ملفات » الخلافات القطرية الخليجية

"بيغاسوس": سلاح إسرائيلي في خدمة بن زايد

في 2018/09/03

عرب 48 -

يومًا بعد يوم تتكشّف أكثر العلاقات الإسرائيلية بولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، التي يبدو أن لا قاع لها، فمن مناورات عسكريّة ولقاءات سريّة وتلاقٍ سياسي في المنطقة، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" فصلا آخرَ من فصول أدوار بن زايد في المنطقة، الأشبه بالمافيا، منها التجسس على أعدائه وخصومه وحلفائه، باستخدام تكنولوجيا "بيغاسوس" الإسرائيلية التي أسسها ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي.

بشكل سريّ، يستخدم حكام الإمارات، في السنوات الأخيرة، برنامج تجسس إسرائيليًا اخترقوا بواسطته هواتفَ معارضيهم وخصومهم في الداخل وفي الخارج، منها هواتف أمير دولة قطر، وقائد الحرس الوطني السعودي، متعب بن عبد الله، وصحافييّن ومثقفين عرب، بحسب ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، اليوم الجمعة.

كما طاول التجسس، وفقًا للتقرير، 159عضوًا في الأسرة الحاكمة القطريّة.

إسرائيل صادقت على بيع برنامج التجسس على آيفون لدولة خليجية

يمكن للمشغلين تحديد موقعه والتنصت عليه وإنزال تطبيقات وتسجيل مكالمات والتقاط صور بواسطته، وإجراء مكالمات، وقراءة وكتابة رسائل نصية قصيرة وإيميلات، ودخول شبكات تواصل اجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"لينكد إن"، وإجراء مراسلات باسم صاحب الجهاز في "مسنجر" و"سكايب".

واستند تقرير الصحيفة إلى رسائل إلكترونية مُسربة اطّلعت عليها محكمتان قبرصيّة وأخرى إسرائيلية، يوم أمسٍ، الخميس، بعد تقديم دعويين ضد مجموعة الشركات المُصنّعة لبرامج التجسس "إن إس أو".

وقامت الشركة الإسرائيليّة بتسجيل محادثات لرئيس تحرير صحيفة "العرب" اللندنيّة الممولة إماراتيًا عام 2014، عبد العزيز الخميس، بعد أربعة أيّام من استفسار إماراتي عن إمكانيّة تسجيل محادثات أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أو مراقبة هاتف قائد الحرس الوطني السعودي، متعب بن عبد الله، الحليف اللدود للإمارات، أو تسجيل مكالمات الخميس، في تجربة لإثبات نجاعة البرنامج.

وأكّد الخميس، الذي ترك رئاسة تحرير الصحيفة وانتقل عام 2015 للعمل في قناة "سكاي نيوز عربية" ومقرّها أبو ظبي، صحّة هاتين المحادثتين، مُضيفًا أنه لم يكن يعلم أنه تحت المراقبة.

وبالإضافة إلى هاتين المحادثتين، كُشفت أمس، دعويان منفصلتان لمواطن قطري وصحافي مكسيكي على المجموعة لمساهمتها في التجسس عليهما.

وتُعتبر "إن إس أو" من المجموعات الرائدة في مجال صناعة برامج التجسس وبيعها للحكومات مقابل عشرات ملايين الدولارات، ووصفتها الصحيفة بأنها أشهر الشركات المعنية بتطوير برامج من هذا النوع لغزو الهواتف الذكية.

وتزعم المجموعة الأمنية الإسرائيلية أنها تبيع هذه التكنولوجيا للحكومات التي توافق على شروط استخدام هذه التقنيات ضد "المجرمين" فقط، لكن الحكومات تستطيع تشغيلها من تلقاء نفسها بعد إتمام عملية البيع، إلّا أن طبيعة منتجات شركات المجموعة الأمنية تُلزمها على أخذ موافقة من وزير الأمن الإسرائيلي قبل بيع هذه التقنيات، إذ أنها تُستخدم سلاحًا للأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية.

وتؤكد الوثائق ورسائل البريد الإلكتروني المسربة أنّ ادّعاءات المجموعة عدم مسؤوليتها عن "سوء استخدام" الحكومات المختلفة لتقنياتها غير صحيحة، إذ أن المعلومات تُشير إلى تورط شركات المجموعة في هذه الانتهاكات بشكل مباشر.

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أنه في حالة الإمارات، فقد ساهمت إحدى شركات المجموعة الإسرائيلية الأمنية في مراقبة مسؤولين حكوميين غير إماراتيين بطلب إماراتي، ونجحت في تسجيل مكالمات الصحافي السعودي، بطلب من زبائنها الإماراتيين منذ أربع سنوات.

وقالت الصحيفة الأميركية إن التقنية الإسرائيلية تعمل عن طريق إرسال رسالة نصية لجهاز محمول مُستهدف، لتوقع صاحبه بفخ فتح البريد الإلكتروني، الأمر الذي يؤدي إلى تحميل البرنامج الخبيث المُسمى بـ"بيغاسوس". وبعد تحميله، وبالتالي تفعيله، يسجل البرنامج جميع المكالمات الصوتية والرسائل النصية والبريد الإلكتروني وحتى محادثات الفيديو.

وبحسب الوثائق المسربة، فقد اقترحت الشركة الإسرائيلية بعض الرسائل العامة للإيقاع بالأشخاص، تمت ملاءمة سياقها إلى منطقة الخليج العربيّ، مثل استخدام عناوين "رمضان يقترب- تخفيضات هائلة" أو "احمِ إطارات سيارتك من خطر الانفجار في الحر".

وأبرزت "نيويورك تايمز" التناقض في عدم اعتراف الإمارات بإسرائيل من جهة، وبين التحالف المتنامي "غير الرسمي" بينهما من جهة أخرى، خصوصا أنه، في هذه الحالة، تُعتبر تقنيات التجسس الإسرائيلية سلاحا خاصا لا يمكن بيعه دون موافقة وزير الأمن الإسرائيلي.

وأشارت الوثائق المسربة في المحاكمة إلى أن الإمارات وقّعت عقدا لشراء برنامج المراقبة الإسرائيلي منذ آب/أغسطس 2013، وبعد عام ونصف من هذا التاريخ، أظهرت إحدى الوثائق أن شركةً بريطانية تعمل ضمن المجموعة الإسرائيلية طالبت بمبلغ 3 مليون دولار كدفعة سادسة، ما يؤكد أن المبلغ الذي دفعته الإمارات خلال هذه الفترة فقط لا يقل عن 18 مليون دولار لقاء هذه التقنية، لتشتري تعديلا آخر على البرنامج بعد عام من ذلك من شركة أخرى في المجموعة مقرّها قبرص.

وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة، أن الإماراتيين كانوا ينوون اعتراض ومراقبة المكالمات الهاتفية التي أجراها أمير قطر منذ عام 2014.

 

لأمراء آل سعود نصيب من التجسس أيضًا

ولم تتوقّف قائمة الاستهداف الإماراتية عند المسؤولين القطريين، إذ تبيّن رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين مجموعة "إن إس أو" التكنولوجية والإمارات، محاولة استهداف هاتف وزير الحرس الوطني السعودي السابق، متعب بن عبد الله، الذي كان وريثا محتملا للعرش في تلك الفترة، ومنافسًا قويًا لوليّ عهدها الحالي، محمد بن سلمان، الشخص الذي لفتت الصحيفة إلى العلاقة الوطيدة التي تربطه بولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ودعم الأخير له منذ تلك الفترة في للوصول إلى ولاية العهد، إلى أن تمكّن بن سلمان من عزل متعب بن عبد الله من منصب وزير الحرس الوطني عام 2017، إضافة إلى احتجازه، لاحقًا، ضمن حملة "مكافحة الفساد" الأخيرة التي طالت مئات المسؤولين والأمراء السعوديين.

وكشفت رسائل البريد الإلكتروني، أيضًا، طلب الإماراتيين مراقبة هاتف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، المقرب من السعودية، لكنّها لم تكشف موعد ذلك تحديدًا. يُذكر أن السعودية احتجزت الحريري في الفترة ذاتها التي احتجزت فيها متعب بن عبد الله وأمراء آخرين، وزار خلال احتجازه دولة الإمارات لساعات معدودة قبل أن يعود إلى السعوديّة.

وكان الحقوقي الإماراتي، أحمد منصور، أول من كشف استخدام الأجهزة الأمنية الإماراتية لبرنامج التجسس الإسرائيلي عام 2016، بعد أن لاحظ وجود رسائل نصية مريبة في هاتفه بالإضافة إلى محاولة اختراق جهاز الـ"آيفون" الخاص به، وأبلغ الشركة الأميركية المُصنعة لهذا النوع من الهواتف "آبل" بهذه المحاولة. (يُشار إلى أن منصور مُعتقل في السجون الإماراتية منذ العام الماضي بتهم قد لا تكون متعلقة)

ودفع بلاغ منصور بالشركة الأميركية الشهيرة إلى إطلاق تحديثات جديدة تتجاوز نقاط الضعف التي كانت تستغلها مجموعة "إن إس أو" للتجسس، وتعهدت المجموعة الأمنية الإسرائيلية، بدورها، بـ"التحقيق" في ملابسات القضية، إلا أن الوثائق المُسربة في المحكمة تُشير إلى تورط الإمارات باستخدام هذه التقنية حتى بعد هذه "الفضيحة".

وبعد مضي عشرة أيام على الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر في 5 حزيران/يونيو العام الماضي، أُرسلت رسالة عبر البريد الإلكتروني في الأروقة الداخلية الإماراتية، تُشير إلى مراقبة هواتف 159 فردا من العائلة الملكية القطرية والمسؤولين القطريين وغيرهم، عبر استخدام التقنية الإسرائيلية.

وتشير الرسالة المسربّة إلى اضطلاع نجل ولي عهد أبو ظبي، خالد بن محمّد، بشكل مباشر، في الاختراق، إذ تضمنت الرسالة محادثة بين مسؤول إماراتي، عُرّف خلال المحاكمة بأنه مساعد الأمير خالد بن محمد، وهو نجل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، قال له من خلالها "شاهدنا المعلومات الذي تم جمعها من عملية مراقبة الهواتف ’ق’"، مشيرًا إلى أول حرف من كلمة قطر.

تُجدر الإشارة إلى أن القضية الثانية رفعها صحافي مكسيكي على شركة "إن إس أو"، بعد أن لاحظ حقوقيون وصحافيون وناشطون آخرون مراقبة هواتفهم الذكية من قبل الحكومة المكسيكية التي تعاقدت بدورها مع المجموعة الأمنية الإسرائيلية بهدف التجسس على "المجرمين".

 

محاجنة ومصري: الدعوى تفضخ التعاون الأمني الإماراتي الإسرائيلي

وقال وكيل المتضررين المكسيكيين ومعد الدعوى القضائية، المحامي علاء محاجنة إنّ هدف القضية تحميل الشركات التي تقف وراء عمليات التجسس الإلكتروني المسؤوليّة القانونية الكاملة عن تطويرها هذه تكنولوجيا الخطيرة، وبيعها لجهات معروفة بإخلالها بحقوق الإنسان وملاحقة الناشطين السياسيين.

وأضاف محاجنة أنّ أهميّة القضية تبرز، أيضًا، كونها تعتبر محاولة أولى من نوعها عالميًا لتطوير القانون لتمكينه من اللحاق بركب التطور التكنولوجي.

في حين قال المحاضر في القانون بلندن، والشريك في إعداد وتحضير الدعوى، د. مازن مصري، لـ"عرب ٤٨"، إن القضيّة تعالج موضوع التكنولوجيا والقانون وهو موضوع حديث نسبيا. التكنولوجيا التي تم تطويرها خطيرة جدا بحد ذاتها، والأخطر هو أنّ هذا الموضوع هو خارج نطاق أيّة رقابة قضائية.

وأضاف محاجنة ومصري أن المستندات المبرزة في الدعوى تفضح التعاون الأمني ما بين الشركات الإسرائيلية، التي تربطها علاقة وثيقة بالأجهزة الأمنية وبين حكومة دولة الإمارات، لا سيّما أنّه وفقًا للقانون الإسرائيلي، بيعُ هذه التكنولوجيا منوط بموافقة الحكومة الإسرائيليّة.

ومن بين المتجسس عليهم، على ما يبدو، المفكّر العربي د. عزمي بشارة.

 

غلوبس: الشركة أسسها ضباط إسرائيليون سابقون

وكانت صحيفة "غلوبس" الاقتصاديّة، قد نشرت في العام 2013، أنّ مؤسيي شركة "إن إس أو" الإسرائيليّة هم ضباط سابقون في وحدة 8200العسكريّة التي تتبع شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، مهمّتها ما يسمى عسكريًا بـ"استخبارات الإشارات"، أي جمع المعلومات الاستخباراتية عن طريق اعتراض الإشارات.

وأوضحت الصحيفة، حينها، أن برنامجًا طوّرته الشركة يدعى "بيغاسوس" بإمكانه الدخول إلى أي هاتف محمول يختاره مشغّلو البرنامج، وسحب منه كل المعلومات الموجودة فيه، من رسائل عادية ورسائل إلكترونيّة وحتى أرشيف محرّكات البحث داخل الجهاز وقائمة الهواتف بدون موافقة أو حتى معرفة مزوّد الخدمة أو صاحب الجهاز، طبعًا.

كما أوضحت الصحيفة، نقلًا عن مجلة "ديفنس نيوز"، أنّ ما يميّز هذا البرنامج عن برامج التجسس الأخرى هو قدرتها على الوصول إلى هواتف عينيّة يختارها المشغّل، دون أهميّة لمكانهم أو الشركة المشغّلة للجهاز.

وبلغ تمويل الشركة المنتجة أكثر من 1.6، في مرحلتها الأولى، وموّلها الضباط السابقون في وحدة 8200 من "جيوبهم الخاصّة".

 

السلطات الإسرائيلية اعتقلت قبل أشهر أحد موظفي الشركة

في آب/أغسطس 2016، اضطرت شركة "آبل" الأميركيّة إلى إصدار تحديث جديد لنظام تشغيل iOS المشغّل لهواتف آيفون بسبب اكتشاف اختراق، أشارت أدلّة إلى تورّط تكنولوجيا "بيغاسوس" فيه، بحسب "هآرتس".

ومن بين الدول التي تستخدم "بيغاسوس" رسميًا المكسيك، التي أعلنت في عام 2017 استخدامها في تعقّب المعارضة المكسيكيّة، والتجسس على محامين حقّقوا في مقتل 43 طالبًا وهي القضيّة التي هزّت الرأي العام المكسيكي.

رغم ذلك، اتهمت محكمة إسرائيليّة في نيسان/أبريل الماضي موظفًا في الشركة بـ"الإضرار بالأمن القومي الإسرائيلي"، بعد محاولته بيع التكنولوجيا في "الإنترنت المظلم" (دارك ويب)، لكن لـ"سوء حظه"، بتعبير صحيفة "يسرائيل هيوم"، قام الزبون المحتمل بالتواصل مع الشركة لسؤالها عن طريقة استخدام التكنولوجيا، لكنها توجّهت للشرطة لاعتقال الموظف، وهو ما حدث.