقيت سيساعده على تحقيق مشروعاته وطموحاته السياسية. فمن حيث النظام السياسي لا فرق بين الإمارات وقطر والسعودية والبحرين، كلها تحكمها أسر. وإن اعتقد الإخوان أن اتحادهم الآني/ المؤقت مع قطر سيستمر لتحقيق طموحاتهم بدولة إسلامية فهم يخدعون أنفسهم كما حدث في الربيع العربي. تمارس قطر خياراتها وتحالفاتها السياسة بذكاء واحتضان الإخوان أكسبها تعاطفاً ملحوظاً في الشارع العربي.
المقاطعة وسيناريوهات الحال
تأثرت قطر بالمقاطعة الجوية والبحرية والبرية من الدول الأربع، إلا أن السياسة القطرية أثبتت نجاحها عن طريق العلاقات البديلة التي زادت قوتها بعد المقاطعة ومن أهمها علاقاتها الثنائية مع كل من تركيا وإيران والهند. كما أن حيادية الكويت وعمان ساعدت قطر على ثبات موقفها، بل واستمراريتها. إضافة إلى ذلك فإن الأزمة القطرية زادت الجرعة الوطنية للشعب القطري وزادت معدلات الانتاج من المواد الغذائية والألبان لتعويض النقص الناتج من المقاطعة. اليوم نرى قطر متماسكة قوية بل وتعمل بمجهود مضاعف لبناء فنادق وملاعب بمقاييس عالمية وسكك حديدية استعدادا لاستضافة كأس العالم 2022.
تتفق التحليلات السياسية العربية والعالمية على خلو الأفق من أي حل قريب للأزمة القطرية. لأن الدول المقاطعة تطالب قطر بثلاثة عشر مطلباً تمس السيادة القطرية. أهمها؛ وقف التحريض الإعلامي ضد دول المقاطعة، وإغلاق قناة الجزيرة. والحقيقة هي أن التحريض متبادل بين جميع الأطراف لا قطر بمفردها. كما تطالب الدول المقاطعة بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر وتقليل التمثيل الدبلوماسي القطري في إيران، وغيرها من الطلبات التي تصادر السيادة القطرية بشكل مباشر.
استمرت قطر بالصمود بل وبالعمل على تقوية علاقاتها الدولية وبتكثيف الدعايات الإعلانية على القنوات العالمية، وهذا بعكس ما كانت تظنه دول المقاطعة. لذلك، يبدو أن الأزمة مستمرة طالما استمرت الظروف الإقليمية دون تغيير.