كولين كلارك - لوفير-
لأكثر من عام، قادت السعودية وحلفاؤها (الإمارات والبحرين ومصر) حملة لا هوادة فيها ضد قطر، فيما يبدو أنها تؤدي إلى نتائج عكسية، في محاولة عاجزة للتنمر على الدوحة وإخضاعها، وبالإضافة إلى الحصار، يُزعَم أن السعوديين يمضون قدماً في خطة لحفر قناة على حدودهم لتحويل قطر إلى جزيرة.
ويبدو أن السعودية وحلفاءها استاؤوا من السياسة الخارجية المستقلة في قطر، وهي في الحقيقة مجرد رمز لفشل الدوحة في الإذعان الكامل للمطالب السعودية، وتقبل سعي المملكة لتحقيق الهيمنة الإقليمية، وقد تمت مراكمة هذه التوترات لسنوات.
من بين الشكاوى الأخرى التي قدمتها دول الحصار هي علاقة قطر الحميمة بـ"الإخوان المسلمون"، والدعم المقدم لمختلف الجماعات الإسلامية في سوريا.
ويعد قلق دول الحصار حول تمويل الإرهاب مثيرا للسخرية على العديد من المستويات، لأسباب ليس أقلها أن السعودية هي المصدِّر الرئيسي للوهابية الأصولية التي تعد الأيديولوجية الأساسية للجهاديين السلفيين حول العالم طوال العقود الثلاثة الماضية، ومؤخرا، تم الكشف عن قيام الإمارات بعقد صفقات مع مقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية لكي ينسحبوا من المدن في اليمن.
يبدو أن دول الحصار حاولت إخضاع قطر من خلال تقديم قائمة تضم 13 طلبًا في يونيو/حزيران 2017، كان أهمها أن تقطع الدوحة علاقاتها مع إيران، وهي بلد تشترك معه في إدارة حقل الشمال للغاز (جنوب بارس)، وهو واحد من أكبر الحقول وأكثرها ربحًا في العالم.
لكن العائلة المالكة في قطر ترفض استيعاب وجهة نظر الرياض حول إيران، وتحتفظ بدلاً من ذلك بعلاقة براغماتية وعملية مع الملالي الإيرانيين.
أثر عكسي
وأدى انشغال السعودية بمحاولة السيطرة على قطر إلى تحويل الموارد والاهتمام من مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة نحو حصار قطر.
علاوة على ذلك، فإن هذه السياسة السعودية أفسحت المجال للادعاءات الإيرانية حول وجود مؤامرة بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) ودول الخليج لنسف الصفقة النووية الإيرانية؛ تمهيداً لإثارة حرب لإضعاف إيران.
وكان للهوس بقطر تأثير معاكس أيضا من ناحية، فهو بطبيعة الحال يدفع الدوحة إلى علاقات أوثق مع طهران كوسيلة للتخفيف من العواقب الاقتصادية السلبية للحصار المستمر.
لم يكن التأثير الأكثر وضوحاً للحصار هو عزل إيران، بل إضعاف مجلس التعاون الخليجي، وهو أحد السدود الرئيسية ضد التوسع الإيراني.
وعلاوة على ذلك، فإن الحملة العقابية التي فرضتها السعودية على جارتها الصغيرة اعتبرت انتقامية بشكل لا مبرر له من قبل قطاعات كبيرة من العالمين العربي والإسلامي.
وكما لاحظ الخبير الإقليمي "حسن حسن" فقد "أصبح العرب عبر الشرق الأوسط الأوسع مؤهلين لرؤية أنشطة دول الحصار كمؤامرة استبدادية ضد تطلعات التغيير السياسي منذ الانتفاضات العربية في 2011".
كما امتد النزاع إلى ما وراء الخليج، وهو يهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في مناطق أخرى، بما في ذلك القرن الأفريقي، حيث علقت الإمارات برامج المساعدات، وسحبت مستشارين من الصومال بعد أن حاول رئيسها "محمد عبدالله فارماجو" البقاء محايداً، وتجنب الانحياز في النزاع بين قطر ودول الحصار.
موقف أمريكي ملتبس
لذا ينبغي على الإدارة الأمريكية في الوقت الذي تنشغل فيه بالتهديد الذي تشكله إيران، ينبغي عليها أن تضع في اعتبارها ألا تُبعد قطر التي هي في الواقع، أحد أهم شركائها في المنطقة.
ومنذ الأيام الأولى للنزاع السعودي القطري، أرسلت إدارة "ترامب" إشارات متضاربة، فقد بدا أن الرئيس يدعم السعوديين، بينما دعا وزير الخارجية آنذاك "ريكس تيلرسون" إلى العودة إلى الوضع الطبيعي وتفاوض على مذكرة تفاهم مع الدوحة في منتصف عام 2017 حول مكافحة الإرهاب، أُتبِعَت المذكرة بحوار أمريكي قطري حول مكافحة الإرهاب وحوار إستراتيجي بين الولايات المتحدة وقطر، بدأ في أوائل عام 2018.
علاوة على ذلك، تعد قطر موطناً للقاعدة الجوية "العُديد"، حيث يتمركز 10 آلاف عسكري أمريكي، وتعد قطر محورية لاستمرار التقدم في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".
لكن "تيلرسون" ذهب الآن، وربما فقد وظيفته بسبب جهوده القوية لمنع السعودية والإمارات من غزو قطر، وكان "ترامب" بطيئًا في إدراك أهمية العلاقة مع الدوحة، وعلى الرغم من وجود بعض الإشارات حول تغير سياساته، لكن التعنت المبكر أدى إلى استمرار النزاع، وصعب من جهود حل هذه المشكلة.
في الأيام الأخيرة، هدد الرئيس "دونالد ترامب" بشكل مباشر الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، ولاحقا أعلن أنه مستعد للاجتماع مع الإيرانيين دون شروط مسبقة (اعترض الإيرانيون)، ومن المحتمل أن هذا التصريح جذب انتباه القادة في الخليج، خاصة السعودية.
وليس سراً أن إيران تقع على قمة أجندة السياسة الخارجية لإدارة "ترامب" وتهيمن عليها في كثير من الأحيان عندما يزور قادة الخليج، بمن فيهم ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، البيت الأبيض.
إيران هي المستفيد
وبالنظر إلى تصرفات إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الدعم المستمر للمتمردين الحوثيين في اليمن، ورعاية حزب الله، والدعم الثابت لنظام "الأسد" في سوريا، فليس هناك شك في أن إيران تشكل تهديدًا كبيرًا للاستقرار الإقليمي والعالمي.
لكن هذا التهديد لا علاقة له بالدوحة، وإذا كانت السعودية مهتمة للغاية بمكافحة التهديد المشروع الذي تشكله إيران الصاعدة، فمن الأفضل أن تعيد تقويم هوسها المستمر بقطر، من الناحية العملية، يعني هذا إعادة النظر في قائمتها للمطالب الواسعة النطاق، والتي يبدو أنها مصمَّمة لإدامة النزاع بدلاً من حله.
ولكي يتحقق أي تقدم ملموس ودائم، فإن الجهد الدبلوماسي الأمريكي المنظم سوف يحتاج إلى كسب الدعم، وأن يسانده من هم في أعلى مستوى في الإدارة، بدون هذا، سوف يستمر الخلاف، وستحصد طهران الفوائد.