محمد صالح المسفر- الشرق القطرية-
عواصف سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية تهب على المملكة العربية السعودية من كل اتجاه، من الداخل و من الخارج على حد سواء، حلفاء الدولة السعودية لا يهمهم سوى الابتزاز والتخويف من مستقبل مظلم للنظام السياسي القائم في جزيرة العرب، وحلفاء عرب يهمهم وهْنُ الدولة السعودية وتفككها، وأهم حلفاء الابتزاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرورا بالنظام القائم في مصر بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي والقائمة تطول. بالأمس، وعلى وجه التحديد، الرئيس الأمريكي ترامب في محفل انتخابي يهدد الدولة السعودية على وسائل الإعلام قائلا للمرة الرابعة "إن السعودية لا تستطيع البقاء ساعة أمام إيران" يا للهول! إن كانت المملكة لا تستطيع أن تصمد ساعة أمام إيران بشهادة أقوى رئيس دولة في العالم والحليف للدولة السعودية، كما يزعم إخواننا في المملكة. لن أطيل في هذا الحديث عن "حليف الابتزاز" والانصياع لكل طلباته، وحلفاء الأطماع في وهْن الدولة وضعفها. الرئيس ترامب إنه مثل جهنم "يوم نقول لجهنم هل امتلأتِ فتقول هل من مزيد".
خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، تعلمُ حقَّ العلم أن الأزمات التي تعتصر النظام السعودي تتوالد توالد الصراصير الأمريكية، وأن لظى النيران من حولكم تتقد، وأنتم يا خادم الحرمين أفضل من يُخمد كل الفتن التي تحيط بكم ليس عن طريق القوة والإكراه، ولكن عن طريق الحكمة التي كنتم تتميزون بها، ولكي أذكّر مقامكم السامي عندما انشقت الأسرة المالكة في مطلع ستينيات القرن الماضي وذهب الأمراء الخمسة أشقاؤكم (طلال وفواز وعبد المحسن وبدر وبن سعد) ولحق بهم الطياران العسكريان بطائراتيهما إلى القاهرة، وكذلك كوكبة من رجال الدولة السعودية، أذكر منهم الشيخ عبدالله الطريقي، أول وزير للبترول والثروة المعدنية، نصيف وزير الصحة، وغيرهم من كبار موظفي الدولة، أذكر منهم ضحيان بن عبدالعزيز العيسى والصفواني وغيرهم، وتناولتكم وسائل الإعلام في القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت بالنقد والتجريح. في تلك الحقبة يا خادم الحرمين بذلتم شخصيا كل جهودكم وأنتم لستم على هرم السلطة كحالكم اليوم، وتواصلتم شخصيا مع كل تلك الشخصيات واستقطبت من استطعت إليه سبيل وحيّدت من لم تستطع استقطابه، واستعدت وحدة الأسرة الحاكمة ونصّبتم بعضهم في مراكز قيادية، الأمير فواز أميرا لمكة المكرمة وعبدالمحسن أميرا للمدينة المنورة، وهكذا كان، وإخوانكم الأمير فهد وزير الداخلية، قبل أن يكون ملكا، عيّن قيادات بعثية معارضة للنظام في وزارة الداخلية مستقطبا لهم، وعيّن بعض الشيوعيين في وزارة الإعلام في عهد الجيلان وكذلك بعض القوميين واستعدتم الطيارين الذين فروا بطائراتهم الحربية إلى القاهرة سلميا ولم يُمس جميع هؤلاء بأي أذى كان من قبل النظام، وجهودكم وإخوانكم الأمير نايف والأمير أحمد وشخصكم استقطبتم معارضيكم ودعاة الإصلاح الذين كانوا يعيشون في منافيهم الاختيارية وعادوا مكرمين معززين ولم يُسأل أحد منهم عن ماضيه، وكان ذلك السلوك حكمة الأمراء المخلصين.
السلطان قابوس بن سعيد حكيم عمان والخليج العربي، كان يواجه ثورة شعبية تقودها حركة يسارية ماوية لينينية، في مطلع سبعينات القرن الماضي استقطب قادة الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي وعينهم في مناصب عليا وبعضهم يدير السياسة الخارجية اليوم وقال لهم السلطان "تعالوا نبني عمان جميعا متحدين لا متفرقين، ضعوا خبراتكم وحققوا الإصلاح الذي تنشدونه دون عنف" وكان لهم وله ما أرادوا، وهذه حكمة السلاطين العظماء.
كانت آخر المصائب التي حلّت على الدولة السعودية يا خادم الحرمين الملك سلمان التي أصبحت "مسألة عالمية"، هي إخفاء أو تغيّب أو اغتيال أو اختطاف الصحفي السعودي المرموق (جمال خاشقجي)، بعد أن دخل القنصلية السعودية في اسطنبول، وقد تناوله الزعماء ورجال الإعلام، ولم يعد لي ما أقول في شأنه إلا أنني أقول إن الرجل لم يكن معارضا ولا حاقدا على النظام في السعودية، بل كان أحد رجاله عبر الصحافة وعمله في السلك الدبلوماسي مع الأمير تركي الفيصل في لندن وواشنطن، كان قريبا من آل فيصل خالد وتركي ومحمد، كان قريبا من أبناء أخيكم الأمير طلال بن عبدالعزيز . وسؤالي: هل مقالة في صحيفة أو مقابلة تلفزيونية لخاشقجي أو كلمة منه أو من أي صاحب رأي يا خادم الحرمين من شعبكم تهزّ عرشكم وتقضّ مضاجعكم؟ وسائل الإعلام العالمية تناولت عمليات اختطاف مواطنين وأمراء من العائلة الحاكمة كانوا يعيشون في الخارج وذُكرت الأسماء. قام بعملية الاختطاف أجهزة الأمن السعودية وراحت وسائل الإعلام العالمية تشوه سمعة المملكة أمام الرأي العالم العالمي وتتهمها بأنها دولة إرهابية لمواطنيها في الداخل والخارج، كما تناولت وكالات الأنباء سجناء (الريتز كارلتون) وهم من كبار القوم.
ألم يكن في استطاعتكم يا خادم الحرمين أن تمتص النقمة ضد نظامكم السياسي وأنتم على رأسه ومحسوب عليكم كل تلك التصرفات الغير مقبولة داخليا وخارجيا، حصار قطر وأنتم قادته أخلّ بالتوازن السياسي والاستراتيجي في المنطقة، حرب اليمن "عاصفة الحزم" لم تحقق أهدافها، أرهقتكم ماليا وشوّهت سمعة العسكرية السعودية وأسقطت هيبتها عند الأعداء والأصدقاء على حد سواء "أحفاد خالد بن الوليد" وانكشف المستور، فضحة ميزانية التسلح الضخمة لم تكن مجدية. اليمنيون يقولون أنكم قوى احتلال ولستم قوى لاستعادة الشرعية كما أعلنتم، رحتم تجربون قوتكم في أماكن بعيدة كل البعد عن هيمنة الانقلابيين مثل المهرة وحضرموت بهدف كما يقول اليمنيون لإيجاد قواعد لكم أبدية هناك، وأنتم في سباق مع الإمارات في هذا الشأن.
يا خادم الحرمين الملك سلمان حفظكم الله، لا نريد للملكة العربية السعودية إلا كل الخير كما قال بذلك الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء السابق، ونتمنى نجاح ولي عهدكم الأمير محمد في إصلاح ما أفسدته القرارات الانفرادية ( الشرق 18/9). لستُ من دعاة التشهير بسياستكم الداخلية والخارجية. تأكدْ جلالةَ الملك سلمان أنه لا يستطيع كل صاحب رأي أن يطرق باب مكاتبكم وولي عهدكم أو أي من الأجهزة التنفيذية ليدلي بنصيحته أو رأيه في أي شأن وطني، وعلى ذلك، فالوسيلة الوحيدة للتواصل بين الحاكم والمحكوم هي الإعلام، فهو أسرع وسيلة للوصول إلى الحاكم، فامنحوه الحرية.
آخر القول: نخاف على المملكة أن تغرقها الفتن بأسباب قرارات فردية وسلوك سياسي جامح، بيدك يا خادم الحرمين إصلاح ما تم اعوجاجه، بإصدار عفو عام عن معتقلي أصحاب الرأي، فهم لا يشكلون تهديدا لأمن وسلامة البلاد والنظام القائم، وإظهار قصة جمال خاشقجي ولو كانت محزنة، ورفع الحصار عن قطر، وإيجاد حل للأزمة اليمنية وإيقاف الحرب، وعودة الُّلحمة إلى مجلس التعاون، والعمل على رفع الحصار عن قطاع غزة. والله مع الصادقين في أقوالهم وأعمالهم.