حمد العامر- الأيام البحرينية-
سؤال مهم فعلا.. لماذا لا تنسحب قطر من مجلس التعاون؟ ماذا تبقى بعد ما آلت اليه الامور بين الدول المقاطعة وقطر؟ خاصة بعد الحملة الشعواء للجزيرة القطرية ضد السعودية في قضية خاشقجي !! اعتقد بأنها قطعت كل الجسور وتجاوزت كل الخطوط الحمراء. لذلك اصبح مؤلما جدا ما آلت إليه العلاقات الخليجية الخليجية منذ تفجر الأزمة يوم (5 يونيو 2017م)، واختلال أوضاع منطقة الخليج العربي وسيرها في طريق ضبابي مجهول، فبعد الخطة التآمرية الخبيثة التي قادتها دولة قطر للإطاحة بأنظمة الحكم في (المملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، وحتى دولة الكويت) وانكشاف نواياها، وبعد قيام قناة الجزيرة وتوابعها الإعلامية بتلفيق التهم ضد السعودية في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ضاقت السبل بدولة قطر فأصبحت تبحث عن مخارج سريعة تنقذها من التبعات الكارثية للأزمة التي أوقعت نفسها وشعبها فيها، إلى الدرجة التي جعلت سطرا واحدا قاله صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في مؤتمر دافوس الصحراء الذي عقد في الرياض خلال الشهر الماضي، يشعل لديها بارقة أمل لإعادة المياه إلى مجاريها وردم الهوة التي أبعدتها مسافات طويلة عن شقيقاتها.
لقد تآمرت قطر بمختلف الأساليب والطرق وخططت لتدمير شقيقاتها دول مجلس التعاون وإنهاء أنظمة الحكم المستقرة فيها والقائمة منذ مئات السنين، وأرادت أن تضرب عمود الأمة العربية والإسلامية وركيزتها الأساسية، فسعت بالتعاون مع الإدارات الأمريكية السابقة لتنفيذ خطة (الفوضى الخلاقة)، وملئها الغرور بأنها وبما تملكه من ثروات مالية ضخمة تستطيع شراء النفوذ السياسي والقيادي في محيطها الإقليمي.
وليس أدل على ذلك من الدور الحيوي الذي لعبته قطر في سير أحداث (الربيع العربي)، حيث كان لها دور مركزي في أعمال التخريب والاضطرابات وتأجيج أعمال العنف والإرهاب التي هددت سلم وأمن واستقرار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، فقد بلورت عبر (شبكة قنوات الجزيرة الفضائية) الاحتجاجات والمظاهرات التي اندلعت في شوارع عدد من الدول العربية ومولتها بالمال السياسي وعبأت الشارع العربي ابتداء من البحرين وحتى تونس، ودعمت التدخل الدولي في ليبيا في (مارس 2011م)، ثم فرض العقوبات على نظام بشار الأسد بقرار من جامعة الدول العربية التي شاءت الصدف أن يكون رئيس مجلسها آنذاك الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية.
وفي خضم فوضى الشارع العربي وفي مرحلة مفصلية من تاريخ العرب مليئة بالغموض والشكوك، قامت قطر وقدمت للعالم صورة جميلة لبلد مستقر ومزدهر وجاذب لمختلف الاستثمارات والمشاريع والأنشطة الاقتصادية والرياضية والثقافية والمؤتمرات السياسية المرتبطة بقوة بأهداف (الفوضى الخلاقة) المخطط لها على يد وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في (أبريل 2005م) خلال فترة حكم جورج بوش الأبن، والتي لم يحدد لها سقفا زمنيا بل أهدافا متعددة واضحة تحت مظلة الهدف الأكبر وهو (إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد) عبر تغيير أنظمة الحكم القائمة دون استثناء وتفتيت الدول على أسس دينية ومذهبية وطائفية وفق مراحل، وذلك الأمر حقيقة واقعة وهدف أمريكي معلن صرحت به وزيرة الخارجية الأمريكية لصحيفة الواشنطن بوست بتاريخ (9 أبريل 2005م)، وتشهد وقائع الأحداث على الحرص الأمريكي على تنفيذه بدقة متناهية في عهد (باراك أوباما)، وكان من البديهي استمرار تنفيذ تلك الخطة في حال فوز (هيلاري كلينتون) مرشحة الحزب الديموقراطي ووصولها إلى البيت الأبيض، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب فوز دونالد ترامب وانتهاء حكم الديموقراطيين بقيادة أوباما وطاقمه الذي تنتمي إليه أبرز الشخصيات التي كانت وراء الأحداث المدمرة التي مرت بالوطن العربي منذ نهايات (2010م)، فكانت لإدارة ترامب سياسة مغايرة تماما لتلك التي انتهجها أوباما.
وعلاوة على ما انتهجته السياسة العليا القطرية لتعزيز وتلميع صورة النظام القطري في أنحاء العالم، أشاع هذا الاستقرار الثقة لدى الحاكم الفعلي حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه حمد بن جاسم آل ثاني وحفزهم لدعم قوى الإسلام السياسي الصاعدة في الدول التي تمر في مراحل انتقالية، وأيضا على تزعم التفاعل الإقليمي مع الانتفاضة في ليبيا وسوريا تحت شعار (السعي إلى إيجاد حلول عربية للمشاكل العربية).
إلا أن المستغرب حقيقة هو أنه ومنذ إعلان نبأ اختفاء جمال خاشقجي في أوائل شهر أكتوبر الماضي بدأت قناة الجزيرة القطرية في الردح ضد المملكة العربية السعودية وتأجيج الرأي العام العربي والدولي ضدها وبث سمومها ودعواتها التحريضية وأخبارها الكاذبة والملفقة وإنفاق ما يقارب خمسة ملايين دولار يوميا لتشغيل القناة على مدار الأربع والعشرين ساعة للنقل المباشر من شبكة مراسليها في نقاط متعددة على الأراضي التركية!
لذلك، يبزر السؤال العميق حول سبب استمرار قطر في معاداة شقيقاتها دول مجلس التعاون، وحياكة المؤامرات للإضرار بها في تجاهل تام لنتائج ذلك العبث على المنطقة عمومًا والذي سيطال دولة قطر لا محالة، ولعل في الأسباب الآتية جواب لذلك التساؤل:
ارتباط نظام الحكم القطري ارتباطا عضويا بتنظيم الإخوان المسلمين، وذلك عندما راهنت في استراتيجيتها الأمنية على النهج الإخواني كأساس لاستقرارها السياسي وحماية ثروتها المالية وحفظ دورها الاقتصادية والاجتماعي، وقد منحها هذا الارتباط مكانة دولية كوسيط ممول موثوق به لتأدية دور مهم وأساسي لخطة التغيير إبان (الربيع العربي) نظرا لتوصل الغرب إلى قناعة بمنح (الإخوان) فرصة للحكم بعد تجاربهم في خمسينيات القرن الماضي مع القوميين والبعثيين والشيوعيين، ونجاحهم في تركيا.
وقفت القيادة القطرية بقوة مع القوى السياسية الإسلامية الصاعدة والشباب العربي في البلدان التي تمر بمراحل انتقالية، وقادت الدور المالي والدعم السياسي والإعلامي الإقليمي في الاضطرابات الطائفية والسياسية تحت شعارات حماية حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والبحث عن حلول عربية للمشاكل العربية التي جرت بالكويت والبحرين والسعودية وفي ليبيا وسوريا وتونس ومصر.
الضغوط المتنامية التي واجهتها قطر من جانب (السعودية والإمارات والبحرين) بعد كشف الغطاء عن دورها التآمري في إسقاط أنظمتها الحاكمة المستقرة، والذي سيتبعه –حسب الخطة- انهيار كافة أنظمة الحكم الخليجية الأخرى وإقامة أنظمة تعددية ديمقراطية إسلامية على النهج الإخواني التركي القريب فكرا ورؤية من نظام ولاية الفقيه الإيراني، وهو ما استدعى وقوف الدول المتضررة من النوايا القطرية في (5 يونيو 2017م) وقفة رجل واحد في وجه الغي القطري المتمادي والإصرار على إبعاد زعماء الإخوان المسلمين من الدوحة ووقف دعمهم ماليا وإعلاميا خصوصا في الدول التي تمر بمراحل انتقالية كمصر التي كادت أن تقع تحت سيطرة الإخوان المسلمين لولا الدعم السعودي والإماراتي.
وفي ظل تلك الظروف المؤسفة، وتفاقم الأزمة القطرية، وعدم وجود بوادر مشجعة لحلها، وبعد أن رسخت قطر العديد من الخطوات المؤكدة على خروجها عن الإجماع الخليجي بخرق كافة العهود والمواثيق والاتفاقيات الموقعة على مدى عمر المجلس، والمضي بعيدا عن دول المجلس بعقد التحالفات العسكرية والاقتصادية وإقامة علاقات قوية مع دول إقليمية لها مطامع تاريخية معروفة في منطقة الخليج، وما تقوم به من حرب إعلامية مفتوحة ضد السعودية بالمتاجرة بقضية جمال خاشقجي وتسابق مقدمي برامجها في نعت السعودية بالكلمات والعبارات الجارحة والمهينة، واقتناعها بجدوى الاصطفاف إلى جانب تركيا وإيران وعقد التحالفات معها لحماية وجودها كدولة، وعدم إعارتها موضوع الأزمة الخطيرة التي تعصف بمجلس التعاون أدنى اهتمام، يبقى من غير الممكن بقاء دولة قطر تحت مظلة مجلس التعاون.